إيران عربياً وروسيا شيعياً

حقق اجتماع فيينا في شأن الأزمة السورية اختراقاً شكلياً. جمع مسؤولين سعوديين وايرانيين تحت سقف واحد في وقت عصيب. أظهر في المقابل جوهر الخلافات وعمقها بين اللاعبين الإقليميين، ليس فقط على مستقبل الرئيس بشار الأسد بل أيضاً على دور ايران في العالم العربي.
سعى مؤتمر فيينا الى معالجة البعد الإقليمي المتعدد الوجه في الحرب السورية. يظهر هذا المسعى الضروري شرخاً ذا وجهين: الأول سني – شيعي، والثاني عربي – فارسي. قد لا يجدي توجيه أصابع الإتهام الى من تسبب بهذا الوضع. يكفي الآن القول إن الدول العربية لم تكن في أحسن أحوالها حين تمكنت الجمهورية الإسلامية من الإستثمار سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً حيث أمكن في مشاعر الأقليات الشيعية – والأقليات الأخرى المنبثقة من المذهب الإمامي – في المنطقة. لم يكن التأهب على الطرف المقابل غريباً دفاعاً عن المكتسبات التاريخية للأكثرية الساحقة من أهل السنّة في المنطقة وأبعد منها بكثير.

روسيا ايران
هذا الشرخ لا يمكن أن يطغى على البعد الدولي للأزمة بين تحالف غربي – عربي واسع تقوده الولايات المتحدة من جهة، وتكتل آخر تقوده روسيا ويضم الصين من جهة أخرى. تجلى هذا الخلاف في استخدام روسيا – ومعها الصين – حق النقض، الفيتو، مرات عدة لتعطيل مشاريع قرارات غربية وأوروبية وعربية في مجلس الأمن. بيد أن هذه الخلافات الدولية العميقة لم تحل يوماً دون التواصل بين واشنطن وموسكو في إطار السعي الى تفاهم ما على طريقة لإنهاء الحرب المتواصلة بلا هوادة منذ أكثر من أربع سنوات ونصف سنة. ازدادت التعقيدات مع التدخل الروسي العسكري المباشر في الحرب. يحاول بعض الغرب أن يصوّر لأهل السنّة أن الكرملين يدافع، ضمن أمور أخرى، عن تحالف شيعي. كأن روسيا شيعية.
على رغم اتساع الحرب الدولية على الإرهابيين وجماعاتهم في سوريا خصوصاً، ترعرعت “الدولة الإسلامية” (داعش) والجماعات المتطرفة العنيفة وتوسعت سيطرتها وسطوتها. أفادت من هذه الخلافات دولياً واقليمياً. بل أن تدخّل القوى الدولية والإقليمية عسكرياً، وبأشكال مختلفة، أدى الى تسعير الحرب الأهلية. رفع أثمان وكلائها المحليين. لا يقلل هذان البعدان الإقليمي والدولي شأن “الإنفجار” الداخلي الذي حصل في سوريا عام ٢٠١١ بعد أكثر من ٤٠ سنة من حكم حزب البعث العربي الإشتراكي بقيادة الرئيس بشار الأسد. هو موضع الخلاف الرئيسي بين كل القوى، دولياً وإقليمياً ومحلياً.
إذا كانت مشاركة ايران و”حزب الله” في الحرب حالت دون إسقاط الأسد، فإن التدخل الروسي حتى الآن لم يؤد الى قلب الموازين على الأرض. بالنسبة الى السعودية، لا يمكن ترك ايران تحقق انتصاراً كهذا في قلب المنطقة العربية. كيف يمكن البلدين أن يتفاهما على مستقبل سوريا إذا لم يتفقا على مصير الأسد؟

(النهار)

السابق
سورية وعقاقير فيينا
التالي
ارسلان يترك الباب مفتوحًا.. فهل ستنتهي أزمة النفايات؟