وحيد البلعوس: بزوغ قائد لم يكمل المسيرة

وحيد البلعوس

لم يشهد جبل العرب منذ رحيل قائد الثروة العربية الكبرى سلطان باشا الأطرش طيَّب الله ثراه بروز أي شخصية سورية من الجبل بإمكانها أن تملأ بعض من الفراغ الذي تركه رحيله بعد أن ذاع صيطه في المشرق العربي بأسره ودخل تاريخ الأمة كأحد الشخصيات الأبرز في القرن المنصرم.

إقرأ أيضاً: دروز سوريا يعيشون خطراً وجودياً يقلق دروز لبنا ن وفلسطين والأردن

هذا لأن الظروف الموضوعية الداخلية والخارجية المرتبطة بالوطن السوري لم تدع فرصةً سانحةً لأي قيادةٍ شابةٍ بالتشكُّل والبروز والنمو ؛ فبوجود الحزب الواحد والصوت الواحد والقائد الأبدي ، لا مجال للمجتمعات بأن تخلق شخصياتها من نبض الشارع والجماعة بل فقط من ضمن الحزب والعسكر وأذرع النظام.

مع إنطلاق الثورة السورية والتي تحوّلت شيئاً فشيئاً الى حرب مذهبية وإقليمية ضروس ، بدأت المناطق في الوطن السوري المترامي الأطراف تواجه التحديات والدمار وشبح التفكك عن الدولة الأم. وَجَدَ الموحدون الدروز أنفسهم في قلب معركة مذهبية مُدَمّرة يريد كلا الفريقين المتخاصمين زجهم فيها. حاول عقلاء الجبل تجنيب منطقتهم نار الفتنة وإبعاد شبح الحرب الأهلية عن قراهم من منطلق عدم إيمانهم بجدوى الصراع وحرصهم الصادق على إنتمائهم القومي قبل الديني وبالتالي حرصهم في الحفاظ على الدولة السورية والكيان.

إنقسمت الطائفة الدرزية التي تعتبر من الأقليات الطائفية في سوريا بين مؤيّد للنظام ومؤيّد للثورة مع رجحان كفة المؤيدين للنظام والداعين للبقاء ضمن تركيبته وتحت جناحه خاصةً مع بروز الإرتكابات الوحشية والجرائم من قبل كل من تنظيميّ داعش والنصرة ولا سيما المتعلقة بالأقلية الدرزية المتواجدة في جبل السماق وإقدام النصرة على إرتكاب مجزرة بحقهم هناك.

في ظل توسّع المعارك وبلوغها حدود جبل العرب بعد سقوط تدمر وإزدياد شراسة المعارك التي بدأت تهدِّد الجبل ، إرتفعت الأصوات في الجبل بضرورة حماية المنطقة وبدأت الدعوات الى أبناء المنطقة المتواجدين في الجيش والذي يقاتلون في مناطق بعيدة بضرورة العودة الى منطقتهم لحماية أهلهم لأن ذلك أبدى من الإستشهاد في المناطق البعيدة الأخرى ؛ أول المطالبين والداعين الى ذلك كان الشيخ وحيد بلعوس الذي بدأ يظهر إسمه حينها بعدما وجّه الدعوة الى شباب الجبل لعدم الإلتحاق بالجيش والعودة الى ديارهم لحمايتها وقد شكل أيضاً فريقاً من المشايخ أسماه ” مشايخ الكرامة ” مهمته صون وحدة الجبل وحمايته.

لم يأتِ الشيخ الشهيد وحيد البلعوس من بيت سياسي له زعامة تاريخية في الجبل ، وإنما أتى من عامة الشعب ؛ لكنه كان يتمتع بشخصية القيادة الذي يحتاجها الجبل في هذه المرحلة اي بكريزما مميزة تخوّله أن يكون بموقع ثقة عند المشايخ والشباب المتحمّسين للذود عن مناطقهم تجاه أي عدو يدنّس أرض الجبل. رفع شعار سلطان باشا الأطرش ” الدين لله والوطن للجميع ”
و شعار ” يا منبقى بكرامة فوق الأرض ، أو بكرامة تحت الأرض” ، و ” حملة الله ، لصون الأرض والعرض والدين “.

