الليطاني… الوباء مستمرّ!

تعلمنا في كتب الجغرافيا أن النهر هو عبارة عن مياه عذبة صافية تستمد زرقتها من لون السماء، وكنا نستعمل اللون الأزرق للدلالة على وجود نهرٍ ما على الخريطة، أما ما لم نتعلمه في الكتب المدرسية تعلمناه في كتب الإهمال. إذ تحول نهر الليطاني إلى مشكلة بيئية على طول مجراه، وتغيّر لون المياه العذبة إلى البني المبتذل، ليصبغ المنطقة بلون جديد من الحرمان، والإهمال الذي لم تقتصر تداعياته على الكائنات الحية والمزروعات والآبار الجوفية، بل طال صحة المواطنين وعرّضهم ولا يزال يعرّضهم للمزيد من المخاطر الصحية والأمراض على طول 170 كلم تشهد على إهمال دولةٍ حولت نعمة الخالق إلى نقمة والنهر إلى وباء متنقل يقتل كل ما في طريقه من بشر وكائنات حية ومزروعات…

اقرأ أيضاً: الليطاني شهيداً

كثرت اللقاءات والندوات والخطط حول قضية تلوث نهر الليطاني من منبعه إلى مصبّه، ولا يزال التلوث سيّد الموقف في حوض تتعدى مساحته الحيوية ثلث مساحة لبنان، وتتوزع على البقاعين الأوسط والأعلى، وعلى بعض مناطق الجنوب بنسبة 20 في المئة، “ما يعني أن ثلث لبنان معرض للتلوث” وكثرت الدراسات حول تلوث النهر، وتصبّ كلها في نسب تلوث تجاوزت كل الخطوط الحمر، تلوث ما عادت نتائجه سرطانات بالجملة تضرب صحة المواطنين في المناطق القريبة من النهر بل تعدت ذلك لتضرب المياه الجوفية، في مشكلةٍ يعود عمرها للعام 1986 عندما سمحت وزارة الطاقة بجر المياه المبتذلة إلى نهر الليطاني، وشرّعت ذلك للبلديات القريبة.

نسب تلوث خطيرة
تظهر نتائج فحص مياه نهر الليطاني في مختبرات مؤسسة مياه لبنان الجنوبي الواردة في دراسة بعنوان “تلوث نهر الليطاني كارثة بيئية وطنية” من إعداد الناشطين (هالة عقيل، هدى الديراني، فاطمة المحمد، حياة مرشاد ومهى نمور) تحت إشراف الصحافي والخبير البيئي بسام القنطار، كما عرضت مقتطفات منها الناشطة رولا زعيتر خلال حوار نظمته مجلة “شؤون جنوبية” و”تجمع لبنان المدني”، بأن نسبة التلوث في مياهه بلغت 37 في المئة في حين أنها يجب أن تكون 2 في المئة فقط. وقد تمّ تحذير المواطنين من السباحة في مياه النهر أو استخدامها لري المزروعات بسبب كثرة الجراثيم التي تحتويها والتي تسبب التسمم والتيفوئيد (اسيرشيياكولي- كولي فورم-سلمونيلا) هذا بالإضافة إلى تلوث أرض النهر بالجراثيم المعروفة باسم سيرومونا.
أما أبرز الأسباب المساهمة في تفاقم أزمة تلوث النهر فهي تحويل مياه الصرف الصحي للمنازل ومخلفات المعامل والمستشفيات ومحطات الزيوت والوقود إلى مجرى النهر، علماً أن هذه السوائل تحتوي مواد مضرة تتسرب إلى باطن الأرض وتمتزج بالمياه الجوفية وأخطرها مادة الرصاص ومختلف المواد الكيميائية من نترات وزنك وفوسفات وهي تصل إلى المواطنين وتشكل خطراً على صحتهم. إذ تم الكشف مؤخراً عن وجود عشرات الإصابات بالأمراض السرطانية وأمراض القولون نتيجة تلك المواد. هذا وتغزو الوحول والرمول النهر من منطقة الدلافة مروراً بالخردلي وصولاً إلى محطة الطيبة حيث مسارب عدة من مرامل إلى النهر ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الرمول فضلاً عن أن بعض هذه المرامل لا تستوفي الشروط لجهة الابتعاد عن النهر وبعضها الآخر يغسل الرمول في النهر.

