لا يمكن التذرّع استنسابيا للتمديد للبلديات‎

كتب المحامي جورج بارود في العدد الأخير من مجلة "شؤون جنوبية" بمناسبة اقتراب الاستحقاق البلدي مقالاً بعنوان "الواجب الوطني والقانوني لاجراء الانتخابات البلدية..هكذا نطعن قانونياً في عرقلة الانتخابات البلدية" وهذا أبرز ما جاء في المقال.

إن لبنان هو جمهورية ديمقراطية برلمانية، وإن الشعب فيه هو مصدر السلطات وصاحب السيادة ويمارسها عبر المؤسسات الدستورية.

(الفقرتان جيم ودال من مقدمة الدستور اللبناني التي أضيفت إليه بموجب القانون الدستوري الصادر في 21/9/1990).

تعني الديمقراطية مساهمة جميع المواطنين بطريقة من الطرق الدستورية المألوفة، في تقرير وتسيير الشؤون العامة.

(الوسيط في القانون الدستوري العام – الجزء الاول – الدول وأنظمتها – للدكتور إدمون رباط، صفحة 145).

وبما أن البلدية، وفقًا للتعريف الوارد في المادة الاولى من قانون البلديات (المرسوم الاشتراعي رقم 118/77 وتعديلاته) هي إدارة محلية، تقوم ضمن نطاقها، بممارسة الصلاحيات التي يخولها إياها القانون، ما يعني أنها مخولة بتقرير وتسيير الشؤون العامة المحلية.وقد تناولت المواد 13 وما يليها من هذا القانون، عملية انتخاب المجلس البلدي والآلية المعتمدة لاجرائها.

ما يعني أن الانتخابات البلدية أصبحت واجبًا وطنيًا، مطلوب تأمينه من قبل السلطة الاجرائية، وتحديدًا وزارة الداخلية، فعليها واجب الدعوة إليها وإكمال الأعمال التقنية المطلوبة كافة لذلك ضمن المهل القانونية؛ وفي حال تلكئها، ترتكب مخالفة دستورية وتكون بفعلها هذا – تحت أي عذر – قد قصرت عن القيام بواجبها، وتعتبر ممتنعة عن تطبيق مبدأ تداول السلطة الذي يشكل أساس النظام الديمقراطي البرلماني، بمنعها الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة، من ممارسة حقه في تقرير شؤونه العامة وتسييرها.

هذا ما يمكن أن يشكل أساسًا للطعن في أي قانون تتخذه السلطة التشريعية يتعلق بالتمديد للمجالس البلدية، أمام المجلس الدستوري، كما يشكل أساسًا للطعن بأي قرار تتخذه السلطة التنفيذية من شأنه أن يعرقل أو يؤخر إجراء هذه الانتخابات.

إقرأ أيضاً: المجتمع المدني يتحرّك لكسر توافق الحريري وميقاتي لبلدية طرابلس…فهل ينجح؟

مجلس النواب

– التمديد بحجة الظروف الاستثنائية.

معلوم قانونًا أن الظروف الاستثنائية، وخاصة الامنية منها، تعطي السلطة الحق في عدم القيام بواجب أملاه عليها القانون، سواء أكانت تنفيذية أو إدارية.

إلاّ أن للظروف الاستثنائية شروطاً ضيقة نص عليها القانون، أقلّها ضرورة تشريع وجودها. فلا يمكن التذرع استنسابيًا بهذه الظروف للتنصل من واجب وطني بحجم الانتخابات وتمديد المجالس النيابية والبلدية والاحجام عن إجراء التعيينات في الوظائف العامة، لاسيّما الفئات الاولى منها والمراكز الحساسة في الدولة المتعلقة بالامن القومي والدفاع الوطني وما إلى ذلك.

فنظرية الظروف الاستثنائية يصّح الاخذ بها أثناء الحروب أو عند وجود طارئ يحول بشكل مطلق دون تمكين المواطن من أداء واجبه الانتخابي، أو تمكين الادارة من إجراء عملية الانتخاب، وتبقى في جميع الحالات خاضعة لرقابة المجلس الدستوري.

وقد حدد المجلس الدستوري في لبنان مفهوم الاستثناء الذي يجيز للمشترع، ضمن حدود معيّنة، أن يخرج عن أحكام الدستور، كما أكدّ على أن تقدير الظروف الاستثنائية يبقى خاضعًا لرقابته.

