نعم…الإنتخابات البلدية حاجة مُلِحّة

أشهُر قليلة تفصِلُنا عن موعد جديد للقاء صوت المواطن وصندوق الإقتراع الذي إشتاق للديموقراطية بعدما سلبته إياها التسويات السياسية الداخلية منذ أيار ال2010. هذا الموعد مع الديموقراطية مُعَرَّض للإغتيال على يد طبقة سياسية لا تعي تقديم مصلحة بناء الدولة على مصالحها الشخصية، فتربط دائمًا الحاجة الوطنية بالمكاسب الحزبية التي يمكن تحقيقها عند كل تسوية للأمور اللبنانية الداخلية. لماذا هذه المصطلحات القاسية تجاه السُلطة السياسية اليوم؟ وما علاقة إغتيال الديموقراطية بالإنتخابات البلدية؟

تُعتبر البلديات في لبنان والعالم أدنى مستويات اللامركزية، والعلاقة الأكثر إلتحامًا بين المواطن وممثليه المنتخبين مباشرةً منه، لذلك تُعطى صفة “الإنتخابات المحلية المباشرة”. هنا الناخب يختار ممثله المحلي، المسؤول عن مهام محلية تعنى فقط بالحدود الجغرافية المحلية للبلدية المنتخب عنها، ويكون مسؤول مباشرةً عن عددٍ من المهام المحلية المرتبطة بإحتياجات كل مواطن داخل بلديته، ينفذها من خلال مبالغ مالية عبارة عن موارد مباشرة تجنيها البلديات من السكان الذين يقطنون في حدودها الجغرافية، وغير مباشرة من خلال حصتها من الحكومة المركزية والتي هي حصة كل فرد من مداخيل الدولة.

أما أهم مهام البلديات فتم إختصارها بكل ما هو مرتبط بالمنفعة العامة، ثم تم تفسيرها أكثر على سبيل المثال لا الحصر بتنفيذ الأعمال والـمشاريع الآتية: الـمدارس الرسـمية ودور الـحضانة والـمدارس الـمهنية، الـمساكن الشعبية والـحمامات والـمسابح والـمستشفيات العمومية والـمصحات والـمستوصفات والـمتاحف والـمكتبات العامة ودور التمثيل والسينما والـملاهي والأندية والـملاعب، والوسائل الـمحلية للنقل والأسواق العامة.

إقرأ أيضاً: الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات.. اطلاق حملة «البلدية نص البلد»

هذا في التوصيف الشكلي للبلديات والذي يُظهِر أهميتها الكبرى وضرورة تفعيل أعمالها، أما في المضمون اليوم فالسؤال الأهم هو التالي: ما أهمية إجراء الإنتخابات البلدية في أيار 2016؟

وضع البلديات حاليًا: يصل عدد البلديات المستقيلة وهي بعهدة القائمقاميين إلى أكثر من ال10 في المئة، بينما هذه النسبة معرضة للإرتفاع إلى قرابة ال50 في المئة في حال عدم إجراء الإنتخابات البلدية في وقتها، وذلك بسبب الخلافات السياسية والعائلية في عدد كبير من البلديات. هذا الأمر يعني أننا أمام إستكمال للتضخم في مشكلة الحكم من أعلى الهرم إلى أسفله، مما يُشكل أزمة داخلية خاصةً في البلديات التي تُشهد لها بعض الفعالية بالرغم من قدراتها المادية المحدودة في الوقت الحالي.

في الشأن السياسي وتأثير عدم إجراء الإنتخابات على الديموقراطية: يُشكل عدم إجراء الإنتخابات البلدية اليوم ضربة للديموقراطية وحرية الرأي والتعبير التي تُعتبر حقًا لا يتجزأ من حقوق المواطن اللبناني، خاصة في الوقت الحالي. فالمجلس النيابي مُعطَّل كُلِيًا والسلطة السياسية تراوح مكانها في ظل غياب رئيس للجمهورية، الذي أصبح كرسيه فارغ لأجلٍ غير مُسمى. لذلك يأتي ضرب الإنتخابات المحلية كزرع خنجرٍ في صدر الديموقراطية المحلية في لبنان، وكذلك في العالم العربي الذي كان لبنان منارته في الديموقراطية، ها هي السعودية تجري إنتخابات بلدية وتونس تستنهض ديموقراطيتها وتُجري إنتخابات على مختلف المستويات الداخلية، ومصر إنتخبت والمغرب مؤخرًا كذلك إنتخب مجالسه المحلية، فأين نحن من ذلك؟؟؟

