«مجاهدو خلق»… ورحلة الدم الإيراني المسفوك قمعاً وثأراً (2)

بعد انتصار الثورة أقرت المنظمة بقيادة الإمام الخميني، وزاره في محل إقامته في طهرن، كل من موسى خياباني ومسعود رجوي، مباركين له بالانتصار العظيم، ظل رجوي سجينا لعدة أشهر، بعد انتصار الثورة، وقد عين رسميا وبشكل علني قائدا لمنظمة مجاهدي خلق، بعد الإفراج عنه.

استفادت المنظمة من أجواء الحرية التي أتاحتها الثورة، وبعدما تخلصت إيران من استبداد الشاه وسطوة أجهزته الأمنية، ففعلت نشاطها السياسي أسوة بباقي الأحزاب، التي بدأت تظهر علنا على الساحة السياسية، وباشرت المنظمة بالتعبير عن وجهات نظرها وآرائها بشكل الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بحكومة الشاه بكل شفافية وحماسة.

وفي أجواء التحضير لإجراء أول دورة انتخابات رئاسية بعد الثورة رشحت المنظمة زعيمها مسعود رجوي للانتخابات، الأمر الذي لاقى اعتراضا واسعا من قبل مجموعات ثورية مثل “فدائيان إسلام”، ودفع ثوريين آخرين إلى رفع عريضة لمجلس الثورة، طلبوا فيها من القيمين على دراسة أسماء المرشحين بحذف من وصفوهم بالمنحرفين، بعد فترة وجيزة، نبهوا الإمام الخميني في رسالة وجهوها إليه، إلى أن من لايؤمن بالإسلام كدستور، لا يجوز أن يصبح رئيسا لجمهورية إيران، فقرر الخميني حذف اسم رجوي من الترشحيات، فقامت قيامة كوادرها، وحرروا بيانا دانوا فيه خطوة الخميني المستغربة، فردت وزارة الداخلية بإغلاق صحيفة “مجاهدين” التابعة للمنظمة، التي كانت أكثر الصحف انتشارا في إيران، تبع ذلك، اعتقال عدد من “المجاهدين” بعد توجيه تهم التجسس على الثورة بحقهم، ومنع كل أعضاء المنظمة من التصريح لوسائل الإعلام، ثم عادت المنظمة بسبب هذه الممارسات إلى المربع الأول، أي العمل السري وصارت تحرض ضد مناوئيها عبر النشريات التي توزع سرا في المدن والأرياف.

بعد إخفاق بني صدر في إيجاد صيغة توافقية تجمع بين الحكم الخميني وأحزاب المعارضة، تأزمت الأوضاع السياسية والأمنية في إيران، وبدأت ملامح ثورة داخل الثورة بالظهور، فاندلعت المظاهرات منتصف العام 1981 في سائر أنحاء الجمهورية الاسلامية، وتحولت شوارع طهران إلى ساحة حرب حقيقية، وعادت الاحتجاجات المليونية مجددا، يومها اعتبر الحكام الجدد أن المتظاهرين يريدون محاربة الإسلام، فأمر الخميني بالتصدي لهم بالقوة، وشهد محيط جامعة طهران مقتل 50 طالبا وجرح 200 واعتقال الآلاف.

عزل الخميني بني صدر، وأمر باعتقاله بتهمة الخيانة والتآمر على النظام الاسلامي، إضافة إلى إجراء إعدامات عشوائية بحق سجناء الرأي، وفي منتصف آب من العام ذاته بدأت حملة إغلاق الصحف والجامعات والمدارس والمراكز الثقافية باعتبارها معاقل لليسار، وتم فصل آلاف من المعلمين والضباط والموظفين، بتهمة الدعاية للغرب عبر المنداة بالديمقراطية، المفهوم الاستعماري الغربي بحسب توصيف الخميني.

مجاهدو خلق

تأكد لكل الأحزاب التي شاركت بالثورة، أنه بعد الأسلمة جاء دور العسكرة، وفيما أعدم ثوريون بمختلف انتماءاتهم وزج بقيادات ثورية في السجن ونفي آخرون أو فروا، قررت منظمة “مجاهدي خلق” اعتماد الكفاح المسلح أو المواجهة العسكرية، وإعلان انطلاق العمليات العسكرية رسميا، فقامت بتفخيخ مكتب حزب الجمهورية الإسلامية وقتلت 70 مسؤولا حكوميا دفعة واحدة من بينهم رئيس السلطة القضائية آية الله بهشتي رئيس و23 نائبا، بعدها اغتالت بانفجار آخر، رئيس الجمهورية المنتخب محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر.

