هويتنا: خيار طوعيّ حُرّ

ندوة شؤون جنوبية صور
كتب وفيق هواري في مجلة "شؤون جنوبيية" عن تشكيل الهوية اللبنانية وهي "موضوع خلاف وانقسام حاد بين اللبنانيين منذ الإعلان عن تأسيس لبنان الكبير (1920). والمطلوب هو إطلاق نقاش صريح ربما يؤدي إلى رؤية مشتركة لأزمة هويتنا ويساهم في بلورة خيار لبناني عام حولها".

الانقسام حول الهوية

الخلاف حول الهوية مستمر منذ تأسيس الكيان، ويرتفع منسوبه عند كل مفصل تاريخي يشهده لبنان أو المنطقة، لكن السلطة السياسية اللبنانية القائمة على أساس المحاصصة اعتمدت نهجاً يقوم على التعمية والتكاذب وعلى عقد تسويات فوقية هشة تضليلية بين اجنحتها الطائفية، بديلاً عن طرحها لمشكلة بحاجة إلى خيار وطني عام طوعي وحر، مما يؤمن المناخات اللازمة والقادرة على مواجهة التطورات التي تعصف بالمنطقة.

اقرأ أيضاً: ما هي المعوقات العقائدية التي تمنع الشيعة من الإنخراط في الدولة الحديثة؟

لم يكن إعلان قيام دولة لبنان الكبير نتائج نضال حركة جماهيرية لبنانية موحدة، بقدر ما كان تنفيذاً لاتفاقية سايكس بيكو لتقاسم تركة الأمبراطورية العثمانية، وفي سياق هزيمة المشروع العربي بعد معركة ميسلون. ونتيجة تبلور تيار لبناني خصوصاً بين موارنة لبنان الذين رأوا فيه مشروعهم التاريخي.

فرُكب لبنان على شطرين أساسيين: الأول بأكثرية مسلمة تنظر إلى نفسها أنها عربية الانتماء ورفعت في حينه مطلب الوحدة السورية والثاني بأكثرية مسيحية رفعت مطلب لبنان الكبير دولة تعاد إليها الأقضية الأربعة التي سلخت منها عند إنشاء متصرفية جبل لبنان.

وقائع الانقسام

عام 1920، نشأ خلاف مسيحي – إسلامي حول وجود لبنان، وخصوصاً أن التواصل بين الشطرين، الذي حققه التطور الاجتماعي في حينه لم يكن قد وصل إلى درجة يمكن معها تأسيس دولة موحدة فعلاً تستند إلى قدر كاف من الوحدة، لذلك استمرت الغلبة لعناصر الفرقة والانقسام بين الشطرين في شأن الهوية طوال عهد الانتداب الفرنسي.

الاستقلال

حصل الاستقلال عام 1943 عندما توصل جناحا الطبقة السياسية إلى تسوية الميثاق الوطني غير المكتوب ونظرت إليه بصفته صيغة مثالية للعيش بينهما. لكن هذه التسوية لم تصمد طويلاً، عند صعود الناصرية في خمسينات القرن الماضي واندفاع شمعون للالتحاق بمشروع ايزنهاور وتحت تأثير الوحدة المصرية السورية، انفجرت تلك التسوية حرباً أهلية عام 1958، ودعمت دولة الوحدة في حينه الشطر الإسلامي وقدمت إليه السلاح في حين أعاد الإنزال الأميركي على الشاطئ اللبناني ميزان القوى الداخلي إلى توازنه.

انتهت المرحلة بتسوية “لا غالب ولا مغلوب” وهي تسوية تمت بين عبد الناصر والولايات المتحدة الأميركية وأعلنت التزامها بإحكام الميثاق الوطني، لكن لبنان انقسم مرة أخرى بعد هزيمة 1967 ودخول العامل الفدائي وصولاً إلى انفجار الحرب الأهلية عام 1975 وهي حرب جرى الإعداد لها في كل من الشطرين منذ عام 1968، وانفجرت عندما اصطدم مشروعان سياسيان انتحاريان ومستحيلان.

المشروع الأول: مشروع الشطر العروبي المتحالف مع المقاومة الفلسطينية والمستقوي بها في المعادلة الداخلية. المشروع الثاني: مشروع الكتائب اللبنانية ومحوره محاربة المقاومة الفلسطينية والاستعانة بنقيضها إسرائيل مع الترويج لمقولتي الشعب المسيحي والمجتمع المسيحي.

ومرة أخرى عام 1982، انقسم اللبنانيون في شأن الموقف من الاحتلال الإسرائيلي ولاحقاً في شأن الدور السوري بعد اتفاق الطائف.

اتفاق الطائف تضمن الإقرار بالانتماء العربي للبنان من جهة والإقرار أنه وطن حر ومستقل ونهائي لكنه لم يقدم حلاً حقيقياً لمسألة الهوية اللبنانية، ما قدمه هو لون آخر من ألوان التكاذب المتداول منذ تأسيس الكيان.

الجماعات اللبنانية

قبل الفتح الإسلامي عاشت في لبنان جماعات تعود جذورها إلى الكنعانية الآرامية والعربية، وبعد الفتح، جاءت قبائل عربية جديدة. الجماعات الثلاث احتلت كامل المساحة المعروفة ببلاد الشام وكانت هذه الجماعات تعرف بإسم المدن التي تسكنها: الصيدونيون، الصوريون أو بأسماء القبائل والأقوام أو الطوائف مثل: المعنيون، المردة، الجراجمة، وأن تسمية لبنان أطلقت للمرة الأولى على متصرفية جبل لبنان التي أسست عام 1861 – 1864.

هذه الجماعات عاشت في المنطقة آلاف السنين ولم تنجز تحولاً في تكونها الوطني لتكون شعباً واحداً، وأن عناصر الانقسام هي التي حكمت العلاقات فيما بينها، وهذا الانقسام له جذور تاريخية حركية تتعلق بأصول الجماعات من جهة وببناها الطائفية من جهة ثانية، لذلك يبدو أن نشأة الإمارة المعنية ليس سببه وجود شعب لبناني موحد بقدر ما كانت نتيجة عصبية قبلية قيسية عربية.

اقرأ أيضاً: الخيارات السياسية الاستراتيجية في ضوء إشكاليّة الهويّة (لبنان نموذجاً)

لذلك إذا أردنا التوصل إلى تسوية عقلانية وممكنة، فإنها تسوية تقوم على الاعتراف بأن الهوية خيار حر وطوعي تقرره إرادة جماعة بشرية ما لنفسها، تضع البلد في مسار تطور تاريخي تنقله نحو إنجاز التكون الوطني للبنانيين شعباً موحداً. مما يعني اعتماد صيغة نظام سياسي غير طائفي في لبنان، يحمل صيغة عروبة لبنانية ديموقراطية علمانية يقبل بها اللبنانيون كخيار حر وطوعي من جهة ودرجة استقلال نسبي يتوافق عليه اللبنانيون من جهة أخرى.

السابق
أليسا وهفوة زر بنطالها المفتوح… مع سانتا كلوز
التالي
للنساء فقط: تعرفوا على سبب سعادتكم… أو تعاستكم الزوجيّة!