إيران: متى الإنقلاب؟

علي خامنئي
سمة الكثير من الدول المعنية بالاتفاق النووي الإيراني هي السأم. مبعث السأم أن أحداً لم يعد يفهم شيئاً في سياسة جمهورية الملالي، ليس لعدم القدرة على التحليل، بل لانعدام عناصر التحليل في ظل سياسة إيرانية تقع موقع "التقية" أو الإزدواجية في محاكاة هواجس الأقربين والأبعدين في المجتمع الدولي.

مرشد “الثورة الإسلامية وفقيهها الولي” السيد علي خامنئي “غير راض بحال من الأحوال عن الاتفاق ويعتبر ان العديد من بنوده تشكل تهديداً على أمن إيران” على ما قال أحد مستشاريه رئيس تحرير صحيفة كيهان حسين شريعتمداري، علما ان خامنئي نفسه قال في خطبة عيد الفطر الماضي بأن “المصادقة على نص الاتفاق من عدمه لن يضر بالمبادىء الاساسية ” لجمهوريته والتي لم يحددها لا تعميماً ولا تخصيصاً.

وشريعتمداري أصدق انباءً من ابتسامة وزير خارجية بلاده محمد جواد ظريف التي يستظلها كلّما حط رحاله في مطار من مطارات الدول التي يجوبها للاستحصال على جواز فك العزلة عن بلاده التي لا قعر مرئيا لسياستها التدخلية في مختلف الدول أمنيا وعسكرياً وتحريضاً مذهبياً. ذلك ان رئيس تحرير صحيفة “كيهان” غالباً ما أفصح عن حقيقة السياسة الإيرانية في كل قضايا المنطقة بدءا من لبنان وصولا إلى أفغانستان مروراً بسائر الدول العربية خصوصاً في سوريا والعراق ومصر والمملكتين السعودية والبحرانية وسلطنة عُمان.

خامنئي لا يقول ولا يشرح هواجسه وهو يصف كل من لا يخضع لايران بـ “الاعداء”، وهي المفردة التي دأب الرئيس الايراني السابق الخارج من صفوف الحرس الثوري أحمدي نجاد على تكرارها في ولايتيه، من دون تحديد وبتهويم مقرر عن دراية جذرها في “التقية” التي تبيح التقلب في المواقف تبعاً للمصالح.

خامنئيو”المرشد” الذي يقول ان برنامجه النووي “سلمي” سبقه رئيس جمهوريته الشيخ حسن روحاني الى القول بأن بلاده تريد ان تحقق من خلال قوتها “السلام” في المنطقة، علماً ان الوقائع في مختلف الدول التي سلمت أمرها للعليّ القدير ولحذاقة اللواء قاسم سليماني انتهت الى حال إيران: الجيوش في إجازة والفعل والقرار للحوزات الدينية وللميليشيات المتناسلة من الباسيج والباسدران. هكذا ندرك معنى مصطلح “تغير الدول”، وخير دليل على ذلك ذهاب ابن خلدون الى تيمورلنك لشعوره بان الحضارة العربية ماتت، علما أنها انتهت فعليا منذ دخل هولاكو بغداد ولم يبق ولم يذر فيها من دون ان يجد غير المماليك متصدياً. والعرب قالت في ما مضى “الدولة تدول” أي تذوي وتزول. وعلى الأرجح نحن مقبلون على الامر عينه، في حال تراجع التحالف العربي ـ الإسلامي بقيادة السعودية عن التصدي للخطرين: الإيراني والداعشي.

بهذا المعنى يصبح الكلام الاميركي على تمييز بين المتشددين والاصلاحين ضرباً من الغباء، أو أقله مضحكاً، وليس أكثر منه استثارة للسخرية سوى عظامية تصريح ظريف عندما قال بأن السعودية معنية باسترضاء إيران لكونها دعمت الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يوم كان يتصدى للاجتياحات الايرانية العسكرية والامنية والثقافية والسياسية لمكونات الدول العربية، وكان المطلوب من المملكة آنذاك ان تسلم الأمن القومي العربي للموجات البشرية الانتحارية التي قادها “الحرس الثوري الايراني”.