وأيضًا:

وبما أنه إذا كان يعود للمشترع أن يقدر وجود ظروف استثنائية تستدعي سن قوانين لا تتوافق وأحكام الدستور، في حدود المدة التي تستوجبها هذه الظروف، فإن ممارسته لهذا الحق يبقى خاضعًا لرقابة المجلس الدستوري.

وكذلك كرّس المجلس الدستوري نظرية الظروف الاستثنائية وعرفها وحدد شروطها. ولكن شروط الظروف الاستثنائية ليست موجود الآن في لبنان، لا من الناحية الأمنية، ولا من الناحية الادارية ولا من أي ناحية أخرى.

إقرأ أيضاً: بلديات الجنوب منذ 2004: أكبر سرقة للأرض تحت ظلال «المقاومة» والثنائية

عدم شرعية التمديد، وتعارضه مع مبدأ صحة التمثيل

مجلس النواب

عندما تتلكأ السلطة عن القيام بدورها المناط بها، وتتخلف عن تأدية واجبها الوظيفي والوطني- تحت أي ذريعة، لا بد من أن يتدخل الشعب مصدر السلطات وفقًا لاحكام الدستور للضغط على السلطة للقيام بواجبها.

فبمجرد أن يقوم المجلس النيابي بالتمديد لنفسه، يفقد وكالته المحددة بمدة ولايته، التي انتخبه الشعب لتمثيله خلالها.

فاستنادًا إلى مبدأ عدم جواز تجديد الوكالة من قبل الوكيل، لا يجوز للمجلس النيابي أن يستمر في ولايته عند حلول أجلها؛ وكان أحرى بالسلطة التنفيذية أن تدعو إلى انتخابات نيابية ضمن المهل الدستورية، خاصة وإنه لم يكن هناك من مانع أو عائق يحول دون إجرائها، سوى الحسابات الضيقة التي يجريها القيمون على السلطة؛ فيخافون في حال حصول الانتخابات، من تغيير يطال التمثيل البرلماني وبالتالي السلطة التي ستنبثق عنه.

من هنا، تطرح مسألة قانون الانتخابات على الأصعدة كافة، ودوره في تأمين التمثيل الصحيح للناخبين على المستويين النيابي والبلدي.

صحيح أن النظام الديمقراطي ليس النظام الامثل الذي يؤمن صحة التمثيل في المطلق، لكنه يبقى النظام الافضل الذي يصح العمل به إن اعتمد قانون انتخابي عصري يأخذ بعين الاعتبار مكونات المجتمع، وبالتالي صحة تمثيل الطوائف في لبنان، وقد توافق أبناؤه على العمل بمبدأ المشاركة في الحكم، من خلال تمثيل جميع الاقليات- وجميع الطوائف اللبنانية تشكل أقليات- التي تكون المجتمع اللبناني.

إقرأ أيضاً: مستقبل «البلديات»: هل بدأ الجيش بالتحذير من إجراء الإنتخابات؟

لقانون يؤمن التمثيل الصحيح

يتأمن التمثيل الصحيح، من المعلوم عالميًا أن النظام الانتخابي الذي يعتمد النسبية، على ما يثير من عراقيل في مسألة الحكم واتخاذ القرارات، يبقى النظام الاكثر تمثيلاً.

فمن خلاله، يتأمن تمثيل الاكثرية والاقلية بحجم ما نالت كل منهما من أصوات، إلا أن القرار داخل السلطة يصبح أصعب، لان الفئتين تصبحان متقاربتين عدديًا، ولا يعود من السهل الاجماع أو الحصول على أكثرية كبيرة عند التصويت على مشروع قرار.

هذا ما يدفع بالسلطة إلى اتخاذ القرارات بدراية وتأنٍ ودراسة وموضوعية مطلقة، بعيدًا عن العشوائية والاصطفاف والتسرع والمحسوبية، لان الرقابة تكون كبيرة، والمناقشة حول كل مشروع لا بد من أن تحصل بعمق وشفافية قبل طرحه على التصويت.

من هنا ضرورة العمل على وضع قانون انتخابي يعتمد النسبية في الانتخابات النيابية والبلدية.

(بتصرف)

السابق
الفشل السياسي في حل المسألة الكردية
التالي
مواد غذائية تخالها أجراما سماوية