كان غير شكل الزيتون.. موسما للعمالة النسائية مجددا

تتمنى "ف. ر. شحادة" لو أنها تملك كروما من الزيتون لتجني ثمارها لوحدها، فهي المرأة الفقيرة التي تنتظر كل عام نهاية شهر أيلول لتعمل في القطاف، وتجنيّ بدل المال تنكة زيت أو "مدّ" زيتون. والمدّ لمن لا يعرف هو عبارة عن 12 كيلو زيتون.

انطلق موسم الزيتون هذا العام باكرا، أي قبيل هطول مطر تشرين الذي يعوّل عليه المزارعون قبل القطاف. وربما يستعجل هؤلاء الملاّكون موسم الحصاد لأن الصيف “شفط ما شفط” بحرارته من لون وزرقة الحبيبات الخضراء.

تستيقظ (هـ.ح) عند صلاة الفجر تصلي وتلبس فستانها القطنيّ القصير مع بنطلون واسع، وتنتظر سائق الكميون الذي سيقلّها وزميلتها الى خارج البلدة حيث كروم الزيتون.

خلال سيرها مع العاملات تلمح من بعيد عددا من النسوة يسرن مشيّا على الأقدام، وهي كزدورة جميلة صباحا..منهن الأرملة ومنهن الفقيرة ومنهن الصبيّة التي لا مهنة لها، تنتظر المواسم لتعمل، ومنهن المشرفة على العاملات.

ما ان يصلن الى المكان المقصود حتى تخبّئ كل منهن صرّتها في مكان بعيد عن الحرّ، والصرّة هي عبارة عن كيس قماش يضم خبزا وزيتونا وعلبة مربى وقنينة مياه وعلبة دخان وحبة بندورة وخيارة.

يبدأ العمل بحديث عشوائي تنطق به واحدة منهن، ويدور لمدة نصف ساعة تقريبا، الى ان يشعرن بتأفف المشرفة على الكرم فيصمتن كالتلاميذ في الصف الإبتدائي.

كل يوم وعلى مدى شهر تقريبا تنشط هدى في قطف الزيتون الذي يتنّوع بين البدل المالي للعاملات أو حصة من الزيتون أو الزيت بعد نقله الى المعصرة.

ويحتسب لهدى عن كل يوم عمل 25 ألف ليرة، وكل يوم عمل يبدأ من السابعة صباحا وحتى وقت صلاة الظهر، حيث تعود النساء الى منازلهن ليبدأ نهارهن من جديد في الأعمال المنزلية المتراكمة، التي لا ترحم العجوز حتى.

علما أنه في بعض القرى في محيط صيدا كبنعفول وحومين تتقاضى العاملة اليومية 40 ألف يوميا. فما السرّ في الفرق في اليومية بين قرية وقرية.

يفسرّها البعض بأن ذلك عائد الى قلة اليد العاملة، ففي القرى الحدودية يضمن أهالي دير ميماس كروم الطيري بأكملها، ويشتهر أهالي دير ميماس بزراعة الزيتون جرّاء هذا التقليد السنوي.

تقول هدى انه “مسموح لنا تناول الفطور الذي نجلبه معنا كل يوم بعد أن نكون قد أحتسينا القهوة في المنزل. ولا يسمح لنا بالتوقف للراحة بعد ذلك”.

ويطلب صاحب الكرم ان تتمتع العاملات الموسميّات بالقوة والنشاط حيث يجب على الخفيفة منهن والاصغر سنا أن تتسلق الشجرة، والتعامل مع أغصانها الشامخة نحو الأعلى برقة وحنان.

كما لا يُسمح للعاملات بالتشاجر والتناحر والا فمصيرهن الطرد، اضافة الى السمعة السيئة بين العمال فلا يطلبها أحد في الموسم القادم لأنها(مشكلجيّة)، او تقوم بتضييع الوقت، ويمنع التدخين، واستعمال الواتسآب، ويُسمح التحدث عبر الهاتف للمكالمات الطارئة فقط.

كما يفرض المشرف أو المشرفة على العمال عدم “إستغابة” أحد، وخاصة ان معظمهن من أبناء القرية الواحدة، الا ما ندر ممن يستعين بالعمال السوريين في قطاف الزيتون بسبب الكروم الكبيرة جدا التي يملكها خاصة في الأماكن البعيدة عن حدود القرية.

ففي البلدات الحدودية الجنوبية كمدينة بنت جبيل يكثر العمال السوريين الذين يعملون في الأرض بعد أن يضمنوها، وهم المنتشرون بكثرة هناك على عكس قرى الساحل التي لا تتكلّ على الزيتون في زراعاتها.

علما انه في بعض القرى في محيط صيدا تتقاضى العاملة اليومية 40 ألف ليرة يوميا. فما السرّ في الفرق في اليومية بين قرية وقرية.

يفسرّها البعض بأن ذلك عائد الى قلة اليد العاملة، ففي القرى الحدودية يضمن أهالي دير ميماس مثلا كروم الطيري بأكملها، ويشتهر أهالي دير ميماس بزراعة الزيتون جرّاء هذا التقليد السنوي.

وفي بعض القرى الساحليّة كدير قانون النهر في قضاء صور إعتمد الأهالي في قطف الزيتون على آلات حديثة الا ان المفارقة أن هذه الآلات تحتاج الى مساحة لتُركن فيها. ومن المعروف ان المُزارع الجنوبي لم يترك مساحة إلا ويستغلها في أرضه، طمعا بمزيد من الإنتاج”.

“وكان لقطف الزيتون قديما نكهته الخاصة حيث يروي أجدادنا انه كانت تنطلق الرديّات بين الشاب والصبية خلال القطاف مما يجعل العمل في الحرّ منعشا”.

وما يجعل ذكرى الزيتون جميلا لدى الصغار ان بعض الفتية، وبُعيد الإنتهاء من الفروض المدرسيّة كانوا يذهبون الى لمّ ما بقيّ من حبّات الزيتون النائمة بين التراب فيجمعونها ويعودون بها الى المنزل فرحين بالحصاد المجانيّ وهو ما يسمى بـ”البعورة”، ربما ربطا بكلمة البعير التي تلمّ ما يبقى على الأرض من فتات الطعام.

وغالبا ما كان الفتية يتفاجأون بمالك الأرض المخيف شكلا والذي يبدو كالاقطاعي يحمل عصا غليظا ويقف حارسا لها من هؤلاء “البعويرة”.

ويقول الحاج (أبو علي حمدان) ان الموسم هذا العام وافر على العكس من العام الماضي. وهو الذي “يشحّل” الشجرات ويسقيها ويشتري الأسمدة والاتربة، ويعشّب الارض، إلا ان ما يدفعه من تكاليف للعمال وإيجار نقل وعصر يجعل الربح قليلا. لكنه يصرّ على العمل كل عام بالكرم الذي يضم 3 “جلالي”، فهو ورثة عن أبيه، عن جده، وهو سيّورثها لأبنائه من بعده”.

السابق
سليمان: أنا لم أوزِّر أولادي وأصهرتي
التالي
الجنرال يحتفل في ذكرى هزيمته