السيد محمد حسن الأمين يكشف الاسباب الحقيقية لتفشي الارهاب

في محاضرة له في حوزة السجاد الدينية، حول تفشي الارهاب في المنطقة قال العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين انه لا يستطيع أن يقتنع بأن هذه الظاهرة هي مجرد ظاهرة إرهابية نشأت فجأة وبدون عوامل و أسباب ومقدمات وأشكال متعددة من تراكم الاحتقانا و"أستطيع القول بأن النزعة السياسية السائدة على مستوى منطقتنا وعلى مستوى العالم بصورة عامة، هي محاولة للهروب من مواجهة عوامل و أسباب أعمق تكمن وراء نشوء هذه الظاهرة وتفاقمها" .

قال السيد الأمين في محاضرته:

قبل الدخول في تحليل هذه الظاهرة أود أن أشير إلى نقطة جوهرية تلقي الضوء على المنطق الذي يستخدمه الغرب عامة ، والذي يختصره بأن ما يجري ليس سوى فورة إرهابية، و أن أسباب هذه الفورة هي أسباب دينية صرف ، إذ أن أول ما يخطر في البال أمام منطق كهذا هو السؤال الذي نوجهه للغرب بالقول : إن الدين لم يوجد في هذا المقطع الزمني الذي نعيشه بما فيه الدين الإسلامي، و أن المراحل الزمنية السابقة كلها كان للدين فيها له حضوره  في المجتمعات الإسلامية خصوصا،  فلماذا لم يطلق هذا الدين مثل هذه الظاهرات الإرهابية في الأزمنة الماضية على النحو الذي يطلقه في هذه المرحلة الراهنة ؟!!
إذن ، فإن الغرب يريد أن يغيب الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة لأن البحث الجدي عن نشوئها سوف يكشف أن الدين بذاته لا يمكن أن يكون مصدراً  لمثل هذه الأشكال من الإرهاب التي نواجهها اليوم ..
وصولاً إلى أن نسجل قناعتنا بأن الطبيعة الجوهرية لهذه الظاهرة ،وإن كانت تتخذ لبوس الدين شعارا لها، فإنها في جوهرها ظاهرة اجتماعية  سياسية واقتصادية، و أصلب ما تستند إليه هو غياب العدالة التي تبدو أنها القيمة التي تكاد تكون مفقودة سواء في علاقة دول العالم بعضها ببعضها الآخر أو في داخل الدول و خاصة منها الدول في العالم الثالث، حيث تكاد العدالة الاجتماعية تكون مفقودة بالكامل .

اقرا ايضًا: داعش… الوحش المفيد؟
و هنا أود أن لا أتجاهل أن نسبة العدالة الاجتماعية في الاجتماع الغربي – الأوروبي و الأمريكي  وإن كانت متميزة و حاضرة بدرجة مقبولة إلا أن دور الغرب في تكريس تغييب العدالة في دول العالم الثالث هو دور واضح و لا شبهة فيه، و إذا كان الغرب  كان و وربما ما يزال  يعتقد أن الخلل في مبادئ العدالة خارج مجتمعاته لا ضرر منه على مجتمعات الغرب نفسه ، فإن هذا الإعتقاد كان اعتقادا خاطئاً وها هو يكشف  الآن  بوضوح كامل أن غياب العدالة في دول العالم الثالث لن تقتصر سلبياته ونتائجه على هذه الدول فحسب ،بل سوف تتعداها لتصيب الاجتماع الغربي نفسه، و أوضح مثل على ذلك هو هذا القلق العميق الذي بدأت تشعر به حكومات الغرب و شعوبه، من التداعيات الخطيرة التي بدأت تصيب الغرب والتي تتجلى حتى الآن في صورتين واضحتين ومباشرتين هما : عجز الغرب عن مواجهة الهجرة التي أنتجتها الحروب في المنطقة العربية والإسلامية، الهجرة نحو الغرب . والظاهرة الثانية هي أن الغرب نفسه لم يعد بمأمن من عمليات التفجير التي ذاق مرارتها ،وهو في قلق أشد من توسع مثل هذه العمليات مضطراً لصرف المليارات من الدولارات لتعزيز عناصر الأمن في مدنه ومؤسساته خوفاً من هذه التفجيرات ،والتي لن تمنعها من وجهة نظرنا مثل هذه التعزيزات ، فهو إذن – أي الغرب – أمام أزمة حقيقية.

اقرا ايضًا: العدوانية… ثمرة الحرمان وثقافة التحريم
الجديد الذي أريد أن أستنتجه إستناداً إلى معرفتنا بطبيعة السياسة والفكر الغربي و الطابع البراغماتي والذرائعي لهذه السياسة هو أن الغرب سيذهب إلى ما لا يمكن أن يتوقعه الكثيرون ، وسيفاجئ حلفاءه في المنطقة العربية والإسلامية بأنه سيعمد إلى الوسيلة المنسجمة مع طبيعته ،أي سيعمد إلى الإعتراف بما نسميه الفصائل الإرهابية، وربما إلى مفاوضتها ومساعدتها على تحقيق أهدافها  في إقامة ما يسمى بدولة الخلافة ،فبماذا سيتضرر الغرب اذا تمكنت داعش من إقامة دولة إسلامية ،وكانت هذه الدولة مستعدة لأن تقيم مع الغرب علاقات سليمة !!
و نزيد قناعة في هذا الأمر أن كل الحروب المحلية التي تحاول أن تقتلع حركة داعش والنصرة والقاعدة وما يماثلها لم تستطع أن تحقق ما تهدف إليه بل نلاحظ أن هذه الحركات ازدادت عنفا وإصرارا و مضيا في ممارسة إرهابها .
لم أصل إلى هذا التوقع إيماناً مني بأن هذه الحركات الإرهابية هي رد الفعل المشروع اتجاه أنظمة الاستبداد واللاعدالة في المنطقة ، بل أردت أن أقول أن هذه الحركات الإرهابية استفادت وتستفيد من نقمة شعوب المنطقة على أنظمتها ، ومن عجز هذه الشعوب عن تغييرها ، أما إذا تحقق ما توقعته من أن الغرب سيساعد هذه التنظيمات على قيام دولة يحكمونها فإنني لا أعتقد أن مثل هذه الدولة ستكون أفضل حالا من الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة التي تحكم معظم العالم العربي والإسلامي .
و إذا كان لي من نصيحة أتوجه بها إلى ساسة الغرب فهي : نصيحتي أن يعمل الغرب من موقع قدرته و إمكاناته على مساعدة المنطقة العربية بصورة خاصة على تحريرها من أنظمة الفساد ، وتمكينها من استثمار ثرواتها ، وتمكينها أيضا من تحقيق العدالة في استثمار هذه الثروات ، وفي التخلي عن الأطماع الغربية في هذه الثروات التي تستعين في نهبها عن طريق الأنظمة الفاسدة التي تستمد – أي هذه الأنظمة الفاسدة – معظم عناصر قوتها و استبدادها من مساندة الغرب لها.

السابق
حركة العيد «العونية»: بلا بركة.. و«فرنجية» مرتاح
التالي
الحلّ الضروري لأزمة مزدوجة!