هل يكون بعد الأضحى غير ما قبله فتستيقظ ضمائر المعطّلين وينتخبوا رئيساً؟

هل يكون لبنان بعد عيد الاضحى غير ما قبله فيصبح نظيفاً من النفايات البشرية والنفايات السياسية ويكون له رئيس مقبول من كل القوى الاساسية فتستيقظ الضمائر بعد مرور سنة ونصف سنة تقريباً على الشغور في سدة الرئاسة لتضحي من أجل لبنان ولا تضحي به؟

يقول سياسي مخضرم يراقب ما يجري بحزن وألم، إنها المرة الاولى في تاريخ لبنان ما بعد الاستقلال تبقى فيه رئاسة الجمهورية شاغرة مدة سنة وستة أشهر حتى الآن لأن نواباً تعمّدوا مخالفة الدستور بتغيبهم عن جلسات الانتخاب من دون عذر شرعي. فلو أن من كانوا قبلهم فعلوا مثلهم لما انتخب رئيس للبنان في كثير من المرات، اذ كان في استطاعة الاكثرية النيابية التي كانت موالية للرئيس الشيخ بشارة الخوري ان تعطل نصاب الجلسة للحؤول دون انتخاب كميل شمعون رئيساً للجمهورية، وكان في امكان كتلة نواب الرئيس شمعون تعطيل النصاب للحؤول دون انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية. وكان في امكان اركان “الحلف الثلاثي” (شمعون – الجميل – اده) وهم يمثلون 80 في المئة من المسيحيين ان يقولوا للشريك المسلم إما ان تنتخبوا واحداً منا للرئاسة او لا يكون انتخاب كما يفعل نواب “حزب الله” ونواب العماد ميشال عون اليوم بدعوى انهم يريدون رئيساً قوياً هو العماد عون من دون سواه، وإلا فلن يكون رئيس، وهو ما حصل فعلا إذ ان لبنان لا يزال بلا رئيس اطول مدة في تاريخه.
لقد نص الدستور صراحة على ان رئيس الجمهورية ينتخبه مجلس النواب فوراً قبل أي أمر آخر، وفي حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية بدون ابطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الاعمال الانتخابية. وهذا معناه ان المشترع أعطى الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية، حتى اذا كان مجلس النواب منحلاً اجريت انتخابات كي ينتخب المجلس المنبثق منها فوراً رئيساً للبلاد. لكن النواب الذين عطلوا ولا زالوا يعطلون جلسات انتخاب الرئيس خالفوا الدستور بتغيبهم عن هذه الجلسات وجعلوا من ذلك سابقة يعتمدها كل من لا يعجبه مرشح، وخالفوه أيضاً باقتراح آليات لم ينص عليها الدستور مثل اجراء استفتاء شعبي او انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، أو اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية، وهي انتخابات لا تجرى بموجب الدستور إلا اذا “اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلا”، وهي حالة لا تنطبق على مجلس النواب الحالي وهو غير منحل بل ممدد له، ولطالما انتخبت مجالس نيابية ممدد لها رؤساء ومنحت ثقة لحكومات وشرّعت قوانين.
لذلك من المستغرب جداً أن يتساءل العماد عون عن المادة التي تنص على اجراء انتخابات رئاسية قبل النيابية وفي تكتله محامون كان عليهم ان يلفتوه الى هذا الخطأ إلا إذا كان يريد اثارة جدل عقيم اضاعة للوقت، وهو ما فعله بطرح اقتراحات مخالفة للدستور مثل اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية، معتبراً وحده أن مجلس النواب هو بمثابة المنحل في نظره بعد التمديد له والقول إنه قانوني لكنه غير شرعي. فلو انه اعتُبر منحلاً فعلاً لما كان له حق التشريع ولاسيما حق المصادقة على مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية.
الواقع ان لا حل لأزمة الانتخابات الرئاسية إلا بأحد أمرين: إما الاتفاق على مرشح توافقي من خارج 8 و14 آذار بحيث يصبح قوياً عندما تؤيده القوى السياسية الاساسية في البلاد ويحظى بأصوات الاكثرية النيابية الواسعة، وهو ما لا يستطيع أي مرشح من 8 أو 14 آذار الحصول عليها كي يعتبر قوياً، ولا يستطيع تأمين نصاب الثلثين لجلسة الانتخاب. فعسى أن تكون مباشرة اقطاب الحوار البحث في مواصفات هذا المرشح وصفاته خطوة أولى على طريق الخروج من الازمة الرئاسية. وإذا لم يتوصل الاقطاب الى اتفاق عليه، فليكن اتفاقهم على حضور جلسة تنتخب فيها الاكثرية النيابية المطلوبة من تشاء من بين مرشحين معلنين وغير معلنين وفقاً للدستور. أما الامر الآخر فيكون بالاتفاق على انتخاب رئيس مرحلي لمدة سنة أو أكثر يتم خلالها اجراء انتخابات نيابية على اساس قانون عادل ومتوازن، وينتخب مجلس النواب المنبثق منها ويكون ممثلاً لشتى فئات الشعب وأجياله رئيساً جديداً لمدة ست سنوات، ولا يكون على انتخابه غبار أو شبهة لأن المجلس الذي انتخبه يمثل ارادة الشعب تمثيلاً صحيحاً. فلا حاجة إذاً لاضاعة الوقت بطرح افكار مخالفة للدستور ولا تخرج لبنان من أزمة الانتخابات الرئاسية، انما الحاجة هي الى قادة يضحون من اجل لبنان ومن اجل شعبه العظيم… ولا يضحون به.

(النهار)

السابق
الطقس غدا غائم مع تساقط امطار خفيفة ورياح وانخفاض في الحرارة
التالي
أهالي الفنار قطعوا الطريق المؤدي إلى مكب للنفايات