لبنان «سيف» وأولاً هي «المسن»

لن يأتي الحل أو يتحقّق ما لم يصل الكلّ أو جميعهم إلى الطّاولة منهكين متعبين أيتام. ولن يكون هنالك توافق ولا إتّفاق والمتحاورون المفترضون فيهم من له مولى يقاتل لأجله ومحب يدعو لخليله بالنّصر على الأعداء مبين. كيف يكون قرار وكثير ممّن تحلقوا حولها إعتادوا اللّحاق والهرولة وراء الأقوياء متذرعين حيناً بأنّهم أشقّاء وأحياناً بأنّهم أصدقاء؟ متى يكون الحوار حواراً وثلّة لا بأس بها من المتحاورين على المستديرة أعيتهم المناصب واستهلكتهم؟ أيّان يتحقّق ذلك وفيهم من سوّلت له نفسه أمراً يأمل أن يتحقّق له به أو من خلاله وإن حرام بعض ما اختزن من الأطماع؟ أنى يبدأ الكلام المجدي وفي الصّورة من ليسوا إلا أعداد إستلزم حضورهم وجود الكاميرات؟

الهوة بين المتحاورين كبرت وعظمت، فهذا يدعو إلى جهاد ويحتكر إستراتيجية دفاع، وذاك يجري إنتخابات حزبية لإختيار ميسورين طامحين لمناصب نيابية يقطع بها الطّريق بدكتاتورية على آخرين بستار الديمقراطية و لا ندري إن هي ستستتبع بإنتخابات رئاسية ينتخب فيها نفسه رئيساً لجمهورية مستقلّة خياليّة. كلٌ يغنّي على ليلاه، حتّى وظائف الدّولة باتت حكراً على كبار الأحزاب، تلك التي بعد إنقطاع الأموال أو تقنينها بحسابٍ باتت تجنيها دون خجل من صناديق الدّولة والمؤسسات. أولئك وهؤلاء منعوا حتى عن الأجيال كتابة التّاريخ واكتفوا وإن صمتاَ بالقول أنّنا لا نؤمن بما تؤمن ولا نحب ما تحبّون وعليه فلكم لبنانكم ولنا ما لأجله كنّا وعليه سنموت.

جلسة الحوار

الحوار لا يتحقّق بصلاح النّية، ولا يسود بإلتزام الرعيّة وإستقامة الرّعاة، ولا يتأتّى بتنزيل تطبيق عبر الإنترنت، وإنّما يتحقّق بوجود ما يمكن أن نسمّيه “نظام حكم”، وذلك لايكون إلا بالإثبات والإحساس والتّربية والتّكميل والتّمييز، أي ضوابط تحاسب الحاكم إن أخطأ، وتمنعه من أن يتجاوز حدّه، وتعزله إن خرج عن المصلحة والصّالح العام. بمعنى أن ينبع من ضمير الحاكم ووجدانه، وهذا في بلادنا للأسف نادر، لكن يكفينا منه القليل المقنّن، فهل سيأتي اليوم الذي يقبل فيه المتقابلين أن يخيروا بين أن يعاقبوا على أخطائهم شأن المواطنين ويستمروا بعدها بالحكم على قاعدة إن لا خطأ بدون عقاب؟ ماذا سيكون عليه فعلهم لو طلب منهم أن يتبرؤوا من حكمهم ويعتزلوا السّياسة والشّأن العام؟ ما هو ردة فعلهم لو أتت الأجناد وأهل المدن والقرى لكي يتبرؤوا من طاعتهم، هل سيتقبلون ذلك وهم الذين إعتادوا أن يكونوا فوق الشّبهات والخلافة عندهم مؤبّدة ولا يخشون مراجعة ولا حساب؟ أحسب أن حوارهم هو فقط لتكريس مقولة أن أحداً لا يستطيع أن ينزع عنّا ثوباً ألبسنا الله ايّاه.

حوار صعب، المسؤول عنه والسّائل غالباً حيران، والحرص عليه من قبل المزايدين والمتزيدين سببه تجنّب الإحراج، هم يستعجلونه فقط لتلافي الخلاف ومحاولة النّأي بالنّفس عن الدّماء إن وقع لا سمح الله عراك، والمواطنين الغير متحزبين (إن بقي منهم أحد) يرضون به إمّا عن رضوخٍ وإما لجمودٍ وربّما عن عجزٍ إذ يعتبرون أنّ تجاهله أخطر من حصوله بكثير، طوق نجاة يتشبّثون به وعجباً يدركون أنّه أثقل من الأوزيوم.

اقرأ أيضاً: الحوار رُحل إلى أيلول والملفات الخلافية على حالها…

لو كان أمراء الحرب وحملة السّلاح ومعهم ورثة السّياسة أهل كلام لنصحنا بالحوار ولنصحنا بالمجادلة والمقارعة بالحجّة ولكنّهم وبالتّجربة هجروا التّفكير واعتنقوا التّكفير وتجاوزوا القول وإلتزموا العنف ودفنوا المنطق وابتهلوا بالقهر، فكيف للمواطنين العزل بعد ذلك أن يواجهوا فساد هؤلاء بالقبلات، أو يقابلوا السّلاح بالأحضان، ويتقبّلوا موت الأبناء بالدافئ من الكلمات، صحيح أنّهم الطّبقة الحاكمة ولكن يقيناً هم ليسوا الدّولة أو النّظام ولا هم الشّرعية التي إليها الملاذ، سنضرب كما في كلّ مرةٍ كفاً بكف حين نتابع مجدداً حواراً لا يور بين رأي ورأي أو بين خطأ وصواب.

السابق
«شؤون الأسرى» تحدد 3 شروط لتسليم موسكو جثث الطيارين
التالي
قائد في «الحرس الثوري» الإيراني: روحاني متواطئ في اقتحام السفارة السعودية