9 أيلول: اجتماع السلطة فماذا عن حراك الشعب ؟

مسألة واضحة جداً، لقد صار ثابتا ان حركة الشارع التي فجّرها تحرك ‫#‏طلعت_ريحتكم‬ ونهض بها وواكبها العديد من المجموعات المدنية التي تنتمي قوتها الى نبض الشارع، نبض الرأي العام اللبناني المنتفض على اسرّ المذهبية والطائفية. وواضح ايضاً ان الذين رفدوا الحراك المدني بنزولهم الى الشارع يجمعهم هذا الشعور بالغضب من السلطة الحاكمة بكل تلاوينها، تلاوين تؤكد حقيقة انها سلطة موحدة ضدّ ايّ اعتراض من خارج عناصرها ومكوناتها، ضدّ ايّ احتجاج يمكن ان يخلّ بنظام المحاصصة ومصدر تضامنها في وجه ايّ قادم جديد.

 
9 ايلول ليس تاريخاً استثنائياً، هو يوم لبناني في مواجهة دعوة الحوار التي وجهها الرئيس نبيه بري الى أطراف السلطة حوار مستمر منذ عشر سنوات من دون نتيجة، إلاّ تثبيت الانقسام ومحاصصاته. 9 ايلول يوم حراك مدني في وجه هذه الدعوة، وهو مرحلة من مراحل بات من الصعب على الحكومة تفاديها، او المراهنة على استنفادها بالتسويف والمراوغة، وبمحاولة استنهاض خطاب الطوائف وحقوقها، او بمحاولة استعادة الثنائية الأذارية السياسية الى المشهد، ذلك ان رأسي حربة 8 و14 اذار يقيمان حوارا بينهما منذ عام، حوار مستمر وايجابي ومترافق مع انهيار المؤسسات الدستورية والقانونية، لأنه حوار ينطوي على ابتزاز الناس بمقايضتهم بهدوء امني نسبي، في مقابل تنازلهم عن المطالبة بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

 
المواطنون الذين نزلوا الى الشارع في 29 آب وجهوا رسالة الى السلطة الحاكمة والمسيطرة، بأن لغة الصمت لم تعد واردة، وأن الحراك قد ينكفىء ويتعثر، بسبب محاولات تسييسه من قبل اهل السلطة بوسائل مشروعة او غير مشروعة، وهذا ما لا نتمناه، لكن الثابت ايضاً ان الحراك المدني والشعبي، لم ينطلق من فراغ، والمبالغات الاعلامية في متابعته احياناً، ليست هي المشكلة. فالأزمة ليست مفتعلة بل حقيقية وواقعية وتتمثل في السلطة الحاكمة، واحالة الحراك المدني الى “الحرب الناعمة” او “المؤامرة الخارجية” تعبير عن عجز وارباك او هروب من مواجة الأزمة، لاسيما ان هناك اكبر عملية نصب تعرّضت لها الدولة اللبنانية من اطراف السلطة، نصب السيادة ونصب المال العام، واكبر عملية تهميش للدولة، وما النفايات الا نتاج مسار طويل في اسلوب تعامل السلطة مع قضايا الدولة ومواطنيها.

 
من هنا فان المشكلات التي تعانيها الدولة لم تعد يكفيها تواطؤ اطراف السلطة طائفيا ومذهبيا، هذا السلوك المستمر منذ اكثر من عشر سنوات، فقد قدرته على الاستمرار طويلاً. لقد فقد الكثير من قدراته التخديرية للمجتمع، فالهروب الى الأمام لم يعد كافيا، فلا الحرب في سورية، يمكن ان تحرف اهتمامات الناس عن ازماتها الحياتية الضاغطة، ولا تفجير حرب مع اسرائيل نصرة للفلسطينيين اولتحرير فلسطين بعد مزارع شبعا، يمكن ان تحل الموضوع. المشكلات تتفاقم والأزمات تلاحق المعادلة السياسية الحاكمة وايجاد الحلول ليس في يد من اتقن انتاج الأزمات، الأمر يحتاج اكثر من الاتهامات ورمي كرة النار على الأخرين، الامر يتطلب اما ثورة اصلاحية، او حرباً عبثية يفرضها تداعي الدولة وتعزيز الدويلات، وفي كل الاحوال المراوحة الحكومية لم تعد حلاً قابلا للعيش.

 
الحراك المدني في 29 آب كان رسالة انذار، وبعد غدّ الاربعاء مشهد جديد لا أحد يعلم كيف سيعبر عن نفسه، وسلسلة المطالب الاجتماعية اكثر من ان تحصى، ومعالجة ازمة النفايات لم تتضح امكانياتها العملية بعد، لكن في المقابل ثمة تحديات تبقى قائمة في وجه الناشطين المدنيين الذين يتولون التصدي لمهمة انجاح الحراك المدني، هي في القدرة على المحافظة على زخم الحراك وحيويته وجاذبيته المدنية والربط بين مكونات اصيلة فيه، ايّ ان السّمة الشبابية لهذا الحراك هي الأصل فيه، لأنه تحرك يعبر عن هموم جيل جديد لا يريد ان تتم مصادرته من جيل الاباء، ففي زمن انتهت فيه الحرب الباردة، وانتهى الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية، وفي زمن فقد فيه الاسلام السياسي ما تبقى من جاذبيته الحضارية، ثمة جيل جديد يحاول ان يبلور افكاره وتطلعاته ويحقق طموحاته، ضمن معطيات الواقع. هذا الجيل ليس خارج تأثير الواقع بكل مافيه، لكنه جيل أقرب من الأجيال السابقة الى تلمس التطورات التي يشهدها العالم، وأقرب من سواه الى تبني قيم الدولة الحديثة ومفهوم المواطنية. غير ان هذا الجيل نفسه يمكن ان يكون وقود حروب عبثية لمنع التغيير، حرب تعيد انتاج السلطة الحاكمة اليوم وبشروط اسوأ.

السابق
النظام ادعى انه أوقف عنصرا من ‘النصرة’ اعترف بتنفيذ تفجيري السويداء
التالي
مندسّات من نوع آخر في وسط بيروت…