«حزبلة » التيار العوني…

لم يكن ليتصور احد ان بعد مرور حوالي عشرة اعوام من توقيع ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله داخل كنيسة مارمخايل بتارخ 2006-2-6، بان تتم حزبلة هذا التيار الى هذا الحد، بعد ان كان المرجو من وراء التفاهم كما كان يصرح العونيون دائما هو لبننة حزب الله.

في التظاهرة الاخيرة التي قام بها التيار العوني في ساحة الشهداء بدا واضحا للعيان اللمسات الحزباللهية على كامل تفاصيلها، ولا اقصد هنا ظاهرة المحجّبات طبعا، ولا الحشود الاّتية من الضاحية وبعلبك والهرمل وانما التغلل الثقافي والفكري الذي تجلى من خلال الشعارات المرفوعة والصيحات التي خيّمت على المتظاهرين.
فثقافة الـ ( لبيك يا جنرال ) هي الترجمة الحرفية لـ ( لبيك يا نصرالله )، مما يجعل من ادبيات تأليه الجنرال ومحورية التيار حوله واعتباره ايقونة مقدّسة، فهو يفكر وحده، ويقرر وحده، ويخطط وحده، ويعين رئيس للتيار وحده بفتوى وبلا رقيب ولا حسيب وبدون الحاجة من القواعد او حتى الصف الاول لقيادة التيار ان تحمّل نفسها عناء التفكير فضلا عن عناء المناقشة،التي وان تجرّأ عليها احد فان مصيره المحتوم هو الفصل من صفوف التيار، تماما كما حصل مع الناشطين الخمسة، لان ” الراد على الجنرال كالراد على الله”.
ولم يقتصر التغلغل الثقافي الحزباللهي على الامور الظاهرية فقط، بل وصل به الامر اعتماد نفس الاليات السياسية المعتمدة بشكل كبير على اخفاء الاهداف الحقيقية للاداء السياسي والتستّر خلف عناوين مطلبية او خيارات مقبولة شعبيا فيما حقيقة الأمر سياسي بمكان اخر.
هذه الاسلوب المعتمد بشكل كبير عند حزب الله هو نفسه اليوم صار مطبوعا بالاداء الفعلي عند التيار، فحزب الله الذي دخل الحرب بسوريا الى جانب النظام الاسدي ومن اجل الدفاع عن المصالح الايرانية بالمنطقة، عمل على تغليف هذه الاهداف بمجموعة شعارات اراد من خلالها التعمية على الهدف الاول وتمريره على جماهيره قبل اللبنانيين تحت عناوين تبريرية ليس اقلها ان الجماهير لا يمكن ان تستوعب الاهداف الاستراتيجية وبانها قاصرة عن فهم المخطاط الكبرى بسبب محدودية فكرها وضيق افقها.
هذه النظرة الاستعلائية التي يتطلع بها حزب الله الى جماهيره هي عينها صارت من سمات قيادة التيار اليوم، فالتظاهرة ” المطلبية ” التي دعى اليها تحت عناوين خدماتية ( كهرباء ومياه وو… ) انما هي بالحقيقة لاهداف اخرى تماما، وهذا ما يمكن ان يفسر التناقض بين محاولة لعب التيار لدور المعارضة فيما هو جزء اساسي من السلطة، او ان يطالب بانتخاب رئيس فيما هو من يعطل الانتخابات، لان الحقيقة ان الهدف من التظاهرة انما هو الالتفاف على الحراك الشعبي القائم والذي بدأ يؤتي اكله ولو بالمستويات الدنيا، مما يمكن ان يهدّد كل منظومة الفساد المتغلغلة بكل مفاصل البلد والتي يستفيد من وجودها حزب الله بشكل اساسي ليس بالسرقات المالية المباشرة، وانما بسرقة القرار السياسي والاستراتيجي لكل البلد.
فالوضع الراهن بكل ما يصيب البلد من اهتراء سياسي يشكل البيئة الانسب لمشروع حزب الله، وان اي تغيّر يمكن ان يطرأ على هذا الواقع، فان المتضرر الاول ليس اللصوص الصغار وناهبي اموال الدولة فقط، وانما المتضرر الاكبر هو صاحب مشروع الهيمنة على كامل البلد.
وحزب الله الذي يعي تماما هذه الحقيقة، ويحاول وضعها في خانة المؤامرة على رأس المقاومة، هو توصيف يمكن اعتباره توصيفا دقيقا اذا ما استبدلنا كلمة ” مقاومة ” بكلمة ” الهيمنة “… ولان حزب الله لا يستطيع ان يواجه بشكل مباشر هذا الغضب المقدّس عند الجماهير الطامحة لاحداث تغيير ما بهذه النمطية المتبعة، فانه لجأ وسوف يلجأ بالقادم من الايام بدفش ربيبه العوني من اجل التصدي لهذا الحراك.
فاذا كان حزب الله قد نجح الى حد كبير باضعاف خصمه المفترض المتمثل بـ 14اذار، من خلال الاغتيالات مرة ومن خلال سوء اداء وفساد هذا الفريق مرة اخرى، فان الحزب اليوم هو أمام تحدٍّ جديد مع خصم جديد هو هذه الجماهير المنتفضة، مما يعني بالضرورة ان الأيام القادمة سيتحول التيار العوني فيها الى رأس حربة في هذه المواجهة تحت شعارات لا تمتّ الى الحقيقة بصلة، ليبقى الرهان الاكبر هنا هو على وعي الناشطين المخلصين داخل التيار العوني وتوسّع حركة الانشقاقات لاسقاط يافطة لبيك يا جنرال، وأيّة يافطة دخيلة على ثقافته.

السابق
النبطية وصور تخرقان جدار الصمت في وجه نظام المحاصصة والفساد
التالي
قاووق: سنشارك في الحوار بروح إيجابية