السكين شر

في ذاكرتي عندما ذهبت إلى دمشق مع التلاميذ لرؤية جمال عبد الناصر في عيد الوحدة في العام 1960، أن أترابي من الفتيان تحسّروا كثيراً لأنه لم يكن لديهم من النقود ما يكفي لأشتري لهم به سكّيناً شامياً 6 طقّات، وقد اشتريت واحدة لنفسي من دون أن يكون لي هدف محدّد من شرائها، أنا المعروف بالميل الشديد إلى المسالمة.

اقرأ أيضاً: دمشق والدمشقيون

وعندما عدت والسكّين في جيبي، راودتني أحلام استعمالها ضد أترابي الذين يسبّبون لي ألواناً مألوفة من الأذية الريفية. وأعرف أن طيّبين كثراً استخدموا سكاكينهم في الشرّ من دون أن يكونوا من أهل الشرّ، ولكن السكين شر يغري بالشرّ، إذاً فلا سكين ولا شرّ.

طعن بالسكين

وأذكر أن قوى الامن كانت تشدّد دائماً وفي كل مكان على التفتيش عن السكاكين والتغريم على حملها، ولكن قوى الأمن الحدودية مع سوريا وقتها كانت منقسمة بين من هم مع الوحدة ومن هم ضدّها. وصادف أن رجل الأمن الذي فتّش حافلتنا كان مُتعاطفاً مع الوحدة، فمرّت سكاكيننا، التي ما لبثت في رعاية عبد الحميد السراج أن تحوَّلت إلى بنادق قتلنا بها أهلنا الأقربين والأبعدين، وقتلونا هم بسلاح عربي أخر وصل إلى لبنان عبر الحدود ذاتها.

أنا المواطن اللبناني الذي لم يُقصّر في دعم المقاومة بالحبّ والمال والنقد، أنا المواطن اللبنانيّ الأب والجدّ، أريد توجّهاً جادّاً قويّاً معقلياً وعلمياً نحو التنمية، حتى لا تجدّد الرأسمالية المتمولة الرهان عليّ، فتستحوذ على عقلي ودمي وما تبقّى من ثروتي وغدي، كما استحوذت على الماضي والحاضر، في غياب العقل الذي يبني ويحمي، أو يبني ليحمي، أو يحمي ليبني.

اقرأ أيضاً: الخوف على الأقلية والخوف على الأكثرية

أريد شرطياً يفتّش جيب حفيدي عن سكين حتى يصبح حفيدي خائفاً من السلاح، ولا يخيف أحداً به، فيحيا ونحيا ونصنع سلاحاً من اجل حمايتنا ومن أجل سلامنا، سلاح المعنى، سلاح الفكر، سلاح التنمية، وننمو ونكيد أعداءنا بدل أنفسنا.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
قصر لمصاص الدماء «دراكولا» في رومانيا
التالي
بالصورة: هذه هي الورقة التي صوّت بها الكتائب