هكذا ظهر التكفير… فمتى يظهر الوسطيون؟

داعش
يُعرف الإسلام بأنه رسالة سمحاء من خلال سيرة الرسول الأكرم، الا أن ما يجري على أرض الواقع باسم الإسلام يُظهرالعكس.. فمتى يعود الوسطيون الى الواجهة؟ وأين اختفى العلماء؟ بل أين ذهب الأزهر الشريف؟ والى أين مضى الحكّام الذين يحاربون التطرف؟

يعاني المسلمون اليوم أزمة داخلية ضخمة جدا تحتاج الى علماء من نوع جديد، علماء يُطلقون العنان للفكر التسامحي للدين بشكل عام، وللإسلام بشكل خاص، حتى نتخلص كأمة وكمجتمع من التشدد والتكفير والإرهاب، فالمسألة ليست سياسية بحتة كما قد يتصورها البعض.
فقضية التكفير قضية محورية بين المسلمين أنفسهم أولا، وبين المسلمين والمسيحيين ثانيا، وبين المسلمين واليهود ثالثا. وهي ليست بقضية جديدة كما يعتقد البعض. بل إنها قضية قديمة لكن عملية توظيفها وكيفية تنفيذ الحكم فيها اختلفت اليوم عن الأمس. والتكفير اليوم بات مشكلة إسلامية-إسلامية أكثر منها إسلامية كتابيّة.
وثمة نموذجين قديمين، فأول ما طُرح التكفير كان على لسان الخوارج، أي ما بعد قبول الإمام علي بتحكيم معاوية، حيث إستدلوا بآيات كثيرة على موقفهم هذا.
ومن بعد الخوارج شهدنا في العصرالحديث نموذجا جديدا أي نموذج ابن تيمية الذي اعتبر الشيعة والعلويين من الكفّار، كونهم خرجوا على الحاكم. وايضا بسبب الصراع السياسي الضخم مع دخول المغول الإسلام، فلم يرضَ ابن تيمية بإسلام المغول، فكفرّهم وكفّر كل من لم يأخذ بحرفيّة كلام القرآن في قضايا أساسية كالإستواء والإلوهية، وكفّر كل من يقول بالتفسير المجازي للآيات الكريمة، واعتبر كل من يقول بخلاف رأيه كافر.

داعش
داعش

أما الحالة الثالثة المعاصرة، فهي داعش والنصرة وجيش الإسلام، وهي التي تستمد فكرها من الحركة الوهابيّة، ورائدها محمد بن عبد الوهاب الذي توفي عام1796 وهو المؤسس الحقيقي للمذهب الوهابي الذي كفّر أتباع المذاهب الأربعة من السنّة أيضا، وأقام منظومة تعتمد على فكرابن تيمية الذي يكفّر كل من لا يقول بتفسير القرآن تفسيرا حرفيّا. علما ان غالبية المسلمين يفسرون القرآن تفسيرا مجازيا كالوجه واليد والإستواء. وقد اعتبر محمد بن عبد الوهاب ان المسلمين لم يكونوا مسلمين حقيقيين قبل إعلان مذهبه، حيث كتب رسالة الى الخليفة العثماني آنذاك يدعوه الى الإسلام. لذا فان “داعش” ليس حالة جديدة. والتكفير آلية من آليات وديناميات التعامل بين المسلم والمسلم أيضا، وليس بين المسلم وأتباع الديانات الأخرى فقط.
وبالتوازي مع الوهابية، هناك الاصوليةالتكفيرية أيضا، ومؤسسها سيد قطب في مصر، الذي اعتبر أننا نعيش في عالم جاهليّ لابد فيه من تدمير الحالة الجاهلية في العالم كله، والعودة الى حاكمية الله. وقد اعتبر أن مصر- بلده- حالة جاهليّة، لذا سجنه جمال عبد الناصر وأعدمه.

سيد قطب
سيد قطب كاتب وأديب ومنظر إسلامي مصري

وقد اعتبر سيد قطب أن المسلمين لا يطبقّون شرع الله، ولا يحكمون بما أنزل الله. فقسّم العالم “فسطاطين” وحوّل الفكر العقدي الإسلامي الى فكر سياسي. واعتبر جميع المؤسسات والدول في العالم الإسلامي كافرة بدءا من العراق الى مصر وصولا الى السعودية. علما انه لم يتجرأ أحد من المفكرين الإسلاميين سابقا على تكفير دول ومؤسسات، ولم نسمع الا عن حالات تكفير أفراد. لكن مع سيد قطب وُصفت الدولة بـ”الكفر” او “الإيمان”، وهو تطور سلبي تجاه الدولة والنظام. لذا يُعتبر سيد قطب من مؤسسي فكرة تكفيرالدولة.
لذا نجد ان ابن تيمية منفتحا امام سيد قطب، حيث نشأت أول حالة تكفيرية في السجون تدعى جماعة “التكفير والهجرة” التي ظهرت في مصر بقيادة أيمن الظواهري، الذي ذهب الى افغانستان لمحاربة السوفيات، وبذلك اجتمع الفكر السلفيّ مع الفكر الوهابيّ.

إقرأ أيضاً: في ذكرى العملية الاستشهادية ها هي وصية الشهيد حسن قصير:«سبوا لي ربي فإنتقمت لربي»
واصبح بعد ذلك التكفير سهلا، بل انه صار مدخلا شرعيا الى القتل والذبح والسبيّ. علما انه ثمة ضوابط للتكفير في الاسلام. والكفر السياسي ليس بجديد، بل هو موجود منذ أيام الخلفاء الراشدين. والخلاف كان يقع، كما نعلم، بسبب الصراع على السلطة، المستمر الى اليوم.

إقرأ أيضاً: رسالة لوليد جنبلاط تهدّد بـ«تطييره»: وفيق صفا ما عندو تويتر يراشق!
من هنا صار التكفير سلاح الأيديولوجيّة الوهابيّة، لذ يجب العمل على تفكيك الفكر التكفيري، اضافة الى الفكر السلفيّ الذي يرفض التطور الذي حصل في البلاد العربية والإسلامية، اذ يريد اتباعه الرجوع الى العصر الإسلامي الأول كونهم يعتبرون ان المسلمين يعيشون اليوم “جاهلية”، ويريدون العودة الى الحاكميّة الأولى. لذا من أهم القضايا المُطالب بها حاليّا هو العمل على تفكيك الفكر السلفيّ والقطبيّ – نسبة لسيد قطب- كونهما فكران شديدا الخطورة على الاسلام -كما اصبح معلوما للقاصي والداني- السمح المنفتح الذي جذب اليه اكبر المفكرين الغربيين إليه.

السابق
جنبلاط: اعترافات عباس مقدمة لتفجيرات ظاهرها القاعدة باطنها المخابرات السورية
التالي
صحفي بريطاني يصور لاجئين سوريين ويبقي كرسي فارغ للشخص المفقود