موت بالوكالة

بعد تحية الرحمة و السلام، و بعد سماع الزخم الهائل من الشتم و الإهانات، و بعد الإنبهار بالغضب العنيف الموجه لرمز مقدس عند طائفة كبيرة من العرب و المسلمين و عند كثير من العالمين،  بات على من تدثر بالهيبة المكتسبة أن يتواضع و أن يغلب الحق على المصلحة، و العدل على الظلم، و الرؤية على الإندفاع، و العفاف على سفك الدم، عليه ان يعلم أن تاريخ المصادفات الذي يمر من لحظة إلى أخرى ليس كتاريخ التحقق المتتالي المتصل بالشعوب و من خلالها، عليه أن يتخلى عن الفوستية التي لا حدود لها، تلك التي تعتبر أن كل ارض تفرض إرادتك عليها هي وطن لك، عليه أن لا يستجيرمن الفراغ بالفناء، عليه أن يدرك بأن اللا شيئية الإنفعالية لا نفوذ لها في المجتمعات العربية التي تتفاعل مع محيطها و ليس عليه.

على السيد حسن نصر الله أن يعي التبدل الديموغرافي الحاصل في بلادنا جراء التناحر و الإقتتال، عليه قبل التسامي أن يشرح للناس لماذا أعداد النساء فاقت أعداد الرجال ( الذين لم نعد نشاهد منهم إلا القادة أصحاب المقامات السياسية و الدبلوماسية و الدينية و عدد لايستهان به من الكوادر التجار). عليه أن يشرح لهم أمرا من المنتظر أن يحدث تبدلا كبيرا في طبيعة السكان، تبدل تتسارع فيه خطى الشيخوخة بين الرجال و تتباطأ معدلات الولادات، مقابل تناقص عنصرالشباب إما لإزدياد معدل الوفيات أو لملازمتهم الجبهات أو بداعي السفر هربا من الموت الإجباري أو الملل من إنتظار المخصصات، في وقت تشير الإحصاءات إلى طول متوسط الاعمار الإفتراضية للنساء في بيئة تخضع لتحول حاد. تحول ربما سيفرض على المتحول مزيد من الإعتماد على عنصر النساء في ميادين القتال و بالتالي لا نستبعد سماع أخبار عن سقوط شهيدات بعدما شاهدنا مجالس عزاء تقام في المناطق لقاصرين سقطوا في ساحات المعارك خارج لبنان ، فمن الواضح أن الحرب إنتقلت من الجنوب إلى الشرق والغرب و الشمال وإلى ما وراء البحار، ومن مقاتلة العدو إلى مقاتلة الأخوة الاعداء.

حسن نصرالله

على الحر أن لا يغيب عن باله أن وجوده ريعي، و أن حزبه يعتمد على المصادر الخارجية و على ما يتسنى له من حصول على غنائم المؤسسات التابعة للدولة، عليه أن يتذكر أن نظامه إستثنائي لا يدوم طويلاً، نظام لو نفذت المصادر التي يعتمد عليها، وقف مشلولا مشدوها منصاعا لأمر الحرب، يستسهل الهزيمة و يدعي النصر. واقع تتضاءل فيه قيمة العلم و الإبداع والكفاءة لأنها عملات لاقيمة لها أمام المهارات القتالية والزبانية والقدرة على التسلق وإقتناص الفرص.

إقرأ أيضاً: في أي كتاب يقرأ السيد نصر الله أو في أي لغة يتكلم؟!

على سماحته أن يستبدل خطاب المايكرو بمصطلحات الماكرو ، عليه أن ينتقل من النسق الاصغر إلى المستوى الأعم و الأكبر، عليه أن يصارح جمهوره بحقيقة أن القتال في سوريا ليس ببعيد عن الصراع على الغاز، و أن التحرك في بلاد النفط والغاز سيمكن الغازي من النمو السريع، ومن السيطرة والـتأثير ، عليه أن يصارحهم بإستراتيجية بوتين الغازية التي بدأت منذ أعوام من موسكو ووصلت أخيرا الى الشرق الأوسط ،عليه أن يشرح لهم الاسباب التي دفعت بالولايات المتحدة إلى إحياء مشروع موازي ينافس الخطين الروسيين الشمالي والجنوبي للغاز، عليه أن يذكر أمامهم سعي إيران والسعودية كما تركيا وقطر ومثلهم دولة إسرائيل إلى حجز موقع لهم في المشروعين، عليه ان يقر بإن سوريا مع الإحتياط اللبناني سيشكلا نقطة تجميع الغاز المصدر إلى أسواق الإستهلاك الأوروبية والشرق أسيوية المنتجة والتي ستعتمد في صناعتها على الغاز بديلا من النفط في المستقبل أو هي ستوازي بينهم.

إقرأ أيضاً: حزب الله يشيطن معارضيه ويسخّر الدولة لكم الأفواه

عليه أن يعترف بأن كل ما يحدث في المنطقة من موت بالوكالة هو في سبيل المشروعين اللذين على أساسهما ستتحدد آفاق القرن المقبل إقتصاديا و إجتماعيا و سياسياً واستراتيجياً.

السابق
أحد أسرى الميليشيات: نقاتل في سوريا بفتوى الخامنئي وهذه هي أعدادنا
التالي
رشا الزين لـ«جنوبية»: تعرضت للشتائم والدفع ولم يتمّ ردع المعتدين