فلسطين.. لا مصالحة.. لا سلام.. لا حرب

ماجد عزام

أكد فشل لقاء الرئيس محمود عباس الأخير مع قادة حماس في الدوحة أنه لا مصالحة فلسطينية في المدى القريب، بينما أكد الموقف الإسرائيلي الرسمي بمقاطعة مؤتمر باريس الدولي، إضافة إلى غياب الملف الفلسطيني عن أجندة المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية أنه لا تسوية فلسطينية إسرائيلية في المديين القريب والمتوسط، وربما حتى البعيد أيضاً من جهة أخرى فإن المشهد والوقائع في قطاع غزة، ومحيطه تظهر أيضاً أنه لا حرب في الأفق، وهو ما تؤكده ليس فقط تصريحات قيادة حماس وقادة الاحتلال، وإنما أيضاً الانفتاح الحمساوي على الخطوات المصرية الأخيرة تجاه غزة، والتي أسماها عضو المكتب السياسي للحركة خليل الحية مجازاً طبعاً الرؤية المصرية الجديدة رغم أنه ليس هناك رؤية ولا يحزنون.

اقرأ أيضاً: ما بعد دونالد ترامب: صحافة أكثر ديموقراطية… أقل تأثيراً

كان لقاء الرئيس عباس مع قادة حماس في الدوحة الأسبوع الأخير من تشرين الأول الماضي في الدوحة أقرب إلى العلاقات العامة منه إلى حوار مصالحة حقيقي أراد منه أبو مازن أساسا – بعدما كان في أنقرة قبل الدوحة – إيصال رسالة إلى القاهرة لوقف الضغوط أو المساعي لتعويم رجلها القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، وإعادته إلى صدارة المشهد السياسي الفلسطيني، وهو أي أبو مازن سيعطي طبعاً المدى المطلوب للرسالة كي تعطي مفعولها ودونما استعجال، إضافة طبعاً إلى المراهنة على التطورات المصرية الداخلية، ولن يخوض بشكل جدي في عملية المصالحة وتفاهماتها وآلياتها قبل اتضاح مفاعيل الرسالة التركية القطرية، كما تداعيات الوضع الداخلي المتوتر والمتفجر في القاهرة.

ومع ذلك، ورغم أن اللقاء كان لقاء علاقات عامة، إلا أنه شهد نقاشا ما بحضور الوسيط والراعي القطري، وخلال اللقاء أصرّ أبو مازن على السقف العالي لمطالبه أو تصوراته للمصالحة-تسليم غزة لحكومة التوافق بما في ذلك الأمن والمعابر لا حلول لقضية موظفي حماس ولا سلف مالية لهم إلا بعد حسم قضيتهم من قبل اللجنة الإدارية المالية المختصة ولا انعقاد للتشريعىي أو الإطار القيادي لمنظمة التحرير إلا بعد قيام الحكومة بكافة سلطاتها وصلاحياتها بغزة وربما يتم الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حتى قبل ذلك- ما يعني أنه ليس جادّا أو ليس بصدد طرح ما يمكن الانطلاق منه، أو ملاقاة حماس في منتصف الطريق، ومع ذلك فهو طرح مواقفه بشكل هادئ وديبلوماسي. وأكد على أنه منفتح على الحوار واللقاء ومع الحركة الإسلامية طبعاً، بانتظار ردّ الفعل المصري أو مآلات الأمور في القاهرة داخلياً وخارجيا.

حماس من جهتها ورغم انفتاحها على عملية المصالحة، إلا أنها تبدو مصرة على مواقفها أو تمسكها الحرفي باتفاقية القاهرة – أيار مايو 2011 – كما بقضية الموظفين الحساسة والشائكة والمعقدة، وهي تعلم طبعاً أن الاتفاقية تحتاج إلى تحديث ما أو مقاربة بالروح أكثر منها بالشكل أو الإطار، خاصة فيما يتعلق بالأمن والموظفين كما بسيطرة الحكومة على المعابر والحدود، والسيطرة على مقاليد السلطة في غزة بشكل عام، وهي أي حماس كانت وما زالت بحاجة إلى تحديث خاص لمعادلة الخروج من الحكومة والبقاء في الحكم التونسية الشهيرة، علماً أن قيادة الخارج في الحركة كانت مستعدة دائماً للتفاعل مع المعادلة وعلى قاعدة الشراكة خاصة في المنظمة، بينما الوضع مختلف جدياً بالنسبة لقيادة غزة تحديداً غير المستعدة أصلاً لمناقشة فكرة التخلي الفعلي عن السلطة والحكومة خاصة في سياقها الأمني وهي ما زالت تفكر بذهنية تلاشي وزوال منافستها فتح التي انتقدها السيد خالد مشعل نفسه منذ فترة.

