شتان بين القيم الأخلاقية و المحافظة على النفس

لم يطالب بحزب و لا هو سعى لحزب و لا كان طموحه إنشاء حزب، وما منعه عن ذلك إلا سعيه لحكم العقل وسيادة المعرفة، هو دعا إلى قيام برجوازية إنتاجية بديلاً عن الكولونيالية العصبية تكون كفيلة بحماية الطبقى الوسطى ، تتصف بالعلم و المعرفة و القدرة على قهر الخوف، قادرة على الخلق و الإبداع، تتبنى التفكير الحديث، برجوازية تنبذ السلالية التقليدية الموروثة التي يتشارك معتنقيها الرغبة في الحفاظ على النوع، برجوازية تنتج ديمقراطية إقتصادية فيها الكثير من الرغبة و العرفان و التقدير والعيش في الآن، تسير بإتجاه المستقبل و الجمهورية المكتملة ، تلك التي يحكمها الأكفاء و أصحاب المكانة و الهيبة، تنبذ الوحدوية و تتقيأ الوحدويون و السلطة الماضوية الإرستقراطية الخاصة.

إقرأ أيضاً: في الجنوب: مناصرو الأحزاب خاضعون لقانون القطيع

إن السيطرة المستمرة المعتمدة أو المعتنقة السائدة تزيد من فرص تحول المجتمع إلى مجتمع رقيق تحكمه قلة من الأسياد هي في أدائها أشبه برجال العصابات الذين يسهلون النمو الدرامي للطبقية و السلالية و الحكم الموجه، وهم لأجل ذلك و في أغلب الأحيان يستعينون بقوانين عاطفية (قومية،وطنية،إثنية…. و تشريعات دينية محكومة بالمعاهدة و المهادنة و الملاءمة و التوفيق) تسمح لهم كأسياد كما للعبيد بالمحافظة على وجودهم داخل الطبقة أو في الحزب و التيار كما في الجماعة بشكل منضبط ومن دون إخلال بالميزان ليبقى حكم التمثال ، ونبتعد عن فرصة نمو أي إيديولوجية تنبأ بالمنافسة أو الحلول.

إن كل الأحزاب القومية و السلالية و إلى حد ما و بالقياس إلى زمانا التيارات العقائدية كالتي تدين للحاكم بالسجود و الطاعة، تخضع ناسها لتاريخ موجه يؤدي إلى مستقبل بيروقراطي-إستبدادي-شمولي يبقيها بعيدة كل البعد عن المستقبل الحر،و هي أحزاب و سلالات تعتاش و تتغذى من دول العالم الثالث، في مجتمعات إستهلاكية راكدة لا هي صاعدة و لا هابطة نهايتها دائماً مميتة.

إقرأ أيضاً: بعد انكشافها.. كيف ستنقذ الأحزاب نفسها؟

لا يمكن للرعب أو الخوف أن يأخذ الناس إلى الإنتحار إذا ما إستملكهم اليأس، ولا يمكن لأحد أن يتمنى المرض لإدراك الإنتقال، لقد قالها دولة الرئيس رفيق الحريري يوماً أن شتان بين القيم الأخلاقية و المحافظة على النفس، و بين الخوف و المحافظة على النفس. فالكرامة على عكس المال لا يمكن تقسيمها و لا تجزئتها على الرغم من إمكانية توريثها إن اصطلح الأمر. العود المنصوب في الشمس إن أملته قليلاً زاد ظله و إن جاوزت الحد في إمالته نقص الظل. و خير ما يمتلك المرء غريزة العقل فإن حرم منها فعلم يتعلمه، فإن فاته فصدق لسان، فإن عجز فصمت و سكوت. وعليه فعلى هؤلاء المرعوبين الخائفين أن يتوقفوا عن الحراك الفوضوي العشوائي و يتأملوا قبل أن يشاركوا في إنجاح سياسة محو المؤسسات و القضاء على الجمهورية.

السابق
أردوغان للعبادي: اعرف حجمك.. والأخير يعيّره بالسكايب!
التالي
روسيا بين السكرة والفكرة