الحريري… كيف اغتاله حزب الله وآخرون

بين الحريري الأب والابن محاولات اغتيال بدأن منذ العام 1998 ولم تنتهِ حتى اليوم، ولكن المفارقة أنّ من اغتال الأب أكثر من مرة هم خصوم، أمّا من يغتال الأبن فهم أقرب المقربين.

قد تتفق مع مشروع الحريري الاب وقد تختلف، قد تحبه وقد تكرهه، قد تواليه أو قد تعاديه، وكل هذا محتمل. غير أنه من المؤكد أنه المشروع الوحيد الذي طُرِحَ للبنان بعد الحرب الاهلية، مقابل تنظير وتحليل وتبصير لا يرقى لأن يكون أكثر من ردود أفعال لم تكن يوماً بحجم فعل مشروع الحريري الاقتصادي والإنمائي.

مشروع اقتصادي وانمائي فقط، بدون الأمن والسياسة (الداخلية والخارجية). لأن الأمن بكل فروعه المهمة، والسياسة بكل مفاصلها الخارجية ووصلاتها الداخلية، كانت تحت وصاية الحاكم السوري الذي يتبع مباشرة لقصر المهاجرين. حاكم سوريا الأوحد وابنه الذي نسج مع الحزب الإيراني أفضل العلاقات في مرحلة ما بعد التحرير وان كان بشكل مباشر أو عبر عدة عناصر لبنانية “أقواها” الرئيس اللبناني السابق وقائد الجيش في عهد الأسد الاب، اميل لحود، ومجموعة من الضباط اللبنانيين يدينون بالولاء للأسد الاب ومن ثم لابنه لاحقاً.

رفيق الحريري

من قد يعتقد أن حزب الله لم يغتال الحريري فهو مخطئ. إن هذا الحزب قد قام باغتياله مرات عديدة، ولا زال يقوم بذلك. فالاغتيال الجسدي حصل مرة في 14 شباط من العام 2005 بطنين من المتفجرات وننتظر من المحكمة الدولية أن تتوصل لإيجاد الجاني. أما الاغتيال المعنوي والذي يحصل من العام 1998 الى الآن ليس بحاجة الى أية محكمة لإثباته أو أية أدلة للبحث عنها. يكفي لأي مراقب فقط أن يتابع وسائل اعلام حزب الله و”اخواته”، المباشرة وغير المباشرة، وخطابات وتصريحات قياداته وحلفائه المباشرين وغير المباشرين ايضاً. نعم، تكفي المراقبة لنعلم كيف تتم الاغتيالات المتلاحقة ومن يقوم بها.

حصلت عمليات الاغتيال للحريري خلال خمس مراحل مفصلية هي: اولاً، ما قبل اميل لحود. ثانياً، خلال فترة لحود حتى العام 2004. ثالثاً مرحلة 2004 والاغتيال في 2005. رابعا، ما بين 2005 وال 2011. خامسا، مرحلة الثورة السورية. مرت المرحلة الأولى (مرحلة ما بعد الحرب) بصمت، لانشغال الحريري بمرحلة الاعمار وتفاصيلها مع العلم ان النظام السوري وعبر “مفوضه السامي” وملحقاته اللبنانية ابقوا الحريري بعيداً نسبياً عن القرارات الأمنية والعسكرية وحيث تمت عدة عمليات اغتيال معنوية لصورة الحريري في محاولة لاحتوائه و”ترويضه” حسب المواصفات المطلوبة سورياً. المرحلة الثانية، وهي مرحلة لحود التي كانت المرحلة الأصعب سياسيا على الحريري لاضطراره التعامل مع نظام عسكري- أمنى بامتياز، ولكن هذه المرة بواجهة لبنانية “لحودية” وإدارة سورية “ممتازة”. ليس من مجال هنا لسرد العديد من الوقائع المهينة التي ما انفك النظام السوري يمارسها عبر الاب (حافظ) وصولاً الى الابن (بشار) الذي لم تسمح له خبرته بإدارة الملف اللبناني المعقد بفعالية ومكر والده. وليس من مجال ايضاً لشرح تململ وسخط اللبنانيين من الوصاية السورية، والذي أصبح مفضوحاً وصريحاً بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في أيار العام 2000.

إقرأ أيضًا: كيف استحضر ناشطون الشهيد الحريري عشية كلمة سعد؟

من المعروف ان مرحلة اميل لحود كانت المرحلة الأصعب على الحريري. لم يكن عليه أن يواجه واقع نظام البعث الاسدي والنظام اللبناني الأمني فقط. ولا مواجهة أسلوب جديد تقوده غرفة امنية سوداء من أولوياتها فبركة الاخبار ونشرها في سبيل الدعاية المغرضة ايضاً. إنما توجب على الحريري مواجهة أسلوب جديد من العمل الأمني يقوم على فبركة الروايات من قبل نظام أمنى سوري- لبناني ومن ثم تصديقها والتصديق عليها عبر مجموعاتها الأمنية المنتشرة. باختصار، كانت هذه هي فترة الاغتيالات المكثفة تمهيداً لحصول الاغتيال الفعلي في العام 2005 بطنين من المتفجرات أدت الى استشهاد الحريري وانعطاف البلد نحو المجهول. كل ذلك حصل قبل حرب تموز 2006، وغزوة أيار 2008 واتفاق الدوحة وابعاد الحريري الابن القسري، وصولا الى الثورة السورية ومشاركة حزب الله مع النظام الى الآن.

إقرأ أيضًا: لعنة إغتيال الحريري

كل ما تم ذكره، حصل الى الآن ممن يُعتَبَرون أعداء الحريري الاب والابن. ولكن على ما يبدو، ان الاغتيال الأهم هو الذي حصل (ويحصل) مؤخرا والذي يأتي ممن يَعتَبِرون أنفسهم “أصدقاء”. يأتي عبر محاولات اضعاف لا تقل قسوة عما فعله النظام الأمني اللبناني السوري وحزب الله. اغتيال معنوي قد يكون الأقوى بتاريخ الحريري. اغتيال سياسي، مالي، ومذهبي. إنه يأتي ليحمل الحريري وِزر خياراتهم وسياساتهم وأخطائهم. واهم ما فيه انه إلغائي وعلى طريقة “سياسات اللحظة” وحفارو خنادق السلطة.

ان اختلاف وخلاف إيران مع السعودية حتى العام 2005، (“المضبوط” في تلك المرحلة) قد أدى الى اغتيال الحريري ورهن وطن بكامله للمجهول. ومقلق ما قد يؤدي اليه هذا الصراع الإيراني-السعودي المتصاعد في لبنان والمنطقة بظل امساك إيران وتمسكها بأهم الخيوط السوداء المحلية والإقليمية. ولكن المقلق أكثر هو امتلاك السعودية لأوراقها الإقليمية (السورية بالأخص) والمحلية ايضاً، وفي مواجهة المشروع الإيراني. أوراق قوة سعودية الذي قد يكون الاعتدال السني والمشروع الوطني للحريري الابن من اهم ضحاياها.

السابق
المصالح السياسية تطفو على سجال جنبلاط – المشنوق والأمور نحو الحلحلة
التالي
عن نجومية ليال عبود والتفاهة