«حزب الله» عاجز أمام آخر «كلم مربع» في الزبداني.. ما أسباب الصمود؟

منذ 77 يوماً، بدأ “حزب الله” معركته في #الزبداني. أكثر من 1500 برميل متفجر سقط في هذه البقعة الصغيرة. مئات الصواريخ والقذائف، ساعدت الحزب في التقدم والسيطر على أجزاء كبيرة من المدينة ودفع مقابل ذلك عدداً كبيراً من القتلى. الأبنية لامست الأرض وانقطعت كل سبل الحياة عن المدينة، إلى أن باتت “منطقة منكوبة” بكل المعايير.

روّج إعلام #حزب_الله للانتصار، لكن الرأي العام المتابع للمعركة لم يقتنع، خصوصاً في ظل مواصلة الاشتباكات هناك عند كل المحاور، خصوصاً في محيط كلم مربع واحد، حوصر فيه مقاتلو المعارضة السورية، ويعجز “حزب الله” عن دخوله خوفاً من الثمن الباهظ الذي سيدفعه مقابل الاقتراب من هذه المنطقة، خصوصاً أن فصائل معارضة أخرى تحاول تشتيت قوة الحزب بشن عمليا عسكرية على مواقعه في الجبل الشرقي المشرف على الزبداني.

التسويات لم تنفع، وأضرت صورة #النظام_السوري، خصوصاً عندما جلست إيران مكانه على الطاولة. أما عسكرياً فوصل “حزب الله” إلى مرحلة مشابهة لنهاية معركة جرود #القلمون، حيث سيطر على الأراضي لكنه لم يستطع أن يطرد مقاتلي #جيش_الفتح من هناك وتمركزوا أخيراً في جرود عرسال وأطراف جرود فليطا وانتهت المعركة عند هذا الحد. ويسيطر حالياً النظام على حي الهدى والحارة الغربية وقلعة الزهراء والسهل وشارع بردى في الزبداني، أما وسط البلد فلا يزال في قبضة المعارضة، وبحسب الناشط السوري ابن الزبداني علاء التيناوي فإن المعارك لا تزال مستمرة على كل المحاور، “وشن مقاتلو المعارضة الأربعاء هجوماً مباغتاً على قوات حزب الله في محور العضيمة وتمكنوا من قتل عدد منهم و تحرير ثلاثة أبنية في العضيمة كان قد احتلها حزب الله وتم غنم أسلحه خفيفة ومتوسطة”، وكشف عن “تمكن المقاتلين من إسقاط طائرة إستطلاع لحزب الله”.
في المقابل ردّ النظام كعادته بسلاح الجو واستهدف “وسط الزبداني بأكثر من 18 برميل متفجّر تحوي على مادة النابالم المحرمة دولياً وهي تولد صوت إنفجار خفيف لكنها تتسبب بحرائق هائلة، كما قصف المدينة بأكثر من 30 صاروخ أرض- أرض ومئات قذائف المدفعية والهاون”، وفق التيناوي الذي أكد “سقوط 14 قتيلاً للحزب الأربعاء في معارك العضيمة”.

مضايا وبقين
وإلى جانب هذه المدينة المنكوبة، تعيش منطقتا مضايا وبقين أسوأ أيام الحصار الخانق الذي يفرضه “حزب الله” والنظام، حيث يفتقد المدنيون هناك لأدنى المتطلبات الحياتية اليومية، وتتعرض يومياً لقصف مدفعي وصاروخي وعمليات قنص، ويلفت التيناوي إلى أن “قوات النظام قامت بسحب حاجز قوس بقين وأزالته في شكل كامل ووجدت داخله مواد غذائية وكميات كبيرة من حليب الأطفال”.

ويشير إلى أن “مضايا تحوي أكثر من 40 الف نسمة، وفي ظل الحصار الخانق وصلت اسعار المواد الغذائية إن وجدت إلى كيلو الرز 1500 ليرة سورية (6.8 دولار)، السكر 1500 ل س، الطحين 1700 ل س (7.7 دولار)، التونة 600 ل س للعلبة (2.7 دولار)، السردين سردين 500 ل س للعلبة (2.2 دولار)، كيلو معكرونه 1500 ل س.”.
استطاعت المعارضة أن تثبت وجودها في الجبل الشرقي، حيث قامت فصائل (أحرار الشام – لواء القادسية – جبهة النصرة – تحرير الشام ) بالهجوم على مواقع الحزب هناك وتحرير حاجز كرم العلالي، وتحدث التيناوي عن “مقتل 18 عنصرا للحزب في هذه العملية فقط و12 للنظام”.

 

تنظيف بعد الحسم؟
بالنسبة إلى “حزب الله”، فإن مرحلة الحسم انتهت منذ نحو شهر تقريباً، ويوضح العميد المتقاعد أمين حطيط لـ”النهار” أن “مصطلح الحسم بالمفهوم العسكري يعني قدرة الجهة على السيطرة الكلية على العدو ووضع الهدف في مكان لا يمكنه فيه اعادة المعركة إلى الوراء، وهذا الحسم حصل في الزبداني منذ شهر وفقدت حينها المدينة صفتها كقاعدة رئيسية للارهاببيين في المنطقة ما يعني حسم أمرها”.

