(7/24) أطول أيام عون

لعل أطول أيّام ميشال عون هي هذا الشهر الذي “اخترعه” رئيس مجلس النواب نبيه برّي بضربة مطرقة حادّة، مؤجِّلاً موعد جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة من 28 أيلول حتى 31 تشرين الأول.

ولعل هذه الحركة هي الأقسى والأدق تصويباً والأكثر “لؤماً” ومناكفة وتراجيديّةً وكوميديّةً في مسيرة بري وعون، كلٌّ وحده ومعاً. وربّما هي كذلك في تاريخ مجلس النوّاب والجمهوريتين الأولى والثانية.

فقد جعل بري أيام عون تلك تختصر حياته العسكريّة والسياسيّة. إذ صيّره يقف على باب حلمه عاجزاً عن دخوله. وفي أفضل حالاته، يصرخ ألماً وحسرة من دون أن يسمع أحدٌ صدى أو أنيناً.

اقرأ أيضاً : هكذا سيعلن الحريري ترشيح عون وهذه أبرز بنود الاتفاق

حقّق برّي ذلك بهدوء أقرب إلى الشماتة العلنيّة والخفيّة، رغم أنَّ الرئاسة لم تكن قد اقتربت من عون. الأمر لم يتعدَّ بروز إيجابيّة من سعد الحريري تجاه ترشيح عون… وأجّل بري الموعد شهراً، فكيف لو أنَّ الحريري حسم قراره ومشى بترشيح عون، ومشى معه آخرون؟ ماذا كان بري ليفعل في روزنامة مجلس النواب ومواعيد جلساته، بل بأيام عون وأشهره؟

وهذه ضربة معلّم، إضافة إلى إشاراتها السياسيّة، كافية لتغدو بئراً غازيّة من الحقد العوني تجاه حليف الحليف.

والقذيفة هذه، إلى كونها رسالة مباشرة من عين التينة إلى الرابية، هي من أقوى الأرانب التي يُخرجها برّي من كمّه. لذا، يمكن أن تراه معتدّاً بنفسه وسط ذهول الأقربين والأبعدين وتصفيقهم السرّي. من المختارة حيث يقرقع وليد جنبلاط المتة قارئاً أنَّ كلمة السر لم تصدر بعد، إلى الضاحية الجنوبيّة التي يقول أمينها العام السيد حسن نصرالله إن موعد الحسم لم يحن وهو للميدان السوري، إلى السعودية التي يدرك بري وجنبلاط ومعهما فؤاد السنيورة، والحريري في طبيعة الحال، أنّها غير متحمّسة لترشيح الحريري عون وانتخابه رئيساً للجمهوريّة. ومصدر اعتداد بري هو أنّه دبّر مخرجاً دستوريّاً لتأجيل انتخاب رئيس للجمهورية. وهو مخرج يبحث عنه هؤلاء، وقد أضاف إليه بري نكهة تحدٍّ وسخرية قدريّة، بل سهاماً إلى عون.

اقرأ أيضاً : الحريري يقترح عون في بنشعي وفرنجية يرد: الكلمة لـ«برّي»

هكذا، أصاب بري عصفورين، على الأقل، بحجر واحد. أجّل ما يريد الأفرقاء تأجيله، إذ منحهم شهراً قابلاً للتمديد والتجديد، وفي الوقت نفسه قال لعون، ولجبران باسيل تحصيل حاصل، إنني طريقك إلى حلمك. وإنك، مثلما أقمت في قصر بعبدا من دون أن تغدو رئيساً للجمهورية، تقف هذا الشهر الطويل من دون أن تغدو رئيساً. ولعل هذا البعد هو الأقوى بين معاني الرسالة تلك. إنه البعد الدرامي الذي جعله بري كوميدياً. وهي حكمة لا تتناسل من حنكة بري فحسب، إنما من قدر عون وصورته محارباً خاسراً من أجل كرسي ولو في قصر مدمّر أو فارغ.

(المدن)

السابق
بري يقرص الحريري: «السلّة» أهم من رئاسة عون
التالي
هذا ما يريده العالم من لبنان: اتفقوا!