الضاحية الجنوبية: هل تنجو من مستقبلها المخيف؟

الضاحية
لطالما إستهوتني الضاحية الجنوبية حين يمر إسمها على شاشات التلفاز أو حين أقرأ موضوعاً عنها في الصحف أو كلما شاهدت فيلم «The lord of the Rings»، حتى يتصور لي أنها القلعة التي يُخاض لأجلها عدد هائل من الحروب. ورغم مساوئ الحياة فيها، تبقى تجربة البقاء داخلها رائعة.

وقد تَكون أسوأ اللحظاتْ وأكثرها إحراجاً عِندما يَسألني أصْدقائي هل سَتنجو الضاحية من أزمتها. أو كيف يُمكن لسكان الضاحية الخروج من الوضعٍ السيء الغارقين به. عام 2006 وعدَ القائدُ العظيم سُكانها أن ضاحيتهم ستعود أجمل ولكنْها لم تعد حتى كما كانت. لقد كان وضعها قبل الحرب أفضل بكثير من اليوم.

بعد عام 2006 لم تتناولْ الخطابات الرسمية الصادرة عن قياداتِ حزب الله أي خطة أو مشروع يتعلق بمسألة المناطق العشوائية المتنامية على يد الأهالي الذين تركوا قراهم وأرادوا الإستقرار في الضاحية. وإكتفت القيادة بالقَولِ أنّه من الضروري إستكمال تحدي إسرائيل من داخل الضَاحية عبر إعمار الـ250 مبنى وشركة وذلك من أجل تَوجيه صَفعة على وجهِ العدو، وتخصص النائبين اللبنانيين عن كتلة الوفَاء للمقاومة علي عَمار ونواف الموسوي بِمهمة التحدث إلى الإعلامِ وتطمين الناس عن إقتراب موعد عودتهم إلى بيوتهم وقد غَضّ الحزب طَرفِه عن أزمةِ النازحين الجدد والمشكلة التي ستتشكل عنها.

في تلك الفترة كان بعض المُهْجرين الذين تضررت بيوتهم جراء القصف على بعلبك والجنوب يقومون بالتمركز في المناطق الفقيرة اما الجزء الاخر فقام ببناء المنازل فوق المشاعات التابعة للدولة اللبنانية في الرمل العالي والأوزاعي وطريق المطار.

إقرأ أيضاً: مين هيّ ضاحية بيروت الجنوبية وشو تاريخها؟ (1)

إن الخطاب العسكري يجد نفسه سائداً في الأحياء العشوائية لكنه يفقد قيمته في المناطق التابعة «للطبقة الوسطى والطبقة الغنية» كـ «حي الاميركان» وأطراف «السانتاريز» وأطراف «منطقة الجناح». فهاتان الطبقتان تدركان أنهما غير معنيتين بتقديم الأفراد للذهاب إلى سوريا ولكنهما معنيتان بتقديم الولاء.

الضاحية

استطاعت قوة السلاح بناء الجدران وممارسة سلطتها لمصادرة الطرقات وصنع مناطق حماية لأصحاب النفوذ والقرار في كل من برج البراجنة والرمل العالي وبعض أحياء طريق المطار والأوزاعي وبئر العبد. وامام الكم الهائل للأموال التي تُصرف على بناء الحواجز ومضاعفة عدد المربعات الامنية فقد كان من الاجدى للحزب القيام بمشاريع انمائية فاعلة داخل احياء الفقر ومساعدة الاهالي على تسوية الظروف القانونية لبيوتهم العشوائية. إلا أنَّ توفير المناخات المنتجة للمقاتلين اهم من كل تلك التفاصيل الضيقة.

إقرأ أيضاً: ضاحية حزب الله تحت الضوء في المثلث اللاتيني

بالنسبة لحزب الله تعد الحرب اهم من كل شيء ويكفي التجول مرة واحدة في الضاحية حتى تتأكد من هذا الأمر. وما يدعو ايضاً للخوف هو إعتياد النَاس المهمشة على أجواء العسكرة وعلى الفقر.

عندما تذهب إلى المناطق العشوائية ستصادف صور الذين قتلوا بالنزاع السوري. في هذه الاماكن بالذات يوجد الكثير من الصور ولكل صورة حضورها الخاص فهي مكلفة بإستقبالك والنظر إليك ومراقبة تحركاتك بإنْدفاع طبيعي من أشخاص دفعوا ثمن حَياتهم لبقاء الركن الاساسي الذي يتشكل به تاريخ الحزب بإستمرار.

إن أعداداً لا يُستَهان بِها من مقاتلي حزب الله في سوريا يخرجون مٍن المناطق الفقيرة ومن الأحياء التي بُنيت حديثاً على مشاعات الدولة ويصعب إيجاد جَواب مُناسب عَن العَلاقة بين الأحياء الفقيرة ونَازحي حَرب تموز إلى الضاحية من جهة وبين إندفاعهم للقتال أكثر من غيرهم من جهة اخرى.

الضاحية

إقرأ أيضاً: الاعتراض الشيعي يفرض معركة بلدية قاسية على حزب الله في الضاحية الجنوبية‏

ويبقى حلم الهرب من رحلة العبور نحو سوريا يجول في خاطر الشبان ـ المقاتلين ـ بالإضافة إلى حلم الرحيل عن الواقع التعيس المزجوجين به.

فما سبب كل هذا؟ ربما الفساد، كذلك اللاعدالة بين ابناء المنطقة الواحدة، والتهميش والفروقات الطبقية الواضحة التي ستنفجر يوماً ما وايضاً بسبب سياسة الامن والامان على حساب الافراد والمجتمع.

حبذا لو أبي على قيد الحياة. حصل مرة فسمعته يقول أن «المربع الامني» سيكون فيلم رعب على الضاحية وبعد أشهر قليلة من كلامه أتت حرب تموز. أما الآن، تنتشر العشوائيات وعشرات الحواجز والمربعات الأمنية وصُور للقتلى. حبذا أيضاً لو أن الواقع أقل سوءاً مما هو عليه حالياً كي ننجو من المستقبل المخيف.

السابق
ما الأهداف من تعليق يافطات لأشرف ريفي في الأشرفية؟
التالي
11 عامًا على استشهاد سمير قصير الذي أخاف المجرم فقتله