لماذا باع الجنرال «عواد» أرضه؟

على الرغم من وقع الصدمة على غالبية المصريين جراء قرار الحكومة المصرية اعتبار جزيرتي صنافير وتيران، في البحر الأحمر، واقعتين داخل المياه الإقليمية السعودية، طبقاً لمرسوم ملكي وقرار جمهوري، بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين الجانبين، إلا أنه لم يتم الإعلان حتى الآن عن تفاصيل أو أسباب الحكومة المصرية الحقيقية التي دفعتها للإقدام على هذه الخطوة الآن، مع وجود خلاف قديم بين الجانبين حول هاتين الجزيرتين، لم يحسم ولم يُشكل أي عقبة في تطوير العلاقات بينهما.

مصدر مصري يسمح له موقعه بالإطلاع على جزء رئيسي من تفاصيل زيارة الملك سلمان، قال لـ”المدن”، إن الاتفاقية وقّعت بإشتراط سعودي عند الإعداد لزيارة الملك سلمان، موضحاً أن الـ16 إتفاقية ومذكرة تفاهم التي وقعت في الزيارة كانت مقابل توقيع اتفاقية ترسيم الحدود وإعلان ملكية هذه الجزر للسعودية، مبيناً أن الجانب المصري لم يسجل ممانعة تذكر عند الإعداد لهذه الزيارة.

وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، أن الجانب المصري سيحصل بموجب الاتفاقيات ومذكرات التفاهم على ما يقارب 2 مليار دولار سنوياً، بالإضافة إلى 25 في المئة من قيمة الغاز والبترول المستخرج أو المستفاد منه جراء ضم الجزيرتين إلى السعودية.
وشرح المصدر أن من أسباب اشتراط السعودية توقيع إتفاقية ترسيم الحدود بشكل رسمي، لا مجرد إعلان أو خطاب، لضم الجزيرتين، بالقول: “هذا يقوي موقف السعودية في حال لجأت مصر إلى التحكيم مستقبلاً”.

وعلى هامش ما سيستفيد منه الجانب المصري جراء التقارب مع المملكة، فالسعودية ستبدأ في تصعيد ضغوطها على تركيا أكثر حتى تطبع علاقتها مع السيسي.

إلى جانب ذلك شهدت الساحة المصرية ارتفاع حدة الغضب، وشبّه مصريون السيسي بشخصية عواد في التراث الشعبي، وهي شخصية اشتهرت ببيع أرضها، مرددين المقولة الشهيرة “عواد باع أرضه يا أولاد”، في إطار تهكمهم من إرتفاع وتيرة التفريط في الأراضي المصرية ومواردها في عهد السيسي. وذلك بعدما خسرت مصر حقول الغاز في البحر المتوسط نتيجة أخطاء في ترسيم الحدود مع اليونان وقبرص، وارتفاع درجة التنسيق مع الجانب الإسرائيلي لدرجة سمحت للطيران الحربي الإسرائيلي بالتحليق فوق أراضي سيناء، وإخلاء الشريط الحدودي من السكان بدعوى محاربة الإرهاب.

اقرأ أيضًا: وقف بث النايل سات: أسباب مالية أم سياسية؟!‏

لكن على جانب آخر كانت الأصوات المؤيدة للنظام الحالي تقلل من حالة الغضب السائدة بدعوى أن هذه الجزر كانت سعودية الأصل، إلا أن الباحث في الدراسات الأفريقية، والمتخصص في التاريخ المعاصر والعلاقات الدولية أرشد فاروق، فنّد هذه الحجة قائلاً لـ”المدن” إن ملكية الجُزر تخضع لعملية منح السيادة من قبل الدولة العثمانية باعتبارها آخر إطار سياسي مشترك بين مصر والسعودية في العصر الحديث، ومن ثم فإن كانت الجزر تابعة للسعودية إدارياً حتى العام 1950 إلا إن الحجاز وشواطئ البحر الأحمر على الجانبين كانت تخضع للإدارة المصرية قبل وجود السعودية أصلاً. ولذلك لا يمكن اعتبار الإدارة السياسية للجزر ثابتة من الثوابت التي يتم الاحتكام إليها.

فاروق أشار إلى أن السعودية تنازلت عن تلك الإدارة السياسية للجزيرتين لمصر بخطاب رسمي توجهت به إلى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في العام 1950. فاروق، الحاصل على الماجستير في موضوع “إسرائيل والبحر الأحمر”، قال إن القانون الدولي للبحار الدولية ينص على أن الدول المشتركة في ممر ملاحي دولي ذي مساحة محدودة، تُقسم السيادة فيه مناصفة بين الدولتين المتشاطئتين لذلك الممر، مبيناً أنه إذا كان عرض خليج العقبة 24 ميلاً فقط، فالسيادة المصرية مستمرة حتى 12 ميلاً من شاطئ سيناء، وكذلك السعودية من الجانب الاخر. وإذا كانت الجزيرتان تقعان في حدود الـ12 ميلاً بحرياً من شاطئ سيناء، والممر الملاحي الوحيد الصالح للملاحة هو ما بين شاطئ سيناء وجزيرة ثيران، فإن السيادة -حسب القانون الدولي- تكون لصالح مصر، ولا يمكن الاعتماد على السيادة التاريخية لانها متغيرة وليست ثابتة. وحتى لو تم الاحتكام إليها، فإن آخر اشارة تاريخية هي تنازل المملكة العربية السعودية لمصر عن الجزيرتين في خطاب رسمي تم ارساله لبريطانيا وأميركا، وتمت الموافقة عليه منذ 1950.

وأشار فاروق إلى أن الجزيرتين الآن خاضعتين لقوات متعددة الجنسيات، منذ اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وحتى اللحظة، ولهم السيطرة الفعلية عليها، فلا مصر ولا السعودية لهما شيء هناك سوى إقامة بعض المشاريع بموافقة قيادة تلك القوات، والجانب الإسرائيلي هو من يحدد ما إذا كانت الأنشطة والمشاريع ستضر بأمنه القومي أم لا.
(المدن)

السابق
ميشال سماحة في السجن.. خطوة متواضعة
التالي
فات الأوان لإنقاذ «عين الحلوة»؟