بعد سلسلة الاغتيالات والعمليات العسكرية التي نفذتها المنظمة، تمكن مسعود رجوي وابو الحسن بني صدر من مغادرة إيران، على منتن طائرة بوينغ أقلعت من قاعدة مهر آباد، يقودها طيار شاهنشاهي اسمه بهزاد معزي ووصلا إلى باريس مع آخرين، وهناك أسسا ما عرف ب “المجلس الوطني للمقاومة” من أجل إسقاط النظام.

استمرت المنظمة بعملياتها العسكرية، فاغتال “المجاهدون” أئمة الجمعة في مدن: تبريز، كرمان، شيراز، يزد وباختران، وحاولوا اغتيال أحمد الخميني نجل الإمام والسيد علي خامنئي الذي أصيب بإعاقة في يده، وقضاة ونواب ومحافظين ومسؤولين في الدولة، كذلك قاموا بهجمات ضد مراكز للحرس الثوري بالأسلحة الرشاشة وقذائف آر بي جي، وقد تمكن الحرس من تعقب عدد من المجاهدين إلى محلة زعفرانية في طهران حيث اكتشف مخبأ سريا لهم وداهمه ليلا، وتمكن من قتل موسى خياباني وزوجته آذر رضائي وأشرف ربيعي زوجه رجوي الأولى، وقد سمى “المجاهدون” هذه الحادثة عاشوراء مجاهدي خلق.

بعد هذه الحادثة، قررت المنظمة الخروج من إيران، والعمل من المنفى على إسقاط النظام، فوصلت أولى طلائع الهاربين إلى محافظة ديالا في العراق، والتحق بهم مسعود رجوي بعد سنوات، آتيا من باريس مع مسؤولين آخرين، مقيما في بغداد، ويقال إن الحكومة الفرنسية أجبرته على اللجوء إلى العراق.

أقام “المجاهدون” أول معسكراتهم الحربية في محافظة ديالا، المعروف باسم “معسكر أشرف”، بعد الغزو الأميركي للعراق، حتى أوائل 2009 ، ظل المعسكر تحت إدارة القوات الأميركية وحمايتها، مما أقلق الساكنين فيه، الذين هم أساسا معادون للإمبريالية.

كان كل من يصل إلى معسكر أشرف، يفصل تلقائيا عن كل متعلقاته، فيوضع الرجال في معسكر خاص بهم، والنساء في معسكر آخر، فلا يزارون ولا يزورون، أما المغالون منهم فقد كانوا يطلبون الطلاق للتفرغ للنضال، أما الأطفال فيفصلون عن والديهم ويرسلون إلى مدن أوروبية ولا يعودون لزيارة أهلهم، حيث يتم إعدادهم فكريا في بيوت المتعاطفين مع “المجاهدين” لاعتناق مبادئ المنظمة، وتعريفهم بالدور الذي يلعبة “المجاهدون” لتحرير إيران، وزرع حب زعيمهم والإخلص له في وجدانهم، تمهيدا للالتحاق بالكفاح المسلح بعد بلوغ سن الرشد.

المعارضة الايرانية

بعد قدوم مسعود رجوي إلى العراق، قام بتأسيس “جيش التحرير الوطني”، الذي باشر بالقيام بعمليات توغل وتنفيذ هجمات عسكرية في الداخل الايراني، ضد الجيش الإيراني والحرس الثوري، كما شارك جيش التحرير أيضا في حروب الإبادة، التي نفذها حزب البعث ضد الشيعة والأكراد في العراق.

في العراق، التقى مسعود رجوي بمريم قجر فأعجبته، فطلقها من زوجها وتزوجها، ثم عرفت باسم مريم رجوي.

في العراق أيضا، ارتأى مسعود رجوي تغيير تكتيكه العسكري في معركته ضد النظام الإيراني، فاستعاض عن حرب العصابات بالحرب الكلاسيكية، فبدأت سلسلة عمليات “آفتاب” و”چلچراغ” وبحسب إعلام “المجاهدين”، فإنهم تمكنوا من قتل آلاف من عناصر الجيش الايراني والحرس الثوري وأسر المئات. أما عمليات “فروغ جاويدان” فقد أعلن عن انطلاقها مسعود رجوي بعد توقيع اتفاقية إنهاء الحرب بين العراق وإيران، في حزيران من العام1988، وفي يوم الإعلان عن بدء هذه العلميات وعد رجوي محازبيه، أنهم خلال 48 ساعة سيكونون على مشارف طهران.