في كلام خامنئي تصريحاً لا تلميحاً ان برنامج بلاده النووي ليس بغرض انتاج الطاقة بقدر ما هو من طبيعة عسكرية وامبراطورية، وإلا ما سبب الخوف من التفتيش على المنشآت؟ وألا تستحق بلاده المعزولة من سبعينيات القرن الماضي قبول مبدأ التفتيش لانعاش اقتصادها والانفتاح على الدول المجاورة التي ما بادلته عداءً بل تصدياً لاطماع ايران الفارسية التاريخية، خصوصاً ان سلفه الخميني لم يتذكر الصراع مع اسرائيل إلا عام 1986 بعد فشله في السيطرة على مناسك الحج في مكة المكرمة بدعوة “بدعة مسيرة البراءة من المشركين”، ليستدير بعدها ويعلن عن بدعة أخرى الا وهي اعلان “يوم الجمعة الاخير من شهر رمضان يوماً للقدس” ليتسلل من خلال هذا الشعار الى العالمين العربي والاسلامي وليكون يوما لاستعراض الميليشيات التي ما انفكت تتناسل في هذه الدولة وتلك.

عليه فان تبادل الادوار بين ابتسامات ظريف وبين تصريحات خامنئي ومستشاريه، ليس إلا خدعة أو على الأكثر تبايناً “لغوياً” تحت سقف أحلام “الامبراطورية الفارسية”، التي تستفيد من نوع من الفراغ العربي في ظل انهماك السعودية على مختلف المحاور وتراجع وانكفاء الدور المصري مصحوباً بتشظي العراق العربي وسقوط دمشق في يدي “الحرس الثوري ونديمه حزب الله“.

والدليل على ان هذا الشبح ليس وهماً، هو مضي جمهورية الخميني” حثيثاً في سياساتها من لبنان كمنبر تُعلن منه الخطوط الايرانية الحمراء وصولا الى حادثة منى في المملكة السعودية، مرورا بغزة وسوريا والعراق واليمن، ومن دون ان نغفل الاستثمار اليومي لحصاد صمود اللبنانيين في حرب تموز من العام 2006.

الاتفاق النووي الايراني

القضية أعقد من اتفاق نووي تشوبه الكثير من الالتباسات حول قدرة المجتمع الدولي على ضبط مشروع التسلح النووي الايراني. المسألة هي في القدرة الدولية على منع إيران من العبث باستقرار الدول العربية والاسلامية وافهامها انها لاعب من بين لاعبين وليست قطباً تتحلق حوله دول لتصبح غدارتها وسياساتها تُقرر في الحوزات. ولا شك ان ذلك مرتبط بالمعطى العربي وقدرته على التصدي انطلاقاً من واقع واضح مفاده: إيران تخوض صراعاً إمبراطورياً بلبوس طائفي مذهبي.

والحال هذه، فإن السؤال الجوهري: متى يكون الانقلاب الإيراني على الشرعية الدولية وعلى الاتفاق النووي ، خصوصا ان خامنئي قال بوضوح إن ” المصادقة على نص الاتفاق من عدمه لن يضر بالمبادىء الاساسية للجمهورية الاسلامية”؟ وهذا سؤال يحتاج الى مقاربة من نوع خاص، وشديدة الصلة بالوقائع السياسية والامنية والعسكرية في كافة الدول التي صارت على وجه من الوجوه “إيرانية الهوى”.

كل هذا وفي البال، أن حيدر مصلحي وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد قال ذات مرة إن “إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية” وسبقه إلى إعلان أكثر فجاجة الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني عبر وكالة “مهر الايرانية للانباء” إن “المسؤولين في إيران لم يكونوا يتوقعون هذا الانتشار السريع لـ(الثورة الإسلامية) خارج الحدود لتمتد من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان”.

السابق
عندما تتواجه السعودية وروسيا.. أي حروب في الأفق؟
التالي
محاضرة عن سرطان الثدي في برقايل عكار