“مجاهدو خلق” ضحية الصراع الأميركي – الإيراني في العراق

تعد منظمة <مجاهدي خلق> من أقدم المنظمات الإيرانية المناضلة وقد مرّت في تجارب عديدة في العقود الماضية قدمت خلالها تضحيات كثيرة، يكفي انها كانت من أبرز المنظمات التي اصطدم أعضاؤها بشرطة <السافاك> في شوارع طهران أيام حكم الشاه ووقفت بصلابة ضد سياسة الشاه التي كانت تسير في ركاب الولايات المتحدة فسمحت لها بترسيخ قدميها في إيران وإقامة قواعد عسكرية لتجعل منها أي إيران شرطي الخليج·

واستمر كفاح مجاهدي خلق حتى نشوب الثورة الإيرانية التي قادها الإمام الخميني عام 1979 وكانت تأمل أن يكون لها نصيب في إدارة شؤون البلاد الا أنها اصطدمت برفض التيار المحافظ المتشدد لها بحكم كونها تنظيم علماني فما كان منها الا أن تستأنف نشاطها ضد حكم الخميني·

كانت النتيجة القبض على العديد من أعضائها واعدامهم بذريعة وقوفهم ضد الثورة فردت هذه بأعمال عنف طالت حتى رئيس الجمهورية إذ فجر أعضاؤها قنبلة في مقر الحزب الجمهوري الإسلامي نهاية حزيران 1981 ادت الى مقتل 72 مسؤولاً إيرانياً بينهم رئيس المحاكم الذي أرسل العشرات من العسكريين السابقين ومجاهدي خلق الى الموت، وفي آب من العام ذاته وقع تفجير كبير آخر في مقر رئاسة الوزراء هز العاصمة الإيرانية قتل فيه رئيس الجمهورية، محمد علي رجائي، الذي لم يكن قد مضى على تسلّمه منصبه سوى بضعة أسابيع خلفاً للدكتور بني صدر الذي هرب الى باريس بعد اتهامه بالخيانة، وقتل معه رئيس الوزراء وعدة مسؤولين آخرين· وردت السلطات الثورية الإيرانية على المعارضين لها بإعدام أكثر من ستمائة شخص في شهري تموز وآب· واستمرت الاعدامات حتى العام 1982 حيث اعدم وزير الخارجية، صادق قطب زاده، بعد اتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم·

وبعد نشوب الحرب العراقية – الإيرانية واثر اشتداد الحملة ضد مجاهدي خلق هرب أعضاؤها وفي مقدمهم رئيسها مسعود رجوي وزوجته الى العراق، واتخذت المنظمة البناية الكبيرة، التي كان يشغلها الملك غازي في الثلاثينات بجانب الكرخ ويبث من اذاعته فيها دعايات ضد الاستعمار البريطاني، مقراً لها يحرسها أعضاؤها·

واحتضن الرئيس الراحل صدام حسين المنظمة أملا في استخدامها ضد النظام الإيراني وانشأ لهم قاعدة <اشرف> في محافظة ديالى المتاخمة للحدود الإيرانية ليسهل على <المجاهدين> التسلل الى إيران والقيام بأعمال تخريبية· وجهزت القاعدة بمدافع مضادة للجو ودبابات وأسلحة أخرى لمقاومة أي هجوم إيراني عليها·

واحتج العراق أكثر من مرتين لدى إيران لقيام طائراتها بخرق الأجواء العراقية ومهاجمة قاعدة اشرف ومقتل سكانها·

وبعد الغزو الأميركي للعراق قامت واشنطن بتجريد المنظمة من أسلحتها الثقيلة وأبقت الأسلحة الخفيفة لها وتولى جنود أميركيون حراسة اشرف من الخارج وخصوصاً أن أميركا كانت قد ادرجت مجاهدي خلق في قائمة المنظمات الارهابية حيث أن أعضاءها سبق أن قتلوا بعض الخبراء العسكريين أيام حكم الشاه·

وبسبب النفوذ الإيراني المتغلغل في العراق أصبح وضع المنظمة حرجاً للسلطات العراقية فاتفقت مع الولايات المتحدة على إيجاد طريق لخروج الأعضاء من البلاد· وهكذا غادر اشرف الآلاف من الأعضاء وعوائلهم واستقر العديد منهم في الولايات المتحدة نفسها وسط انتقاد بعض وسائل الإعلام في عدم استخدام المنظمة ضد إيران التي تناصبها العداء·

