المشهد في النبطية لا يختلف كثيراً عن باقي المناطق. فمع عودة أزمة تصريف النفايات في مدينة النبطية مجدّداً بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على إطفائها، أوساط تتحدث عن صفقات تحت الطاولة وفساد يتحكّم بملف النفايات في هذه المحافظة.
وقد أثير هذا الكلام بعد صدور قرار قضائي بإقفال مكبّ النفايات في بلدة الكفور، الذي كان يستقبل النفايات اليومية من 29 من بلدات الشقيف، دون وجه حقّ. لما يتسبّب به ذلك من أضرار بيئيّة على القرية غير المؤهّلة لاستقبال مطمر. وكانت تنقل تلك النفايات شركة متعهّدة تتولى تصريفها ونقلها الى المكب بشكل يومي.
إقرأ أيضاً: عرض جديّ من «عرسال»: جرودنا مستعدّة لاستقبال نفايات بيروت
بعد إقفال المكبّ المذكور أصبح البديل ان تتولّى كل بلدة مسؤولية نفاياتها. إذ تمتلك كلّ منها مشاعات خاصّة بها. لكنّ هذا الحل لم يتناسب مع الأوضاع البيئية والجغرافية لمدينة النبطية بسبب مساحتها الصغيرة وعدم توفر المكان المناسب لإنشاء مكبّ خاص بها. لذا لجأت المدينة إلى مكب اتحاد بلديات الشقيف. عندها بدأ الابتزاز المادي من قبل الاتحاد لطلب مقابل بدل استقبال نفايات النبطية، بحسب مصادر خاصّة لـ”جنوبية”. المصدر هذا تابع شارحا أنّ هذا الأمر خلّف بدوره، بالاضافة إلى غرق النبطية بالنفايات في الفترة الأخيرة، خلافات بين البلدات، خصوصا بعد اعتراض أهالي الكفور على الحل المؤقت الّذي يقضي بتصريف نفايات النبطية في واديها. رغم أنّها حصلت على وعود بإنشار معمل لفرز النفايات مخصّص لمدينة النبطية .
ويتابع مصدرنا أنّ الأمر تطلب بالتالي تدخلا سريعا من الجهات المسؤولة في هذه القرى، أي حزب الله وحركة أمل. لكن دون جدوى. حجّة حزب الله أنّه لم يستطع الضغط على رئيس بلدية الكفور حسين درويش، وحركة أمل تقول في المقابل إنّها لم تنجح في الضغط على رئيس بلدية كفرّمان كمال غبريس.
والمستغرب هنا ألا يفلح كل من الحزب والحركة بالضغط والسيطرة على بلديات تابعة لهما. ما يطرح بالتالي تساؤلات: لماذا هذه التغطية وهذا التلّكّؤ؟
إذا يبدو أنّ المسألة أبعد من ذلك بكثير، على ما يفصح مصدرنا، وهو العارف بأمر الصفقات والفساد والقريب من المعنيين بهذا الملفّ. فشركة الجنوب للخدمات والمقاولات، لصاحبها علي عياش، ورد اسمها ضمن اللائحة الّتي أعدّتها النيابة العامة المالية. إذ كلَفت لجنة فنية للتحقيق في عقود “سوكلين” وأخواتها، ومن ضمن الأخوات هذه الشركة. والتحقيق يريد الكشف عن فضائح مفترضة تمسّ أسلوب إدارة مجلس الانماء والإعمار ملف النفايات طيلة ١٧ عاماً.
وبحسب المصدر فإنّ هذه الشركة كانت ملزمة برفع نفايات 29 بلدة بموجب اتفاق مع اتحاد بلدية شقيف مقابل ملياري ليرة لبنانية سنويا، لقاء الجمع والطمر. وتبيّن أنّه طيلة هذه المدة اعتمدت الشركة مكبّات في عقارات داخل بلدات زوطر وشوكين وآخرها الكفور. وكانت هذه الشركة تتكفّل بإعطاء هذه البلدات بدل عطل وضرر لكن تحت مسمى “مساعدات للإنماء”، مقابل صمتها عن الضرر اللاحق نتيجة طريقة الطمر العشوائية. في شوكين وزوطر لم يكشف أمرها اذ أنّ البلديتين حصلتا على المبلغ المتّفق علية. بينما في الكفور فمبلغ ال 300 أو500 مليون ليرة التي تعهّدت شركة عياش بدفعها لم يصل منها إلا جزء بسيط من المبلغ. أما الباقي فتقاسمه، على ما يقول مصدرنا، مسؤولون حزبيون من الطرفين.
لذلك تصاعدت احتجاجات الأهالي وأغلق المطمر في بلدة الكفور بعد صدور قرار قضائي، أمّا الشركة فعملها معلّق حتّى انتهاء التحقيقات .
وفي سياق متصل، تداعت هيئات المجتمع المدني والفعاليات والمخاتير في مدينة النبطية والبلدات المجاورة لبحث وضع النفايات في الشوارع بحضور رئيس بلدية النبطية الدكتور أحمد كحيل، رئيس جمعية تجار محافظة النبطية وسيم بدر الدين، وممثلون عن الجمعيات والاندية المدنية في مقر الجمعية الخيرية بالنبطية. وطالب المجتمعون بـ”بحث هذا الموضوع واتخاذ اللازم لتخفيف أعباء نفايات إضافية كبيرة تتجمع عند نهاية السوق”، وحملوا “الحكومة ووزارة البيئة المسؤولية عن المستوى الخطير من التلوث الحاصل في المدينة”، مناشدين “بلديات المنطقة التعاون والتكامل مع بلدية النبطية وأهلها في الجهود المبذولة للتخفيف من حجم الكارثة التي تعيشها المدينة في الظرف الراهن”.
إقرأ أيضاً: ردّاً على سؤال لئيم لأهل الإقليم: الموت البطيء أو الهجرة السريعة؟
وتفهم المجتمعون “مواقف أهالي الكفور الذين عانوا من سوء إدارة النفايات في المكب الموجود داخل بلدتهم دون تقديم المساعدات التنموية التي وُعدوا بها”، وطالبوا “أعلى المراجع السياسية بتشكيل لجنة تحقيق في سوء إدارة النفايات في المنطقة”.
وفي نهاية اللقاء قرر المجتمعون “تشكيل لجنة من بلدية النبطية للقاء الأندية والجمعيات المدنية وبمساهمة من الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح لوضع تصور عملي لتجاوز هذه المشكلة الكبيرة، كما تقرّر التوجه الى الجهات السياسية النافذة وإلى اتحاد البلديات للإسراع في تشغيل معمل معالجة النفايات في أقرب وقت ممكن”.