في نفس الفترة تقريبا احتدمت المنافسة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكان الملف الفلسطيني غائبا عن النقاش في القضايا الخارجية التي استحوذت أصلاً على هامش ضئيل من السجالات والمناظرات قياساً للقضايا الداخلية محل الخلاف. بينما أشارت التسريبات الصادرة عن بريد المرشحة الأوفر حظاً هيلاري كلينتون ومساعديها إقتناعها بأن عملية تسوية وهمية وشكلية بين الفلسطينيين والاسرائيليين أفضل من الفراغ، أو الجمود. وهو ما مثل في الحقيقة جوهر الموقف الأمريكي خلال السنوات الأخيرة لجهة السعي لإعطاء الانطباع أن ثمة جدية أمريكية تجاه حلحلة الملف الفلسيطيني، للتأكد من عدم ملء الفراغ، وعدم ذهاب الأوضاع نحو الانفجار كما الحصول على مكاسب سياسية في ملفات إقليمية أخرى متفجرة في المنطقة.

في سياق ذي صلة أعطت إسرائيل ومنذ أيام قليلة تأكيدا آخر على موقفها من عملية التسوية أو بالأحرى عدم حضور العملية بشكل جدي على أجندتها، حيث رفضت تل أبيب بشكل رسمي حضور مؤتمر باريس الدولي حول الصراع في فلسطين، وأبلغت فرنسا أنها تفضل المفاوضات المباشرة دون تدخل خارجى، وهي تعرف طبعاً أنه لا احتمال، ولو ضئيل لاستئناف المفاوضات في ظل مواقفها المعلنة وسياساتها الاستيطانية والتوسعية الواضحة على الأرض.

إذن لا مصالحة، لا تسوية، واكتمل الثالوث مع التطورات أو الواقع الحالي في غزة، حيث تصريحات قادة حماس، وقادة الاحتلال، تظهر ألا نية أو رغبة بالحرب ويصب في نفس الاتجاه طبعا انفتاح حماس على الخطوات والتسهيلات المصرية الأخيرة تجاه غزة ووصول عضو المكتب السياسي للحركة خليل الحية للقول إن هناك رؤية مصرية جديدة تجاه غزة، وأن الحركة منفتحة ومستعدة للتعاطي بالإيجابية معها، ما يؤكد أن الأمور لا تسير نحو الحرب والأولوية هي لتحسين الأوضاع المنهارة والكارثية في القطاع المحاصر، علماً أن المحصلة العامة للخطوات المصرية تقول إن غزة ستبتعد عن الضفة وتقترب أكثر من مصر، ما يبقي سلطة حماس على حالها حتى مع ازدياد نفوذ وتأثير القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، علماً أن هذا سيكون حتماً على حساب المصالحة، وإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي السائد.

بناء على ما سبق فإن المشهد الفلسطيني يُظهر ألا تسوية في الأفق لا سلام مع إسرائيل ولا حرب معها ولا مصالحة أو إنهاء للانقسام أيضا، وهنا ثمة سوريالية غير مفهومة أو مبررة لأن انعدام فرص التسوية وتضاؤل احتمال الحرب يفترض أن يمثلا حافزا نحو التقارب والتوحد الفلسطيني، والاستفادة من الفسحة الزمنية لترتيب البيت الداخلي وبلورة استراتيجية وطنية موحدة لإدارة الصراع مع إسرائيل، غير أن الأولوية الآن هي للخلاف الداخلي في شقه الحزبي أو الوطني أما الصراع مع الاحتلال فمؤجل أو يبدو كذلك وإلى أجل غير مسمى أيضا.

السابق
السيسي يطالب باعتذار العاهل السعودي
التالي
اغلاق المدارس في طهران بسبب التلوث