السيد محمد حسن الأمين (2): عن أسئلة العولمة والهويات الضيّقة

لا شك أن للعولمة تداعياتها الإيجابية والسلبية والبحث في هذا المجال واسع ومتعدد، ولكن ما يعنينا هنا في المنطقة العربية والإسلامية أن نتساءل هل أن ما تشهده هذه المنطقة من أشكال التحدي والصراع ويقظة الهويات الضيقة هو من تداعيات العولمة السلبية؟

يجيب السيد الأمين فيقول: “ليس بوسعي أن أعزو هذه المعطيات السلبية التي تجتاح منطقتنا إلى سلبيات العولمة فحسب، ولكن هناك عوامل وأسباب أخرى لا بد من البحث عنها في داخل الإطر العربية والإسلامية. فمن وجهة نظري فإن هناك تراكمات تاريخية قد تكون ظاهرة الصراع المذهبي والإثني هي واحدة من تشظيات هذا التراكم الذي ينفجر الآن على صورة انكفاء نحو الهويات الضيقة، وهنا لا بد أن تشخص بعض هذه التراكمات لكي نستطيع أن نحدّد ما نتج عنها من سلبيات خطيرة تهدد مستقبل المنطقة، او على الأقل تقف عائقاً أمام تطلع المنطقة نحو التقدم وتجاوز كل أشكال التخلّف والتراجع في الصِّيغ السياسية والاجتماعية والعسكرية”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين:(1) عن أسئلة العولمة والهويات الضيّقة

ويوضح السيّد الأمين ” نحن نفترض أن للمنطقة هوية أساسية هي باختصار الهوية الإسلامية، ولكن هذه الهوية بالرغم من طابعها الديني هي هوية بشرية لا يمكن لها أن تظل جامدة وثابتة على صورة واحدة، فلا بد من أن تخضع لقانون التطور والارتقاء بوصفها هوية بشرية كما قلنا، والأمر الحاصل هو أن هذه الهوية لم نتمكن من تطويرها وتمسّك أكثر المسلمين بصورتها التاريخية الماضوية، وحاول البعض التفلّت الكامل من هذه الهوية، وفي هذا المجال، أي في مجال التفلت من الهوية، نشأت في الاجتماع العربي والإسلامي نظم سياسية قامت على قاعدة الانفصال الكامل عن الهوية التاريخية، واعتبرت هذه النظم، أن بهذا الانفصال تحقق إنجاز هوية جديدة للمنطقة، وسمت نفسها أنظمة علمانية وقد ذهبت بعيداً في التنكّر للجذور التاريخية من جهة وفي القصور عن التلبّس روح الحضارة الفرية التي أريد لها أن تكون بديلة عن الحضارة الإسلامية من جهة ثانية”.

العولمة

ولما كانت هذه الانظمة التي لبست لبوس العلمانية غير ديموقراطية كما يفصّل السيد الأمين “راكمت هذه السياسة المزيد من التنكّر لهوية الشعوب وأمعنت في مصادرة حقوقها العقيدية والسياسية والاجتماعية، وكان القمع باستمرار هو الوسيلة التي استخدمتها هذه الأنظمة، ليس ضد الإيديولوجيات الإسلامية المتشددة فحسب، ولكن حتى ضد أفكار الإصلاح والتنوير المنطلقة من عقيدة الاسلام وحضارته، وعبر سلسلة عقود من التاريخ الحديث، ازداد هذا التراكم إلى أعلى درجة لا يمكن أن يكون نتيجتها سوى انفجار من نوع ما. فحدث هذا الانفجار كما نشهد اليوم على صورة يقظة دينية متطرّفة، عندما استحال أن تكون شعوب المنطقة بتطوير نظمها السياسية الإصلاح والتنوير، وبدل أن يتصدى مشهد التغيير هذا قوى إسلامية معتدلة، تصدّره قوى إسلامية متطرفة، لأن الاعتدال قضي عليه فأصبحت الساحة مصادرة لقوى التطرف والتكفير، والتي من شانها أنها لا تعترف بالآخر وبحق الاختلاف حتى داخل البنية الإسلامية نفسها وليست المشاهد الدموية التي ترافق نشوء هذه الظاهرة إلا تعبيراً عن تفاقم الإحساس بالتهميش والظلم المتوالي من دون توقف، وهذه الظاهرة كان خطرها شاملاً، ولكن في مجال الاجتماع الإسلامي كان خطرها أكبر على رؤية مشروع التجدد الحضاري الإسلامي الذي عبرت عنه وتعبّر عنه نخبة قليلة مع الأسف في الاجتماع الإسلامي والتي تأمل بإمكانية تجديد الحضارة الإسلامية، فهي مهمّشة أكثر من غيرها من قبل قوى التكفير والتعصّب المذهبي”.

هل يمكن القول بأن أحد أسباب الانفجار الذي أشرنا إليه تكمن في التداعيات السلبية للعولمة؟

اقرأ أيضاً: لماذا فشل الحوارات.. فرصة لرؤية الحقيقة

يجيب ويختم السيّد الأمين بقوله “أظن أن هناك علاقة بين الأمرين ولكنها ليست علاقة مباشرة، غير أنها كانت عاملاً مساعداً على نشوء الهويات الضيقة التي استدعتها عوامل الخوف من “جرّافة العولمة”، التي بدت وكأنها تريد أن تصهر العالم كله في إطار واحد، وأن يكون هذا الإطار محكوماً من خارج الإرادات التي تتسم بها هويات الشعوب الضعيفة لصالح قوى كبرى تنظر إليها هذه الشعوب على أنها تمسك بزمام هذه العولمة، وتشكلها للمصالح والغايات والأهداف التي تملكها هذه القوى الكبرى، أي بدت العولمة وكأنها شكل جديد من أشكال الهيمنة على العالم بصورة جديدة، مختلفة شكلاً فحسب عن طبيعة المرحلة الاستعمارية السابقة”.

السابق
التقرير الأسبوعي لحملة سلامة الغذاء
التالي
تركيا رحبت بالاتفاق الروسي الاميركي على هدنة في سوريا