«حزب الله» والنظام المصرفي: الواقعية نقيض المكابرة

ليس صعباً على «حزب الله« القيام بما يقوم به من تعطيل وتفريغ لمؤسسات الدولة. هي بحد ذاتها مؤسسات سريعة العطب، ويمكن لأصغر فريق سياسي أن يقف حجر عثرة دون عملها اذا أراد، فكيف الحال اذا كان فريقاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً كبيراً؟

في الوقت نفسه، يصعب على هذا الحزب التفلّت من محدّدات لبنانية أساسية أهمّها حساسية القطاع المصرفي، وارتباط هذا القطاع بالنظام المالي العالمي على نحو وثيق. يمكن للحزب أن يعرقل انتخاب رئيس، وأن يعمل على تجفيف المؤسسات، مستفيداً من قابليتها للتلف، ويمكن أن يبني أمناً موازياً، واقتصاداً جانبياً موازياً، لكن لا يمكنه أن يمنّي النفس بطباعة العملة الصعبة على هواه.

وهو بالتالي، عندما يصطدم بالنظام المالي العالمي يتبين له سريعاً انها ليست شغلته، وعليه اعادة البحث عن سبيل للتكيف مع هذا النظام العالمي، سوى انه في هذا الميدان بالذات لا يمكنه التأسيس كثيراً على المراوغة.

فإما أن الحزب قادر على التكيّف مع ارتباط النظام المصرفي بالنظام المالي العالمي، وإما أنه غير قادر أو راغب مع هذا النظام المالي، وعندها عليه مصارحة نفسه وأنصاره.

اقرا ايضًا: مساعٍ لعودة الثقة بين حزب الله والقطاع المصرفي… فهل تنجح؟

بالطبع يمكن، للحزب نظرياً، أن يأخذ لبنان كرهينة مالية، مثلما يأخذه كرهينة سياسية وأمنية. لكن لهذا الأمر تبعاته أيضاً، وهي لن تكون سهلة الوقع على «حزب الله» والمعادلات التي تتحرك في فلكه. حتى الآن ظل بمستطاع الحزب أن يقوي نزعة الارتباط بين مشروعه الهيمني الفئوي وبين تصويره لحركته على انها انعكاس بشكل او بآخر لـ «الطائفة الصاعدة» في التركيبة اللبنانية.

أما إذا اختار الحزب الهروب الى الأمام اكثر فأكثر، مصطدماً بالتزامات لبنان في النظام المالي العالمي، فهذا سيرتب عليه انفصالاً بين المشروع الهيمني الفئوي الذي يقوده الحزب، وبين أي تصور جدّي يظهر فيه مجموعة بعينها كطائفة صاعدة.

الحزب حالياً أمام مسارات متعددة الأوجه والمستويات لاستنزافه طالما هو لم يغيّر ما بنفسه. الجبهة المالية قد تكون أخطرها، وسدّ الذرائع فيها بالحيل البلاغية والخطابية فقط لن يجدي كثيراً. هناك واحد من اثنين: إما أن الحزب قادر على تقبّل كون لبنان جزءاً من النظام المالي العالمي وإما أنه راغب في فصل لبنان عن هذا النظام، الذي يراد إرجاع ايران اليه في الوقت نفسه بشكل ناجز، وبمفعول رجعي.

وهذا يحيل على اشكالية اساسية في هذا الموضوع كما في كل موضوع: حزب كبير في بلد صغير لا يمكنه ان يسيطر كلياً على البلد الصغير طالما هو لم يتكيف بعد مع طبائع البلد الصغير بدءاً من صغر حجمه، لكنه يعود فيجد نفسه بين دواعي المكابرة، لكونه نقطة في بحر هذا العالم، وبين دواعي الواقعية، بما تعنيه من ضرورة عدم وضع لبنان في نطاق انعزالي عن السوق العالمية، والنظام المالي العالمي.

(المستقبل)

السابق
عشاء عسيري وخطاب نصرالله.. سوريا الفيصل
التالي
الرسالة السعودية الجديدة… هل يتلقفها اللبنانيون؟