بدأ نجمه يزداد أكثر فأكثر مع إعلانه بإسم الجماعة أن الدروز ليسوا موالين ولا معارضين بل وطنيين عروبيين وسوريا الوطن أمهم ، وكذلك عبر تصدّيه للتجاوزات والمضايقات من قبل بعض القوى الأمنية التابعة للنظام والمتواجدة في محافظة السويداء تجاه الأهالي وإنتشار الفساد وشح المواد التموينية الضرورية والنفط وكلها سِلَع من واجب الدولة تأمينها للناس من أجل صمودهم ( ذكر في عدة لقاءات المافيات الأمنية التي تتاجر بالمازوت وتحرم الأهالي منه وغير ذلك من التجاوزات التي تمس كرامه الناس ).

وحيد البلعوس

رفع الصوت عالياً متجاوزاً بعض الخطوط الحمر حين وجه إنتقادات لاذعة جداً وعالية النبرة الى الرئيس الأسد والقيادة الأمنية في السويداء وكذلك إنتقد العلويين وإشترط بقاء ولاء أهل الجبل للدولة اذا تم إصلاح بعض الأمور ووقف التجاوزات والتعدي والتضييق على الأهالي.

توعَّد أيضاً بمحاربة النصرة وداعش في حال حاولوا التعدي على جبل العرب او جبل الدروز.

إستطاع الشهيد الشيخ وحيد البلعوس بشجاعته وقوة خطابه ونظافة كفه ونزاهته أن يلاقي الكثير من التأييد داخل صفوف المشايخ والشباب والأهالي. صار الوجه القيادي الأبرز في الجبل وإلتفَّت حوله العامة لا سيما الشباب المسلحين من مشايخ وأهالي فشكل فرقة عسكرية قوية إستطاعت في عدة مواجهات حماية منطقة الجبل بشكلٍ عام.

حين بدأت الناس تلتف حوله وتشبهه بسلطان باشا الأطرش وذلك نظراً لمسيرته على خطى القائد السلطان وإعلانه أنه يستوحي مبادىء حركته “شيوخ الكرامة ” من تاريخ ومنهج القائد سلطان باشا الأطرش ، قتلوه… ممنوع بروز قيادة غير تقليدية ، ممنوع تجاوز المحرمات. تكفّلت الهيئات الروحية التابعة للسلطة بإبعاده من الدين أولاً محاولين تحجيمه وتقليم أظافره ورفع الغطاء عنه اي تحليل دمه…

قُتِلَ بو فهد الشيخ وحيد البلعوس ، من القاتل يغدو أساسياً وتفصيلاً في آن ، لكن المهم انه سقط بطلاً قائداً ، عروبياً وطنياً بإمتياز ، شخصية إختارت الكرامة درب حياة حتى الشهادة ؛ سقط مارداً في عصر الحروب العبثية وحقبة الأقزام والمجرمين. إستشهد الفهد أبو فهد برفقة رفيق دربه الشيخ البطل المغوار الشهيد الشيخ فادي نعيم الذي يحاكي بطلَّته أبطال الحكايات وحارات بلاد الشام الأصيلة.

لعلها رسالة دموية مجرمة لمن تجرأ أن يُعيد الى جبل العرب موقعه وعزّته ويجعل واقعه ينسجم مع أمجاده التاريخية التي خطها سلطان باشا الأطرش.

كما درجنا على القول حين يموت الأبطال بيد الغدارين المجرمين الجبناء ، بعبوة ناسفة أو رصاصة في الظهر ، خافوه فقتلوه.

في المحصلة قُتِلَ الشيخ وحيد البلعوس في محاولة فاشلة لإسكات صوت الكرامة ؛ الرسالة وصلت ، من غير المسموح بروز قائد على طرازه في عصر الإجرام والإستبداد ؛ الظلم كسب جولة ولكن النصر في النهاية للحق ، لا محالة…

الرحمة له وللشهداء الأبرار ، والنصر لسوريا ولجبل العرب ولأهل التوحيد ، بني معروف سيوف الإسلام وحماة الثغور ، والنصر الكبير وقبل كل شيء للعروبة الحقيقية الصافية…

من قتل الشيخ وحيد مجهولاً معروفاً ؛ لا ضرورة لتحقيق ومحكمة محلية أو دولية وإعترافات ؛ يكفي أن تسمع خطابات الشيخ على ال “يو توب” فيأتيك الجواب على لسانه وفي مضمون حديثه شخصياً.

رحم الله الشهداء وحمى سوريا الأرض والشعب والوطن…

السابق
أقصر إنسان في العالم في ذمة الله
التالي
السيستاني يطلب من خامنئي الحد من نفوذ سليماني