الليطاني

بدائل الحلول
وحسب الدراسة، فهناك عدة بدائل يمكن العمل بها لحل مشكلة تلوث نهر الليطاني أبرزها:
1- تضافر جهود الجمعيات البيئية (المحلية والدولية) والتعاون مع القادة المحليين والبلديات وأهالي المناطق المتضررين من تلوث نهر الليطاني من أجل الضغط على الدولة والجهات الرسمية المعنية.
2- حملات توعية وضغط مكثفة عبر الإعلام.
3- التشدد في تطبيق القانون 444 الصادر في العام 2002 والذي ينص على فرض عقوبات على كل شخص ومؤسسة ملوثة وغير ملتزمة بالمعايير البيئية بغرامات مالية وبالسجن، علما أن هذا القانون غير مطبق منذ أكثر من 14 عاما.
4- استمرار المراقبة الميدانية لنوعية المياه في النهر بوتيرة أعلى (أي أخذ عينات نصف شهرية) .
5- السيطرة على مصادر التلوث عبر استخدام وسائل الحفاظ على الثروة المائية وحمايتها.
6- معالجة مياه الصرف الصحي بإقامة محطات تكرير جماعية لمعالجة المياه المبتذلة عند مخارج المدن والتجمعات السكانية.
7- انشاء محطات لمعالجة النفايات الصلبة.
8-إلزام مصانع تحويل الإنتاج الزراعي ومعامل إنتاج الألبان والأجبان والمسالخ بتجهيز منشآتهم بمحطات تكرير للسوائل والفضلات الناتجة من عملية التصنيع.
9-الترخيص بحفر الآبار في المناطق المجهزة بشبكات ري جماعية وإلزام المشتركين بالانخراط بالمشروع العام.
10-إصدار قانون ريفي ” Code rural” يحمي الأراضي الزراعية ويمنع استعمالها لأغراض البناء أو لأغراض أخرى.
11-الحفاظ على التوازن الطبيعي في عملية الإنتاج الزراعي )إنتاج حيواني إنتاج نباتي(.
12-إعادة تنظيم قطاع المقالع والكسارات والمرامل ووقف التعدي على المنظر الطبيعي والتلوث داخل الحوض.
13-استصلاح الأراضي بشكل علمي تُراعى فيه المحافظة على المجاري الشتوية للمياه وعلى عدم التعدي على المنحدرات والمواقع الآثرية والحفاظ على الثروة الطبيعية.
14-منع حفر الآبار الجوفية في المناطق المجهزة بشبكات ري جماعية وبمشاريع ري عامة وإلزام طلبات الحصول على رخص بحفر الآبار الجديدة في المناطق غير المجهزة بشبكات، بموافقة المصلحة على إعطاء الترخيص.

خطة عمل
وعرض أحمد دمج الاختصاصي البيئي في دائرة مكافحة تلوث البيئة السكنية في وزارة البيئة خارطة الطريق المعدة في وزارة البيئة لمكافحة التلوث في نهر الليطاني. فـ”في الـ2011 بدأ العمل الجدي لإيجاد حل للأزمة، وقامت وزارة البيئة برسم خارطة طريق انطلاقاً من 120 دراسة عرضت الملوثات في نهر الليطاني، أنواعها، مصادرها، وقدمت اقتراحات للحلول”. وهي الخارطة التي وضعت في الـ2013 ، وتبعها مشروع قانون في الـ2014 يحدد ما يتوجب على الدولة تقديمه من أموال لحل أزمة النهر. و”اقترح مشروع القانون تقديم 2,3 مليون دولار لمصلحة مياه الليطاني، و2,3 مليون دولار لوزارة البيئة، و2,3 مليون لمعالجة التلوث الصناعي، أما الكمية الكبرى من الأموال التي تمّ اقتراحها لحل أزمة الصرف الصحي، بقيمة 700 مليون دولار، من محطات تكرير لمياه الصرف الصحي، وشبكات جر للمياه المبتذلة”. وبقرار مجلس الوزراء في الـ2014 تم تشكيل لجنة إشراف على تطبيق خارطة الطريق التي يجب أن تنتهي في الـ2017، إذا سارت أمور التنفيذ والتمويل على ما يرام.
وعلى وجه السرعة عرض دمج المشاريع التي تشملها خارطة الطريق على مستوى (التدابير اللازمة على المدى السريع والمتوسط والمستدام) منها ما رُصدت له الأموال ومنها ما لم تُرصد له الأموال بعد.

