حذار الخراب الكوني الجديد

إنّ على الشيعة عموماً، وفي البلاد العربية خصوصاً، أن يكرّروا قراءة المشهد الراهن مراراً قراءة فردية. أي أن يقوموا لله مثنى وفُرادى، كما يقول القرآن الكريم، ثم جماعة إن شاؤوا، ليتحققوا أن ما فيهم ليس جِنة، وأن من يسترعون انتباههم من بين ظهرانيهم إلى المآلات الخطيرة التي يختزنها المشهد، ليسوا شعراء فقط أو مجانين أو أصحاب نيات طيبة وساذجين أو خونة.

اقرأ أيضاً: بين حركة «فتح» والإمام الخميني

ولعل العرب والمسلمين السنّة هم أولى بهذه القراءة. لا على طريقة الشيخ يوسف القرضاوي الذي عالج خطأه بخطإٍ آخر. ما يغري أو أغرى بارتكاب الأخطاء المتبادلة والقاتلة، بل إن السنّة العرب مُطالبون، بأن يتحملوا مسؤوليتهم حتى لا تحدث المأساة التي لا سابقة لها في تاريخنا، بما تستلزم من عُقَدِ ذنب متبادَلة باتجاه الشيعة وغيرهم من المكوّنات الأقل عدداً من السنّة.
وعن التفكير بالغرب والمحرقة، هذه العُقَد لن يؤدي حلُها المتسرع على الطريقة الغربية في فلسطين، إلا إلى عُقَد أخرى. ومعنى ذلك أن العرب، والمسلمين السنّة عموماً مُطالَبون بالحذر الشديد، والعمل للحيلولة دون التحويل أو تحوُّل الشيعة وتحوُّلهم إلى إسلامهم الذي يشهد له الاختلاف الفقهي أكثر مما يشهد عليه.
هم كثرة عدداً وعدّة ودوراً مسلماً على أقليتهم. ولكنهم ليسوا من الكثرة بحيث يتوهمون إمكانية الغلبة. وليسوا من القلّة بحيث يسهل إلغاؤهم أو الاستغناء عنهم. على أن إلغاءهم إنذار لكل أطراف التعدد الإثني والديني في الشرق، بأن الخطر عليها قد أصبح مستحقاً. فما عليها إلا أن تستعد لردّه معاً. وهذا مدخل إلى خراب كونيّ جديد، لا يستطيع العرب والسنّة تحمّل تبعاته، والظن القوي أنهم لا يريدون.

الاكراد الشيعة
وقد تمرّس الشيعة في تأمين سلامة وجودهم في الظروف الصعبة. وإن كانت الظروف هذه المرة أصعب، بسبب استشعار الشيعة لقوة فائضة في عضلاتهم، سببها إنجازات حققوها، منها تحرير جنوب لبنان لا القُصَير! مستفيدين أيضاً من استقالة أو استنكاف سنّي وعربي، عن مواجهة تحديات الاحتلال الصهيوني بعد اجتياح لبنان، ما منح إيران فرصة ذهبية لتجاوز واقعها الأقلوي المذهبي والقومي الفارسي، بالمساندة الفاعلة لمسألة تتصل بقضية العرب والسنّة الأولى في فلسطين وطوقها العربي.
أما الآن، فإن هناك انطباعاً لدى أهل الرؤية والرويّة من العرب، إن لم يكن اقتناعاً، بأن للوضع العربي المعقّد، لأنهم مشتّتون مقصّرون وقاصرون، بسبب تقادم الإهمال وتنكُّب طرق الإصلاح، والصدأ الذي أكل آلاته وآلياته، بينما يمكن أن تؤدي معاقبة الشيعة على تصرفات بضعهم من قبل أطراف مؤهلة أو فاقدة للأهلية، ومحاصرتهم – أي الشيعة – على أساس أنهم أقلية منشقة أو ضالة. وهذه تهمة يدخرها الجميع للجميع، بناء على الخطأ أو من دونه.
وأعيد: يمكن أن تؤدي محاصرة الشيعة إلى اجتماعهم مختارين من جانب متطرفيهم، ومضطرين من جانب معتدليهم إلا أقلية ضئيلة تمانع وتعاند وتصمد على اعتدالها، كما لو كانت مجموعات “كومندوس”. ولكنها تناضل في أرض مكشوفة لا عدوّها عدوّ، ولا صديقها صديق. وأصعب الحالات، هي حالة التباس الحق بالباطل، والصديق بالعدو، والمعتدل بالمنشق.

(من كتاب على مسؤوليتي – منشورات صوت لبنان)

السابق
طوني أبو جودة لزوجته.. «ما عمّ نشوفك بالبيت»
التالي
الرئيس سعد الحريري: مبروك ومئة مبروك لبيروت والبيارتة ..