هل صارت الشيعية السياسية عرابة «لبنان الكبير» ليقول بري الكلام العالي النبرة في صور؟

حيال الصوت العالي النبرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري في مهرجان ذكرى الامام موسى الصدر في صور الاربعاء الماضي وامام كلامه الذي اوشك ان يكون غريبا عن مضامين الخطاب السياسي المألوف لسيد عين التينة لاسيما ساعة لوح بالعودة الى شارعه اذا ما استمر “الدلع السياسي” لبعض الاطراف او اذا ما عنّ لاطراف اخرين ان يمضوا قدما في “انقلابها على الدستور” وعلى النظام العام ، خطر لبعض النخب السياسية والفكرية ان تجري عملية ربط ضمنية بين دور “العراب السياسي “و “الابوة المطلقة” للنظام السياسي ككل الذي دأب بري على ادائه باتقان في الاونة الاخيرة وبين موقع الشيعية السياسية في المعادلة الحالية وذلك غداة احتفال البعض واحتفائه بالذكرى السنوية الـ96 لاستيلاد الكيان على يد قابلة الانتداب الفرنسي.

اقرأ أيضاً: فخامة الرئيس 1559

وبمعنى اخر وعشية ذكرى دنو القرن الاول لولادة هذا الكيان في لحظة شروع كبار ذاك الزمن بتقسيم تركة مريض ذاك العصر اي السلطنة العثمانية الافل مجدها والذاوي حضورها شاء البعض من سياسيين واعلاميين ومهتمين ان يستعيدوا كل على طريقته هذه الذكرى ليجروا عملية ربط ومفاضلة ومقارنة في ان بين ماض تولى بعجره وبجره وبين حاضر مثقل بالعلل ومستقبل يكتنفه الضباب والغموض في ظل احتدام صراع المحورين الاقليميين وفي ضوء ما يهجس به كثر عن عملية تقسيم جديدة يعد لها اقطاب العصر لخريطة المنطقة انطلاقا مما يجري في الساحة السورية والتي تلفح نيرانها منذ خمسة اعوام الجسد اللبناني وتساهم في انضاج التحولات فيه مما يفاقم ازماته ويرفع من منسوب تعقيداته .
المعلوم انه في لحظة ولادة دولة لبنان الكبير عام 1920 على درج قصر الصنوبر في بيروت كان الشيعة غائبين تماما عن الصورة الشهيرة لحفل الولادة التاريخي ذاك ولم يكن لهم حضور وازن في المشهد العام يجعلهم يستدعون الى هاتيك الصورة وكانوا مدرجين في خانة الاقليات فظهر الموارنة والسنة ليبنى على هذا مقولة الثنائية الحاكمة التي ظلت سارية حتى اتفاق الطائف .
انذاك كان الشيعة بغالبيتهم لايملكون مشروعا خاصا بهم ولم يملكوا حينها الفرصة وهم خارجون لتوهم من تحت عباءة السلطنة التي لم تترك لهم يوما ترف التفكير بمثل هذا المشروع. وبعد افول دولة بني عثمان مال زعماؤهم الدينيون وابرزهم انذاك السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الامين والشيخ احمد عارف الزين والشيخ احمد رضا الى المشروع الفيصلي اي سوريا المتدثرة بعباءة الشريفين بقايا الحلم المكسور للامبراطورية العربية الممتدة حتى رمال نجد وفق وعد الانكليز .
وامام مشهد الرئيس بري يخطب في جمهوره على بحر صور وهو يؤدي دور الراعي المؤدب والمنذر للذين يرى بانهم يوغلون في لعبة الدلع والنشاز بان حسابا ينتظرهم ما لم يرعووا ويسارعوا الى العودة الى بيت الطاعة والانضباط ثمة من راود خاطره استنتاج فحواه ان ” الشيعية السياسية ” بشخص ابرز رموزها واعرقها تمارس الان بكل اريحية دور الرعاية السياسية للنظام الذي يبدو متهالكا .
من باب المفارقة فان طرفين اعتبرا نفسيهما معنيين مباشرة ب ” هزة عصا ” رئيس المجلس وهما “التيار الوطني الحر” وما يمثله على المستوى المسيحي و”تيار المستقبل” وما يجسده على المستوى السني.