إقرأ أيضاً: إيران الخميني.. أفضل النماذج الإيرانية لأميركا

نفذت “فروغ جاويدان” هجمات على مواقع عسكرية إيرانية في غرب وجنوب غرب ايران، موجهة ضربات موجعة للجمهورية الإسلامية، ردت عليها السلطات الإيرانية بحملة إعدامات لا سابق لها في تاريخ إيران، حيث أعدمت كل المعتقلين السياسين وسجناء الرأي وطلاب الجمعات والمشاركين في المظاهرات واعضاء في الحزب الشيوعي الإيراني- توده والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال والأحزاب القومية المعارضة، وأعدمت كذلك المسجونين بتهم الاغتصاب وتجارة المخدرات والإدمان، حتى تعبت أعواد المشانق، طبعا كان من بين من أعدموا، قلة قليلة من “المجاهدين”.

يؤكد كثيرون بينما ينفي آخرون، أن مسعود رجوي قتل في معكسر أشرف، في أوائل أيام الاحتلال الأميركي للعراق، لكن المنظمة حتى الآن لم تعلن عن مقتله.

بعد انتخاب السيد محمد خاتمي رئيسا للجمهورية، رأت الولايات المتحدة أن إيران متجهة بقيادة خاتمي نحو خط الاعتدال، وتعبيرا عن ترحيبها بهذه النقلة المحتملة في السياسات الإيرانية، أدرجت اسم المنظمة على لائحة الإرهاب، كذلك فعلت دول الاتحاد الأوروبي، لكنها ما لبثت أن تراجعت عن قرارها، بعد أن تبين لها أن خاتمي ليس إلا مجرد دمية في يد الحرس الثوري، ولحق بها دول الاتحاد الأوروبي، في حين سمحت السلطات البريطانية في 30 نوفمبر 2007 للمنظمة بممارسة نشاطها بحرية على الأراضي البريطانية.

تؤكد الرواية الرسمية الإيرانية، أنه بفضل “لوبي” إيراني مؤلف من أثرياء ودبلوماسيين إيرانيين معارضين للثورة، ويعيشون في المنفى، تمكنت منظمة مجاهدي خلق من إقناع المجتمع الدولي بشطبها عن لائحة الإرهاب، وأن هذا “اللوبي” قد كلف محامين ضليعين بالقانون الدولي، بدفع ملايين الدولارات للهيئات الدولية لتلميع صورة المنظمة في العالم واعتبارها منظمة مقاومة تناضل من أجل تحرير إيراني والإيرانيين من استبداد الملالي.

إقرأ أيضاً: «مجاهدو خلق»… ورحلة الدم الايراني المسفوك قمعا وثأرا (1)

في الرواية الرسمية الإيرانية أيضا، منظمة مجاهدي خلق، منظمة عميلة وخائنة، لكن لماذا؟ تتهم إيران المنظمة بأنها:

– كشفت في العام 2002، نشاط الجمهورية الإسلامية النووي، مما دفع مجلس الأمن إلى إصدار مذكرة الدولي بوقف هذا النشاط، ما لبثت أن تحولت بعد رفض إيران الامتثال لها، إلى عقوبات دولية ظالمة.

-رفعت منظمة مجاهدي خلق إلى منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، لائحة باسم 20 ألف شخص، أعدمتهم الجمهورية الإسلامية بسبب اختلاف الرأي، الأمر الذي أدى إلى اعتبار إيران واحدة من الدول التي تنتهك حقوق البشر.

– نشر لائحة تضم 32 ألف اسم، من الموالين للنظام الإسلامي، يعيشون في العراق، ومنخرطون في فيلق القدس التابع لتنظيم الحرس الثوري ويتلقون من الأموال والسلاح والتدريبات العسكرية.

– حددت المنظمة للمجتمع الدولي الموقع الجغرافي لمفاعل نطنز النووي.

السابق
بالفيديو: حريق كبير في أحد الفنادق في مكة
التالي
الوظيفة اليهوديّة