في ظل أزمة النفايات التي يشهدها لبنان، وغياب حلول معالجتها خارج المحاصصات الحزبية، أو بما يناسب زعماء الطوائف ورجال السلطة، برز بعد فض عروض المناقصات الملغاة إسم شركة “ورد” لصاحبها شريف وهبي.
قد يكون إسم شريف وهبي صاحب شركة “ورد” جديد على مسامع اللبنانيين، كثيرون تساءلوا من هو هذا المتعهد الناشئ؟ وكيف نبت اسمه فجأة بين المتعهدين؟ فنحن اعتدنا على أسماء عدد من المستثمرين في النفايات لا يكاد يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فمن أين جاء هذا الاسم؟
شريف وهبي هو إبن عباس وهبي “أبو شريف”، إبن البرج الشمالي الذي تعرفه مدينة صور وكل مدن الجنوب وقراه ومناطقه، الحاج العصامي الذي بدأ تجارته من الصفر من اللاشيء، الذي سعى وسعت معه يد الله، فكون في بداية تجارته المتواضعة، ثروة صغيرة، كان الفقراء والمحتاجون من أهله 
وأصدقائه شركاء فيها، ليس في تراكمها، إنما في احتسابه لهم منها عطاءات وتيسير أمور معيشية وحقوقا شرعية.
يقال إن المال إذا كان مقرونا بالعطاء يتضاعف، و”أبو شريف” واحد من التجار القلائل الذين آمنوا بهذا المبدأ وطبقوه، فصار كلما توسعت تجارته و تضاعفت ثروته، ازداد رخاء من حوله، وكلما أعطى ويسّر ازدادت ثروته وتيسّرت تجارته.
في أيام الاحتلال الإسرائيلي كانت مناطق الجنوب مغلقة، فرص العمل كانت محدودة جدا، ورزق الصامدين كان محاصرا، والدولة غائبة كما هي دائما. في هذا الوقت ساهمت أعمال “أبو شريف” في حفر الآبار الإرتوازية وما يتبعها، في صمود الجنوبيين في أرضهم، ومنعت نزوح كثير من العائلات، فأصبح “أبو شريف” رجل أعمال ومناضلا في الوقت نفسه. صمد مع من صمدوا، وعزز دون أن يدري ويخطط، أو يسعى إلى بناء زعامة ووجاهة، صمود من فكروا بالنزوح بحثا عن الرزق.
كانت شركته الصغيرة المقتصرة على عدد محدود من الجرافات والشاحنات وآلات حفر الآبار، التي تتنقل بين مدن الجنوب وقراه، وتؤمن فرصا للعمل، الرئة التي تتنفس منها عائلات تخنقها الحاجة، ويقطع عنها الاحتلال الإسرائيلي أنفاس الرزق والعيش الكريم.
من لا يعرف “أبو شريف” لا بد أن يسأل، لماذا لم يطمح هذا الرجل أو يطمع في منصب سياسي أو مركز حزبي؟ رغم أن الأحزاب في المنطقة أوصلت مستفيدين ومتسلقين كثرا لم يعتنوا يوما بهموم الناس ومصالحهم، وليس لهم تاريخ طويل من الخير والخدمة والعطاء الصامت، إلى مناصب عالية. ولكن من يعرفه، يعرف جيدا أن هذا الرجل هو من طينة الطيبين، أصحاب القلوب النقية والنفوس النظيفة، الذين لا تغريهم المناصب والمكاسب بقدر ما تؤرق أيامهم دمعة يتيم وأنة مريض وحاجة عائلة مستورة.
بيت “أبو شريف” في البرج الشمالي، مثل قلبه، كبير وواسع وبلا أسوار تفصله عن حاجات الناس وهمومهم، حوله إلى مضافة ومحطة وملجأ لكل السائلين الذين لم ينهر أحدهم يوما، ولو كان مفلسا، وكثيرا ما أعاده جيبه المثقوب إلى الصفر، لكنه كان يستدين كي لا يرد سائلا، وما زال.
“أبو شريف” يرقد هذه الأيام في منزله، وقد أقعده المرض عن العمل، لكنه لم يستقل من أعمال الخير والعطاء، ما زال منزله على حاله، وتجارته المتواضعة مقارنة بالمقاولين الكبار الجدد الذين اجتاحوا المنطقة وربما أفسدوها، صمام أمان لأهالي الجنوب، وقد نقل هذا الإرث الثقيل إلى نجله شريف، الذي برز اسمه في مناقصات النفايات مؤخرا.
شريف وهبي محسوب على حركة أمل، هذا صحيح، ولا داعي هنا لسرد تفاصيل الفساد والمحسوبيات والمحاصصات التي تشتهر بها الأحزاب السياسية في لبنان، فالكل يعرفها، لكن شريف هو ابن عباس وهبي، وهذا ما يشفع له في وجدان الجنوبيين، وما يجعلهم يتأملون خيرا في حصوله على المناقصة أكثر من غيره، لأن حصوله عليها سوف يؤمن مزيدا من فرص العمل للشباب ويحل جزءا من أزمة البطالة الحقيقية والمقنعة التي تنتشر في مناطق الجنوب، ويحافظ على كرامات الكثير من العائلات، عدا الخير الذي سيبقى مظللا الكثير من البيوت المستورة.
على هامش أزمة النفايات التي فاحت روائح صفقاتها الفاسدة، والأزمة المستجدة التي أضافتها إلى حياة اللبنانيين، واستولدت ثورة شعبية ضد النظام ومكوناته، يسترعي جدول عروض المناقصات الملغاة المسرب، الانتباه إلى أن مناقصة شركة “ورد” كانت الأدنى من بين كل العروض المقدمة، ويفصلها عن أقرب مناقصة منها أكثر من 250 مليون دولار! هذا لا يعني الشركة المذكورة شركة خيرية لا تبغي الربح، إنما أن يصل فارق المناقصة إلى هذا الحد، فهذا له معان ودلالات كثيرة، ربما تتعلق بالسيرة الشخصية لمقدمي العروض!
