المرأة الإيرانية بدأت بتحرير نفسها… ولم تنتظر وعود الإصلاحيين (4)

في الحلقة الرابعة والأخيرة من سلسلة مقالات خاصة برحلة المرأة الإيرانية نحو الحريّة، تعرض الكاتبة بادية فحص لاحتدام الصراع ووصوله الى الذروة بين المحافظين والاصلاحيين، حول اجراءات وعقوبات طالت النساء المخالفات لقانون فرض الحجاب

ففي الآونة الأخيرة (شهر نوفمبر الحالي) قررت الشرطة الإيرانية، بدون أي مقدمات أو إنذارات، البدء بحملة من نوع جديد ضد النساء غير المتلزمات بقواعد الحجاب المتعارف عليه في الجمهورية الإسلامية، تتضمن مصادرة سيارات النساء اللواتي لا يحكمن وضع حجابهن على رؤوسهن أثناء القيادة، وقد كلفت عناصر مدنية بمساعدة الشرطة بالقيام بهذه المهمة، وذلك تطبيقا للواجب الديني الذي يدعو إلى “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.

إقرأ أيضاً: المرأة الإيرانية بدأت بتحرير نفسها… ولم تنتظر وعود الإصلاحيين

وأكد قائد قوات الشرطة في الجمهورية الإسلامية العميد حسين أشتري أن “لعناصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلق الصلاحية في ملاحقة النساء اللواتي يخالفن قوانين الحجاب الصارمة في الجمهورية الإسلامية واحتجازهن وتسليمهن للجهات المختصة”. فيما أعلن قائد شرطة المرور فى طهران العميد تيمور حسيني”إذا لم تحكم سائقة السيارة وضع الحجاب أو إذا نزعته تماما، فإن سيارتها ستصادر وفقا للقانون، كما أن أي امرأة تصادر سيارتها ستحتاج إلى إذن من المحكمة لاستردادها”.

مشجعلات ايرانيات

وكما هي العادة ترافقت الحملة التأديبية الجديدة، مع حملة إعلانية ضخمة، أفسحت لها وسائل الإعلام الرسمية التي يسيطر عليها المحافظون حيزا كبيرا من الوقت والاهتمام، وانتشرت ملصقات إعلانية في شوارع طهران والمدن الرئيسية في البلاد، تشبه النساء المحجبات بقطع الشوكولا المغلفة، بينما شبهت السافرات بقطع الشوكولا المكشوفة التي يحوم حولها الذباب. في حين استرجع إعلام الحرس الثوري أدبيات الحرب العراقية – الإيرانية، بإحياء شعار اعتمد في ذلك الزمان، يخاطب فيه شهداء الحرب المرأة الإيرانية، بقولهم: “أختي…حجابك أكثر حمرة من دمي”.

إقرأ أيضاً: المرأة الإيرانية بدأت بتحرير نفسها… ولم تنتظر وعود الإصلاحيين (2)

قبل هذه الحملة أو تمهيدا لها على ما يبدو، كان المحافظون قد انتهزوا لحظة انشغال الإصلاحيين في ترتيب المفاوضات النووية، فقرروا أن يستعيدوا بعضا من حضورهم أو سطوتهم على الشارع الإيراني، بإعادة قضية الحجاب إلى المربع الأول، أي إلى زمن الثورة. فظهرت إلى العلن تصريحات تعترض على “سياسة التسامح” التي يعتمدها “بعض المسؤولين في الدولة” التي حولت شوارع العاصمة طهران إلى ما يشبه “صالونات عرض الأزياء”، كما أشار رئيس السلطة القضائية آية الله صادق لاريجاني. ما لبث اعتراض لاريجاني أن استتبع برسالة تحذير توجهت للرئيس روحاني من قبل 195 نائبا في مجلس الشورى تحذره شخصيا، من مساوئ “تغير زي النساء في إيران”، ومن عواقب وخيمة “سيواجهها المجتمع الإيراني بسبب الهجمة الثقافية الغربية التي تهدف إلى تغيير أسلوب حياة الإيرانيين”، خصوصا في ما يتعلق “بالحجاب والعفاف”، فيما طالبه نواب آخرون في كتاب آخر، بالتطبيق الفوري ل”قانون فرض الحجاب”.

ايرانيات

لكن روحاني انتقد معارضيه بشدة، ووصفهم بأنهم “يعتقدون أننا مازلنا نعيش في العصر الحجري”، مسترجعا روحية الشعارات التي أطلقها وقت حملته الانتخابية، عن عدم ربط “الحجاب بالعفاف وبالعكس”، مذكرا المتأسلمين أن الثورة شارك فيها “كثير من النساء غير المحجبات”.
لم يواجه الإصلاحيون هذا التصعيد “الطقوسي” المفتعل من قبل المحافظين بالمثل، فهم على يقين أنه لا هذا التيار ولا غيره، يستطيع الاطباق على الشارع الإيراني بكليته، لأنه ملك قوى اجتماعية متحررة، كما أثبتت التجارب منذ قيام الثورة حتى اليوم. وإذا كان المحافظون ما زالوا يحظون بتأييد شعبي في مناطق معينة من إيران ومن عاصمتها،، لا يعني ذلك بالضرورة أن لديهم الحق في فرض ما يرونه مناسبا على الفئات الأخرى والمناطق الأخرى. وإذا كانت مناطق جنوب طهران المحافظة مثلا، خالية من شرطة الآداب، فإن مناطق شمال طهران المنفتحة ملأى ب”الشعب”.

إقرأ أيضاً: المرأة الإيرانية بدأت بتحرير نفسها… ولم تنتظر وعود الإصلاحيين (3)
في الختام، رغم هذا الصخب المثار في قضية حجاب المرأة الإيرانية، إلا أنه لا يمكن اختزال المعركة بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران بثنائية السفور والحجاب، بالطبع لا، فالمسألة أعمق من مجرد مظهر، وأكثر تعقيدا من الالتزام بالقوانين في هذا الشأن. فالصراع بين الإصلاحيين والمحافظين هو صراع ما بين ثقافتين أو توجهين متناقضين على مختلف المستويات، صراع مازال في بداياته، ولا أحد بإمكانه أن يخمن أي الفريقين سيحالفه النصر في نهاية المطاف.
(انتهى)

السابق
لافروف يعلن انه سيلتقي نظيره التركي مولود جاوش اوغلو في بلغراد هذا الاسبوع
التالي
تعريف الثقافة السياسية