إقرأ أيضاً: هذه هي مآسي وأفراح السياسة لعام 2015

في الإستقرار الداخلي المزعوم: من الطبيعي نعته بالمزعوم، فلبنان يشهد إستقرارً كبيرًا لم يشهده منذ زمن وعلى مساحة الوطن من أقصاه إلى أقصاه وبنسبة تصل إلى 97 في المئة في حال إعتبرنا أن عرسال غير مستقرة أمنيًا وهي التي تُشكل 3 في المئة من مساحة لبنان (316 كم مربع). فالجيش يخوض معاركه في جرود عرسال وليس في عرسال المستقرة أمنيًا وتتواجد فيها القوى الأمنية بشكلٍ ثابت. أما في حال أردنا إعتبار عرسال غير مستقرة أمنيًا أو أي منطقة لبنانية أُخرى، فمن الممكن وضع صناديق إنتخاب على أطراف عرسال عند مداخل المدينة في غرف جاهزة يتم تركيبها لهذه الغاية ويكون عددها بعدد أقلام الإقتراع المحددة لمنطقة عرسال.

بلدية الغبيري

في التثقيف السياسي ودور الشباب اليوم الصاعد في البلديات 2016: يلفتني بشكل مستمر إهتمام الشباب أكثر بالحياة السياسية وإندفاعهم نحو التغيير، وهذا ما يتضح جليًا على مواقع التواصل الإجتماعي وكثرة الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى إرتفاع نسبة الخريجين اللبنانيين في الداخل ومن جامعات أوروبا. جميع هذه العوامل ستشكل تغيير كبير في الإنتخابات البلدية التي من المؤكد بأنها لم تعد معارك عائلية في أكثر من 80 في المئة من القرى اللبنانية التي سبق وأن شهدت تغييرات كبيرة على مستوى نوعية الشخصيات المرشحة لرئاسة البلدية. هذا الأمر ينقلنا خطوات كبيرة نحو تطبيق فعلي لحكم محلي مدني موجود حاليًا في آلية إنتخاب البلديات في لبنان، والتي تُعتبر الهيئة الوحيدة المنتخبة بدون إعتماد أي كوتا طائفية. وإذا أضفنا عدم إعتماد كوتا طائفية إلى إيصال نخبة جديدة إلى رئاسة المجالس البلدية في لبنان، نصل إلى حقبة جديدة هي المطلوبة لدخول لبنان نادي الدُوَل اللامركزية فعلًا وقولًا.

إقرأ أيضاً:لبنان يترقب خطاب نصرالله اليوم بعد اغتيال سمير القنطار

هذا على مستوى البلديات، أما ما قد يغفل عنه البعض فهو ما بعد البلديات، وهنا أعني الإتحادات المنبثقة عن تجمع البلديات في المناطق، والتي تُشكل مستوى جديد من اللامركزية أوسع جغرافيًا من البلديات، وله دوره في الإنماء والتنمية المحلية التي نحتاجها بإلحاح في لبنان اليوم. كما تستطيع إتحادات البلديات اليوم بأن تكون البديل المؤقت عن مجالس الإدارات المحلية اللامركزية، ريثما يتم إقرار قانون اللامركزية الموسعة الذي يُعتبرُ أيضًا حاجة أكثر إلحاحًا على مستوى الحكم المحلي المدني في لبنان.

تشكل هذه الأسباب النقاط الأساسية لكي نرفع شعار “البلديات حتمًا”، فالإنتخابات البلدية اليوم حاجة ملحة وضرورة أساسية للحفاظ على الديموقراطية في لبنان، وقيامها لا يجب النظر به للحظة واحدة لكي لا يُصبح عُرضة لحصول الإنتخابات أو إمكانية عدم حصولها يومًا من الأيام. من هنا على وزير الداخلية رفع تعميم لدعوة الهيئات الناخبة وإقراره قبل مدة الشهر الدستورية لإقرار الإنتخابات البلدية في أيار العام 2016 بدون أي تردد، وهو أمام موقف وطني للحفاظ على الديموقراطية التي لا يجب أن تصبح أبدًا خيارًا، بل هي ضرورة وحاجة مُلِحَة حتمًا.

السابق
التعذيب في سجون الأسد عود على بدء ‫‏
التالي
تركيا تلوح بورقتي أوكرانيا والقرم للرد على روسيا