ووفق حطيط يخوض “حزب الله” اليوم عملية “التطهير والانجاز الكلي”، أو التنظيف “وهي تأتي بعد الحسم وتكون خاضعة لاستراتيجيتين: إما التنظيف الصاخب والسريع ويستوجب زج قدرات كبيرة في الميدان مع تقبل فكرة تحمل خسائر مرتفعة، أو القضم المتدرج والعمل البطيء ويستلزم قوة أقل ويؤدي إلى خفض سقف الخسائر”، مضيفاً: “في الزبداني فإن عملية تنظيم هدف يتمركز فيه بين 1200 و1400 مسلح وفق الاستراتيجية الأولى يعني أن على القوة المهاجمة تقبل فكرة سقوط ألف قتيل، وهذا لم تعتمده بل اعتمدت الاستراتيجية الثانية وهي القضم المتدرج والتنظيف البطيء، وهذا ما أدى إلى تآكل المسلحين وتضييق الخناق عليهم وخفض مستوى الخسائر إلى أقل من العشر”.

لا حسم في الزبداني
أما العميد المتقاعد نزار عبد القادر، فيرى أن الحزب لم يحسم. وتوقع منذ بداية الهجوم على الزبداني أن تكون المعركة “طويلة وقاسية ويترتب منها خسائر عالية جداً في الأرواح والذخائر، خصوصا ً ان المدافعين من أهالي المدينة يعرفون مدينتهم ومتمسكون بها لأن لا مكان آخر يذهبون إليه وسيدافعون عنها حتى الرمق الاخير”.

ويقول: “كان على حزب الله أن يدرك أن هذه المعركة لا بد أن تكون صورة عن المعركة التي خاضها الجيش اللبناني في نهر البارد ضد “فتح الاسلام”، عام 2007، حينها استنفد الجيش كل طاقاته من الذخائر وكان الثمن خسائراً باهظة في الارواح (أكثر من 172 شهيد) وأكثر من 600 جريح”.

 

“حزب الله” وآخر كلم مربع
الاعلام الحربي لـ”حزب الله” يتحدث عن أن مقاتلي المعارضة باتوا محاصرين في كلم واحد في وسط المدينة، ويؤكد عبد القادر أن “هذه البقعة في حال اقتحامها حزب الله سيدفع الخسائر بحجم كل الخسائر التي وقعت خلال 77 يوماً”، ولهذا يعتبر العميد المتقاعد ان “حزب الله سيحاول أن يجدّ العذر لعدم قدرته على الحسم طيلة هذه الفترة، خصوصاً في ظل الطاقات النارية الهائلة التي استخدمها النظام سواء من الجو أو المدفعيات، وعلى الرغم من ذلك بقيت الروح القتالية عالية من المدافعين وبدأوا ينفذون عمليات محدودة من أجل اثبات ارادتهم في المقاومة ومعنوياتهم العالية في الاستمرار في المعركة”.

بالنسبة إلى عبد القادر “حزب الله لم يحسم عسكرياً. فالمدينة محاصرة ووضعها صعب لكنه لم يستطع أن ينظفها من المدافعين عنها وهذا يذكرنا ايضا بالكلام عن حسم وتنظيف جبال القلمون، ولاحظنا أنه عندما وصل حزب الله إلى المعركة القاسية بين فليطا وجرود عرسال، رأيناه يدور على نفسه ويعود إلى معركة الزبداني، لانه ادرك ان المرحلة الاخيرة ستكون خاسرة وليس جاهزا لدفع الاثمان الباهظة، وليس لديه حجم القوات اللازمة لحسمها بخسائر مقبولة”، يضيف: “اليوم أيضا يحجم حزب الله عن آخر كلم مربع في الزبداني (وفقا لاعلامه الحربي) وأرجح ذلك لأن الخسائر بدأت ان تكون عالية وتؤثر على قاعدة حزب الله والروح المعنوية لمقاتليه”.

 

من 33 إلى كلم مربع واحد
من جهته، يذكّر حطيط بأن “أضلاع الزبداني منذ ثلاث أشهر كانت (6 * 5 كلم مربع) ما يعني أن المسلحين كانوا ينتشرون ضمن مساحة 30 كلم مربع واليوم بقي لهم أقل من من كلم مربع واحد”، مشيراً إلى أن “جديد العمليات هناك أنه تم العزل فوق الارض وتحتها، لأن في النهاية استخدم المسلحون “المجارير” وتم اقفالها بالامس، واليوم هناك نحو 250 مقاتل فقط يقاتلون”.
أما عن النعوات اليومية التي يصدرها “حزب الله”، فيوضح حطيط أن “ليس كل المقاتلين من الزبداني”، معتبراً أن “معركة الزبداني لم تعد تصلح لاستخدامها ضمن الاخبار لانها انتهت عسكريا وتحولت إلى عملية تنظيف بطيء كمن يبحث عن ابرة في قش، وخرجت المدينة من خريطة المعارضة العسكرية”.
أسباب الصمود
ووفق عبد القادر فإن الزبداني استطاعت أن تصمد 77 يوماً، لاسباب عدة منها أن “القتال يدور في مدينة ومع أهلها وهم أدرى بشعابها من حزب الله والنظام، والناس في الداخل محاصرين منذ بداية الثورة السورية أي منذ 4 سنوات ويقومون بتحصين مدينتهم لأنهم كانوا يدركون أنه المعركة ستقع هناك، ومن الاسباب أيضا توافر سبل تأمين الذخائر والاسلاحة والمواد الاخرى التي يحتاجونها”، مذكراً بأن “القتال في الشوارع هو من اصعب انواع القتال وبالرغم من القوة النارية التي استخدمها النظام وحزب الله يبدو أن التحصينات والممرات المخفية والانتقال من جهة إلى أخرى، قد ساعد على اطالة فترة الحرب وعلى تكوين هذه الحالة من الصمود”.

(النهار)

السابق
لا داعي للقلق من «عسكر بوتين» في سوريا؟
التالي
مأزق العنف ضد الحراك