رواية «أوراق محرَّمة» لـ رولا فارس ضيا

كتاب
عن دار الفارابي في بيروت، وفي طبعة أولى، 2016) صدرت الرّواية الموسومة بـ"أوراق محرَّمة"، للكاتبة اللبنانية – الباراغوانيّة رولا فارس ضيا.

تدور أحداث هذه الرواية ضمن المناخات والأجواء التالية: “للخريف مع الأرض حكاية أوراق تائهة، ولحكايتي مع الحبّ طعمُ ذاك الخريف. حبّه أربَكَ زمني وشتّتني على أرصفةِ المُدُنِ، أناجي نوافذَ الخلاص. وحيدة في عتمة القدر، في عقم الألف سؤال، سلكت طريقاً أذرت الريح ترابها، وتشرّدت على شواطئ الأحلام، في جزر لا أسماء لها.

اقرأ أيضاً: رواية «ألواح» لرشيد الضعيف… عن مشاعر مدعاةً للخجل!؟

هناك تذوّقت الفتنة كأساً… وسكّرتُ. هناك رقصت فرحاً… ونسيتُ. عدْتُ وبكيتُ، مزّقّتُ ضعفي وانتحبتُ. سافرتُ بحثاً عن اليقين وعبثاً حاولتُ. وجع ينام وآخرُ يصحو. يتكسّر الليل براكين تحرق غفوتي، تهوي النجوم في غفلة، تتمزّق الدموع على وجنات الفجر. أفردُ جناحي لضوء النهار. ينبثق عطر الأرض فتتناثر ذكراه في كل مكان. يلبسني الخريف بحضوره الآسر ثوب الشوق والحنين، ويطعنني الذنب بسكّين”.

ومن الرواية:

“مشت على الشاطئ، يعلو قدمَيها الحافيتين فستان أبيض شفاف، وعلى رأسها قبّعة ملفوفة بشال ملوَّن. عيناها تائهتان في مغيب الشمس، تتأمّلان الخيوط الحمراء في أفق البحر. وفي غمرة شرودها، تراءت لها وجوه أولادها، وسمتعت صوت الموج أنيناً يُحاكي وجدانها. سقطت على الرمل، إغمضت عينيها ورفعت يديها إلى السماء، تناجي ربَّها: ربّي الذي في السماء، تبارك اسمُكَ، ارحم قلباً أضناهُ العذابُ.

اصلح بقدرتك ما فسد منّي، واغفر لي خطيئتي. إنك أرحم الراحمين. اللهم، يا راعيَ النفوس الأزليَّ، التِفتْ إليّ، أنا عبدكَ المسكين، وأنِر لي الدربَ والمصير.

rola-fares

وضعَتْ وجهها بين كفّيها وبكت، بكت ذنباً أليماً وشوقاً لجرل خرافيّ، من قصص العشق أتاها. قبل ذلك اليوم، كانت تحلم بغير توقّف، أراها اليوم جسداً بلا روح. تبدّدت آمالها واجتاحها كآبة غامرة، ما كانت تعلمُ أنّ الحبّ قد يهزمُها.

ريفُ لا تحبُّ أن تقصَّ حكايتها على أحد. لملمت جراحَها وغادرت على متن التوبة والغفران. نسجَتْ لحياتها الوحدة والعزلة. إنها تذوبُ كشمعةٍ بعدما كانت الضوء الذي ينيرُ عتمة بيتها وسكونَهُ.

ركنْتُ سيارتي في الموقف المخصّص للزوّار. قرعُتُ جرسَ المنزل. فتح لي أوكتافيو الباب. عبرتُ الحديقة المُهملة والورود الذابلة التي كانت يوماً مدلّلة ريف، نظرتُ إلى تلك الشتول اليابسة. اعتصر قلبي أسفاً حين

تذكّرت وجه ريف. كان يجنّ جنونها إذا تأخّر Jardineiro، أي منسِّق الحديقة، وتُؤجّل أي عمل كي يتسنّى لها سقيُ الحديقة وتعشيبها.

اقرأ أيضاً: كتاب «سوسيولوجيا العنف والإرهاب»: لماذا يفجّر الإرهابي نفسه؟

دخلت المطبخ ووضعت الركوة على الغاز. طلبتُ من العاملة إيقاظ ريف، فقد كانت اعتادت النوم وتناولَ حبوب الأعصاب، وقلتُ للدكتورة Marcia De Paula أشهر طبيبة نفسية في Camboriu: “اقتربي وانظري كيف نُحضِّر قهوتنا اللبنانية. أرجو أن تعجبك، وأن تتحمّلي طعمها الثقيل”. ضحكتِ الدكتورة، ولعلها ضحكة غير متكلَّفة، ولعلّي أحرجتها بذلك؛ فالبرازيليون معتادون القهوة الخفيفة الحلوة المذاق. دخلنا غرفة الجلوس وعدتُ أحدّثها عن ريف: “ذات واحد وثلاثين عاماً، مفعمة بالحيوية والنشاط، أنيقة المظهر، أخّاذة بجمالها وجاذبيتها. ريف طموح وجريئة، الكلّ يحبّ روحها المَرِحة وتفاؤلها الدائم. زوجها رجل مميز، لا يشرب الخمر لا يعاشر النساء، ولا يخرج ليلاً من دونها. ربما يبالغ في عمله، كأغلب الرجال. أولادها الثلاثة، وبخاصة ألين razao da vida dela، هم سبب حياتها، كما كانت تقول دائماً. كانت تعيش هناء واضحاً لطالما أثار حسد النساء الأخريات اللواتي كن يعتبرنها محظوظة، تعيش بسلام. كنت أشعر بأن الروتين يُتعبها، رغم محاولاتها الدؤوب لتغيير نمط حياتها مع زوجها. أيامُها متشابهة، كأنها في خريف أبديّ… عامان كانا كفيلين بتبديل حالها. راحت تبحث في مدن الممنوع عن ألوان حاضرها وظلال ماضيها.. لم تجد شيئاً سوى طرق واسعة من الضياع والظلمة القاتلين. ريف دخلت في صراع مع الزمن، وأضحت أكثر هشاشة من قدح نبيذ قابل للكسر. ما عادت تسمع من تلك الأمواج إلا الألحان الحزينة، بعدما كانت لها مصدراً للتأمل والأمل.

السابق
وقف التخريب الإيراني أجدى من إلغاء الاتفاق النووي
التالي
ترامب مؤمن بأن الاسد «محارب للإرهاب»