نهاية العام الماضي، اشتدت مضايقة السلطات العراقية للمنظمة إذ اتهمها محافظ ديالى، عبد الناصر المهداوي، بالضلوع في هجمات استهدفت مواكب عاشوراء قتل فيها عشرة أشخاص وجرح 21· لكن المهداوي عاد ونفى ما نقل عنه قائلاً ان المنظمة منزوعة السلاح ومحاصرة وتحظى بالحماية الدولية ومسيطر عليها من كل الجهات ولا يمكن لأعضاء هذه المنظمة القيام بأي نشاط وان وجودها هو وفق اتفاقات دولية ولا دخل للإدارة المحلية في هذا الملف الذي يقع ضمن صلاحية الحكومة المركزية تحديداً·

وفي الصيف الماضي تسربت انباء عن صدور مذكرات باعتقال 38 عنصراً من المنظمة الا أن ناطق باسم مجلس القضاء الأعلى في العراق نفى ذلك· بينما أكدت وزارة الداخلية صدور مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية العليا المسؤولة عن محاكمة أركان النظام السابق بتهمة <مشاركتهم في جرائم ضد الإنسانية>!

وكيل وزارة الداخلية اعترف بأنه ليس لدى الوزارة معلومات عن ارتكاب عناصر المنظمة جرائم في الوقت الحالي عدا اعتداء بعض أعضائها على رجال الشرطة داخل معسكر اشرف·

المعروف انه يقيم في معسكر اشرف نحو ثلاثة آلاف و400 عنصر من عناصر المنظمة بينهم نساء وأطفال وذلك منذ أكثر من عشرين عاماً· وقد رفضت العناصر عرضا بإعادتهم الى إيران التي ما زالت تلقي اللوم على المنظمة في ارتكاب أعمال عنف·

وعاد وضع المنظمة الى الواجهة مؤخراً عندما هاجمت قوة عسكرية عراقية معسكر اشرف واشتبكت مع عناصره يوم 8 نيسان وأدت الاشتباكات الى سقوط 33 قتيلا وجرح 270 آخرين·

النائب ظافر العاني اعتبر مشاركة الجيش العراقي في الهجوم على اشرف منافياً لواجباته العسكرية وفي حين أعلن ناطق باسم رئيس الوزراء نوري المالكي، علي الدباغ ان مجلس الوزراء قرر في جلسته يوم 12 نيسان انهاء وجود مجاهدي خلق في العراق نهاية العالم الحالي·

وكانت المنظمة قد اتهمت <فيلق القدس> الذي يعود للحرس الثوري الإيراني بالمشاركة في الهجوم عليها· وطالما ان المنظمة قد تقرر ترحيلها من العراق فلماذا لا يطلب من فيلق القدس المغادرة لا سيما ان كليهما إيرانيين اتخذا من العراق مسرحاً لنشاطاتهما؟ قناة <الشرقية> الفضائية ذكرت ان <الولايات المتحدة أبدت استعدادها للمساهمة في وضع وتنفيذ خطة لترحيل المنظمة عن العراق يرى مراقبون أن واشنطن تسعى لحل وجود المنظمة قبل أن ترحل بقية قواتها من العراق نهاية العام الحالي طبقاً للاتفاقية الأمنية المعقودة بين بغداد وواشنطن قبل أكثر من عامين ما لم يتم اتفاق الطرفين على خلاف ذلك·

وبدا ان مجاهدي خلق ستتحمّل وحدها عبء الكفاح ضد النظام الإيراني مع ان مقرها الرئيسي في باريس حيث يوجد <المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية>· تقارير من العاصمة الفرنسية ذكرت ان العناصر المعارضة للنظام الإيراني أسست تجمعا سياسياً اطلقت عليه اسم <مؤتمر الديمقراطيين الخضر الإيرانيين> ضم الحركات المعارضة للنظام بينها انصار زعيما المعارضة الإيرانية، مير حسين موسوي ومهدي كروبي وموالين للشاه الراحل ورئيس الوزراء الراحل محمد مصدق وممثلين عن أقليات عرقية وإستثناء مجاهدي خلق من المؤتمر· بكلمة أخرى، ان المعارضة الإيرانية في الخارج أصبحت موزعة بين مؤتمر الديمقراطيين ومجاهدي خلق· الملاحظ ان فرنسا لا تعتبر المنظمة تنظيماً ارهابياً وقد سمحت لها بممارسة نشاطاتها السياسية ضمن النظام والقانون ولا يستبعد مراقبون أن تستقبل باريس بعض أعضاء المنظمة الذين سيغادرون العراق·

المعروف ان الإمام الخميني كان قد اتخذ من باريس مركزاً لنشاطاته ضد حكم الشاه بعدما أبعده النظام العراقي السابق عن <النجف> التي مكث فيها أكثر من عشر سنوات اثر مضايقة النظام الإيراني له·

السابق
وضع معلق بالهواء
التالي
النظام في سوريا: إيه في مؤامرة