التدابير اللازمة
تلحظ خطة العمل في موضوع الصرف الصحي تدابير عدة منها استكمال إمدادات محطة إيعات وتحويل المياه المبتذلة الصادرة من 8 بلديات قريبة على المحطة، إنشاء محطة تمنين التي ستُحول عليها مجاري 10 بلديات وإنشاء شبكات إضافية لها، لتشمل عدة بلديات أخرى، وانشاء محطة في شرقي جنوب زحلة تخدم 8 بلديات واستكمالها بالإمدادات اللازمة لتخدم 5 بلديات أخرى، مع استكمال الشبكات الخاصة بمحطتي أبلح والفرزل، واستكمال محطة المرج لتخدم 7 بلديات، وإنشاء شبكات إضافية لمحطة المرج لتخدم 10 بلديات أخرى. تأهيل شبكات الصرف الصحي في جب جنين وصغبين، وتشريع الطرق الأنسب لإدارة الوحول استناداً للمعايير الدولية والدراسات المتوفرة، والعمل على اعتماد دراسة إعادة استعمال المياه المبتذلة المعالجة.
أما التدابير اللازمة لموضوع النفايات الصلبة، فتشمل تنفيذ وتشغيل وصيانة مطمر بعلبك، قيام بلديات قضاء زحلة بالتخلّص من نفاياتها في مجمع زحلة لمعالجة النفايات الصلبة ، توسيع معمل فرز وتسبيخ النفايات الذي يشيّد حاليا في جب جنين، إنشاء معمل فرز وتسبيخ ومطمر صحي في بر الياس، وإنشاء معامل فرز وتسبيخ ومطامر صحية أخرى. إضافة إلى إقفال مكب الكيال، وإقفال وإعادة تأهيل مكبات تمنين التحتا، قب الياس، بر الياس، حوش الحريم، الخيارة جب جنين وغزة. وإنشاء مركز لتعقيم النفايات الطبية في بعلبك وتأمين شاحنات ونقل مستوعبات. والتخلص من النفايات الطبية الصادرة عن المستشفيات في قضاء زحلة عبر إرسالها إلى مركز تعقيم النفايات الطبية في زحلة.
بينما تشمل التدابير المتعلقة بالنفايات الصناعية التي تلحظها خطة العمل البدء بتطبيق المرسوم 8471 2012 (الالتزام البيئي للمنشآت)، بما في ذلك منح شهادات بيئية إلى المؤسسات الملتزمة وفرض أشد العقوبات على المنشآت المخالفة. واستكمال التحضير لمشروع مكافحة التلوث المركزي المصدر والذي من شأنه تأمين قروض ميسرة للإلتزام البيئي للمنشآت.
وفي القطاع الزراعي سيتم العمل على ترشيد زراعي مكثف وصولاً إلى تقليص استعمال المبيدات الزراعية والأسمدة بمراقبة وزارة الزراعة، وتحديد المشاكل الفنية والقيود على إنتاج وتصدير المحاصيل المختارة، ودعم تركيب واستخدام وسائل ري فعالة ودعم نظم تغذية النباتات المتكاملة والمحافظة على التربة.
وتركز خطة العمل في نهايتها على موضوع الحوكمة، وهي مجموع التدابير اللازمة لتحسين التعامل مع هذا المورد الطبيعي، كي لا تعود الأزمة لنقطة الصفر، وتشمل معاينة مصبات الصرف الصحي وعدم السماح بوصل أية خطوط شبكات مجارير جديدة في المناطق التي لا يوجد فيها محطات تكرير، وفرض إنشاء جور صحية للوحدات السكنية واستحداث لجنة من الإدارات المعنية تتمتع بصلاحيات مباشرة لمنع التعديات مع الاستمرار بأخذ وتحليل العينات لجهة نوعية المياه وغيرها من التدابير التي تضمن حسن تطبيق كل ما سبق وحسن استمرار العمل به.

اسمع تفرح
إذاً، على مبدأ اسمع تفرح قدم مندوب وزارة البيئة تفاصيل خطة وزارته الوردية، ولكن تبقى العبرة في التطبيق الذي لا بد بأنه سيتعثر على مفترق سوء التنفيذ أو سوء التنسيق أو تضارب المصالح بين الوزارات المعنية والسلطات المحلية والصناعية على ضفاف النهر.

cadre
أهمية نهر الليطاني
نهر الليطاني أطول الأنهر اللبنانية ينبع من غرب بعلبك في سهل البقاع ويصب في البحر المتوسط شمال مدينة صور. يبلغ طوله 170 كلم ينبع ويجري ويصب في لبنان. وتبلغ قدرته المائية تقريباً 750 مليون م3 سنوياً. ويحتل حوض الليطاني المرتبة الأولى من حيث المساحة (2175 كيلومترا مربعا) أي حوالي 20 في المئة من مساحة لبنان، يقع 80 في المئة منها في سهل البقاع و20 في المئة في لبنان الجنوبي. ويبلغ متوسط هطول الأمطار في هذا الحوض 700 ملمتر في السنة أي حوالي 764 مليون م3، تتوزع على الشكل التالي: 543 مليون م3 في سد القرعون و221 مليون م3 في باقي السدود. كميات المياه التي يصرفها الحوض تعادل 24 في المئة من المتساقطات الصافية على مجمل الاراضي اللبنانية، وهذه الكمية تمثل أكثر من 40 في المئة من مجموع كمية المياه الجارية في الأنهر الداخلية. وينبع نهر الليطاني من عدة ينابيع تدعى ينابيع العليق الواقعة على مسافة 10 كيلومترات إلى الغرب من مدينة بعلبك، على علو 1000 متر ويخترق الليطاني سهل البقاع من شماله إلى جنوبه حيث يحافظ على مستوى يتراوح بين 800 و1000 متر ويزداد تصريفه تدريجياً بسبب الروافد التي تنضم إليه.

السابق
الحريري بدأ المشاورات ودعوة للمشاركة بجلسة الغد
التالي
حريريون غاضبون لـ«نبيه برّي»: أنتَ النبيه بلا هاء