الانتخابات البلدية فضحت حجم الثنائيات الشيعية والمسيحية!

ألقيتُ كلمة استباقية واستشرافية وتحذيرية، أمام صاحب الغبطة البطريرك الراعي، وفي حضور عدد من الاساقفة وجمهور حاشد، وبعض السياسيين الذين جاؤوا لعرض قانون الانتخاب الارثوذكسي، جاء في الكلمة: “… الآمال والأنظار تتجّه نحو غبطتكم لسماع كلمة الحق، لقد عوّدتنا بكركي المؤتمنة على الكيان اللبناني، أن يكون موقفها حاسما”، وتدخّلها واجبا”، عندما يكون الوطن في خطر، وعندما يتخلّى السياسيون عن واجباتهم، أو يظهرون عجزهم عن التوصّل الى حلول واقعية. أعلنتم رفض قانون الستّين وهذا عين الصواب، لكنّه نصف موقف، إذ ينبغي إكماله بتحديد البديل، بشكل واضح وجازم وغير قابل للتأويل، على أن تبقى الموجبات الوطنية طاغية على الموجبات الطائفية، وأن لا نذهب الى قوانين تعيدنا الى التقوقع، وتفتّت الكيان وتضرب العيش المشترك، وتزيد التشنّج وترفع وتيرة الخطاب المذهبي (هذا ما حصل في هذه الانتخابات البلدية). الموارنة ضحية المارونية العسكرية ومشاريعها الانتحارية، والتي أمسكت بقرار الطائفة منذ عام 1975 وألغت الآخرين بقوة السلاح، وجرّت المسيحيّين من هزيمة الى أخرى، فهل جرت محاسبة ومساءلة وتحديد الأسباب التي أدّت الى خسارة المسيحيّين موقعهم الريادي. كانت بكركي أوّل من دفع الثمن (قتل المونسنيور ألبر خريش، ورمي جثّته قرب الصرح). من قال إنّ الأربعة الذين اجتمعوا في بكركي يمثّلون فعلا” المسيحّيين، إنّه نوع من التواطؤ الضمني، وتلاقي مصالح، لتكريس ثنائية مسيحية على غرار الثنائية الشيعيّة وخنق أصوات الاعتدال وإلغاء التنوّع الذي يغني الحياة السياسية…” .

إقرأ أيضًا: الثنائية المارونية تسقط والثنائية الشيعية تترنح

سياسة الالغاء بدأت مع بشير الجميل بضرب حزب الكتلة الوطنية، لا بدّ هنا من إستذكار مجزرة جبيل التي مرّ عليها 40 عاما” وكانت ذكراها في 23/5/2016 وفي 19/6/2016 ذكرى مجزرة جاج، أبرياء سقطوا وأصبحوا في عالم النسيان، والمجرمون أبطال يسرحون ويمرحون. هذه الالغائية انتقلت الى الطائفة الشيعية، بضرب القوى اليسارية والمقاومة الوطنية، الى صراع “حزب الله”- “أمل”، تتدخّل ايران وسوريا لفرض تسوية، يفتح فيها باب المنافع السياسيّة على مصراعيه الى الرئيس برّي، ويحتفظ “حزب الله” بالعمل العسكري، جاءت الانتخابات البلدية بمثابة انذار الى الحزب، ولا سيّما في بعلبك، بدأ التململ ومحاولة التفلّت من قبضته، وتداعيات انفلاشه العسكري. على الصعيد المسيحي، تطاحن عون وجعجع لافناء بعضهما، وتلاقيا على إبادة المستقلين الخارجين عن بيت الطاعة. ما الحكمة من المعارك الطاحنة ضد دوري شمعون وبطرس حرب وهادي حبيش، فكان سقوطهم مدوّيا” في تنورين والقبيات، ما الجدوى من خوض عون معركة نيابية ضدّ أمين الجميل بعد اغتيال ابنه بيار. من انجازاتهم المظفرة في محاربة الاقطاع إسقاط السفير اميل بدران في بلدة آسيا البترونية. تعلّموا الاستيعابية التي يتقنها وليد جنبلاط بتركه مقعدا” شاغرا” للمير طلال ارسلان. الامور في البلد تتجّه نحو التفلّت، بعد تفكّك التحالفات العابرة للطوائف والمناطق. الطوائف ترصّ صفوفها وكأنّها تستعد للمنازلة. تهتمّون بأمور كثيرة والمطلوب انتخاب رئيس ينهي الفراغ. التعنّت العوني وترفه السياسي نوع من الاقطاع المستحدث، واندفاعة جعجع الى هذا التحالف، بدّدت كل ما حقّقه من انفتاح، وما يطمح إليه لن يحصل عليه من عون. هذا التقارب أراح النفوس وازال الاحتقان والتشنّج، لكن يبقى الاعتذار، لم يرفّ لهما جفن، كانّه نوع من الاستهزاء والاستخفاف. أيام الصعاب والملّمات، نستذكر ضمير لبنان، العميد ريمون اده، رجل الصدق والجرأة والنزاهة. كم أخطأ المسيحيّون بحقه، وانساقوا وراء التهوّر، فحصدوا الخيبات، كم نفتقده في ذكراه 16، وكم كان عل حقّ، وما أحوجنا الى أمثاله في هذه الظروف الدامية، والى شخص يحمل بعضا” من صفاته ليتبوّأ مركز الرئاسة وتستقيم الامور، لمواجهة ما يحاك للبلد من مخطّطات توطين تفتّت كيانه، بالتعاون مع رجال دولة، لا رجال تسلّط وغطرسة، أعمتهم شهوة السلطة وجنون العظمة. ما نستخلصه من الانتخابات البلدية: الحاجة الى إصلاحات جذرية من أبرزها – تقليص مدة المجلس الى 4 سنوات، قابلة للتجديد مرّة واحدة، -تقسيم بلديات المدن الكبرى الى ثلاثة أو اربعة ولاحقا” قيام اتحاد، عندها تُحلّ مشكلة تمثيل الأقليات ومبدأ المناصفة في بلدية بيروت والذي يصوّر وكأنّه منّة، – تخفيض سنّ الاقتراع والترشّح، لتفعيل دور الشباب وانخراطهم في معركة التغيير،- تخيير المواطن بين الاقتراع في مسقط رأسه (يصعد الى قريته ولا يعرف لمن يصوّت)، أو مكان اقامته. – إستحداث بلديات للتجمعات السكنيّة الكبرى، بدل إلحاقها ببلدات صغيرة وتحرم من الخدمات.

إقرأ أيضًا: يوسف سعادة: الثنائية المسيحية لا تشبه الثنائية الشيعية
هذه الانتخابات إنجاز ديموقراطي هزّ عروش القوى السياسية وعرّى النواب الممدّدين، وهي برسم السلطة السياسية، إذا” لا مبرّر لأي تمديد بعد الآن وسقط القناع.

(النهار)

السابق
من يحاسب بو صعب على تجاوزاته؟
التالي
الجيش السوري يدخل الرقة