
نجحت إيران في الهاء السياسيين في لبنان باصطياد سمكة الرئاسة والخلاف على اصطيادها في حين كانت تعمل على تجفيف مياه الحوض ليموت السمك… وذلك بامساكها بورقة تعطيل نصاب جلسات انتخاب رئيس للجمهورية منذ تقرّر أن يتم النصاب بحضور ثلثي عدد النواب ولم يتقرّر في الوقت عينه إلزام النائب حضور جلسات الانتخاب لتأمين هذا النصاب، فأصبحت الانتخابات الرئاسية تدور بين المرشّحين ويشتد الخلاف في ما بينهم ولا نصاب يكتمل لأي جلسة انتخاب.
لذلك ينبغي على القادة حصر اهتمامهم بتأمين نصاب جلسات انتخاب الرئيس لأن لا معنى للدخول في خلافات حادة حول من يكون الرئيس ولا نصاب مؤمناً لانتخابه، وهذا النصاب لا يتأمّن إلّا بالاتفاق على أن يكون حضور النائب جلسة انتخاب ليس رئيس الجمهورية فقط، ملزماً، بل جلسة حضور انتخاب رئيس المجلس أيضاً الذي قد يصيب انتخابه ما يصيب الآن انتخاب رئيس الجمهورية إذا ظل نواب يفسّرون الدستور على هواهم ليبرّروا تغيّبهم عن جلسات الانتخاب بدون عذر مشروع تحقيقاً لمصالح ذاتية أو خدمة لخارج.
إن الاتفاق على إلزام النائب حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة ورئيس المجلس يكون إمّا من خلال اجتماع لهيئة مكتب المجلس التي عليها أن تقرّر ذلك كما قرّرت وجوب حضور الثلثين لجلسة انتخاب الرئيس، وإمّا في اجتماع لمجلس النواب يتخّذ قراراً بذلك ما دام اقتراح الوزير بطرس حرب في هذا الشأن يتطلّب وجود رئيس للجمهورية، أو أن يقرّر أقطاب الحوار ذلك، لأنّه عندما يكون لهم حق الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهوريّة خارج مجلس النواب، فإن من حقّهم أيضاً الاتفاق على وجوب حضور النائب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس وعدم التغيّب عنها إلّا بعذر مشروع. ذلك أنه بمجرد أن يصبح حضور النائب جلسات الانتخاب ملزماً فإن النصاب يكتمل حتماً، ويصير عندئذ في الامكان انتخاب رئيس للجمهورية باجراء أكثر من دورة اقتراع.
اقرأ ايضاً : رئاسة الجمهورية في عامها الثالث.. تنتظر الستاتيكو العسكري في سوريا
أمّا إذا ظلّ مطلوباً حضور الثلثين جلسة انتخاب رئيس للجمهورية من دون إلزام النائب حضورها، فلن يحصل انتخاب رئيس للجمهورية ولا انتخاب رئيس للمجلس لا اليوم ولا غداً إذا تدخّلت أي دولة عند كل استحقاق لتعطيل النصاب كما تفعل إيران حالياً وكان في لبنان من يسمع كلمتها… فالمطلوب إذاً من القادة في لبنان، على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، إعطاء الأولوية لحسم الخلاف حول وجوب حضور النائب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس، وإلّا ظل لبنان معرضاً لخطر تعطيل هذه الجلسات ومواجهة خطر الفراغ الشامل عند كل استحقاق. فلو أن هذا الموضوع حُسم كما حُسم موضوع الثلثين لما استطاعت ايران وغير ايران أن تلعب لعبة تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، بل كان نصاب الجلسات اكتمل حتماً وأصبح التنافس بين المرشّحين للرئاسة داخل المجلس وليس خارجه ليكون خاضعاً للمساومة والابتزاز وللبيع والشراء وإنْ على حساب مصلحة لبنان.
الواقع أن ورقة تعطيل نصاب جلسات انتخاب رئيس للجمهورية ستبقى في يد إيران ولن تتخلى عنها ما لم تقبض ثمنها في لبنان أو في سوريا أو في العراق أو في أي مكان آخر، ولا سبيل لانتزاع هذه الورقة منها إلاّ باتفاق القادة في لبنان ليس على رئيس للجمهورية بل على أن يكون حضور النائب جلسة انتخاب ملزماً لتدور المعركة عندئذ بين المرشحين داخل المجلس وليس خارجه، سواء في الشارع أو في السفارات… فكما اتفقوا على وجوب حضور ثلثي عدد النواب انتخاب رئيس للجمهورية، فإن عليهم الاتفاق على وجوب حضور النائب الجلسة وعدم التغيّب عنها إلا بعذر مشروع.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يتفق القادة في لبنان على ذلك وبينهم من هو تابع لهذا الخارج أو ذاك ويسمح كلمته لا كلمة ضميره وصوت وطنه؟
إن لبنان سيظل يواجه أزمة انتخابات رئاسية إذا لم يحسم القادة فيه الخلاف على هذا الموضوع، وسيظل يواجه خارجاً يتدخّل في شؤونه الداخلية إذا لم يقف القادة فيه صفاً واحداً في مواجهة هذا التدخل. وحسم الخلاف حول وجوب حضور النائب ليس ببيانات تصدر عن أحزاب وكتل، ولا بتصريحات ومقابلات صحافية وإذاعية وتلفزيونية، ولا بمقالات، انما بخطوات عملية وقرارات تسقط ورقة تعطيل نصاب جلسات الانتخابات الرئاسيّة من يد أي جهة، داخلية كانت أم خارجية.