نبيه بري
وهذا يعني في التشطير الطائفي و”التقريش ” المذهبي ان الشيعية السياسية التي كانت غائبة تماما عن صورة قصر الصنوبر قبل قرن الا اربع سنوات هي من تظهر الان عبر شخص بري بمظهر الحامي للنظام والمدافع عنه والضابط لتوازناته وتبايناته بعدما ال الاباء المؤسسون اي السنة والموارنة الى حال من الضعف والضمور بفعل عوامل شتى تختلف عن بعضها البعض .
في الكواليس السياسية من يحسد الشيعية بقطبيها اي حركة “امل” و”حزب الله” على قدرتهما على ضبط تناقضاتهما وخلافاتهما تحت سقف لعبة تبادل الادوار ولعبة حدود الخطوط الحمر التي يدركها تمام الادراك كل من الرئيس بري والسيد حسن نصرالله معتبرا ان ذلك نوعا من عناصر القوة التي قد لاتتوفر على هذا النحو للشركاء الاخرين في الوطن .
وعليه ثمة من يسأل هل فعلا ان صورة مهرجان صور في مقابل مشهد تخبط الاخرين وبالتحديد المسيحيين في مكان والسنة في مكان اخرتثبت صحة ما يهجس به البعض غيرة والبعض الاخر غرورا بان الشيعية السياسية هي التي تقبض الان اكثر من سواها على حبل القرار الوطني ؟
لا يمكن أي مراقب ان ينكر ان الشيعية السياسية في مسيرتها الرئيسية التي بدأت من عام 1982 اي عام تقدمت حركة “امل” نحو دست الحكم وعام ولادة “حزب الله” في ميدان مواجهة الاحتلال قد حققت الكثير مما صيرها رقما صعبا ولا يمكن اي راصد للاوضاع ان ينفي انهما صارتا القوة الاوزن في المعادلة الداخلية عموما ولكن ذلك على بداهته لايسمح للمحللين الموضوعين بالقول بان المشروع الشيعي الداخلي هو الحاكم بامره والسيد المطلق كما يحلو للبعض الاشارة تصريحا او تلميحا .
من الصحة بمكان ان بري يضطلع بدور العراب السياسي للنظام ولاسيما في الاونة الاخيرة بعدما بدا الجميع مقيما على ازمات ولكنه ومن خلال كلامه الملتبس في صور ثمة من يرى انه يمارس هجوما دفاعيا او العكس يروم من خلاله من الاخرين ان يعطونه شيئا ذا قيمة وخصوصا لجهة استمرار الحوار ولجهة التجاوب مع سلته التي اقترحها وكانت ذروة ما يمكن ان يقترحه ويقدمه لاسيما وهو القائل قبيل ايام انه” لايمكن ان يكون دوما ولادة مبادرات” .
و هجومه الوقائي هذا انما هو عبارة عن قنبلة دخانية يريد ان يغطي عبرها على الكثير من القصور عن تحقيق اي انجاز فعلي يكرس دوره الريادي ويحقق امرين :
الاول انضاج حلول وتسويات يكون هو راعيها قبل ان تفرض الصفقات الخارجية تسوية على الداخل اللبناني لا تراعي مصالح معينة .
والثاني ان يؤكد ما جعله في الاونة الاخيرة شغله الشاغل وهو انه العراب السياسي الحصري لهذا النظام او ما تبقى منه .
هل ينجح ؟
ذلك امر له حساباته الاشد تعقيدا .

(النهار)

السابق
هيلاري كلينتون تعترف: لقد أخطأت
التالي
لماذا ذكر نبيه بري إسم السيد محسن الأمين في خطبته؟