من ربح ومن خسر بين سلام وقهوجي وعون؟

في دول العالم الراقية، تحمي الأنظمة الديموقراطية جيوشها وعسكرها، إلّا في لبنان، فإن الجيش هو الذي يحمي الديموقراطية والمؤسسات الدستورية والحريات.

أمس، كان البلد مسرحاً لما بين المقامرة والمغامرة. المقامرة بالأمن والإستقرار، والمغامرة بالسلم الأهلي. كان من الممكن أن تحصل كارثة نتيجة أي خطأ أو صدام في الشارع، نظراً الى حال التعبئة المذهبية النافرة، والإحتقان التعصّبي الأعمى.

امتُحن الرئيس تمام سلام في صبره وكرامته السياسية قبل أي استفزاز أو امتحان آخر. لم تستدرجه الشعارات الطائفية ولم تحرجه الكاميرات التلفزيونية وحدها، وإنما هاله ما رُمي عليه من قنابل صوتية ودخانية، فانتفض إنتفاضة من «كُتبت عليه خطى مشاها»..
وامتُحن الجيش في ثلاثة: صبره، وحكمته، وولاؤه.

صبرٌ على الحملات السياسية والإعلامية، وتحمُّل قائده ما لم يتحمّله قائد من سهام في صدره وظهره، وما شكا ظلامة ولا غدراً، ولا حتى همس ألماً. وهل من ألم أشدّ من إفتعال معركة لإشغال الجيش وإلهائه في الداخل، فيما هو مرتَمٍ على الجبهات يدفع ضريبة الدم والشهادة في التصدي لأخطر الإرهابيين على الحدود؟.

وتصرّف الجيش بحكمة مطلقة. قام بواجبه في حماية المتظاهرين والمهاجمين كما قام بواجبه في حماية المؤسسات الدستورية، أي مجلس الوزراء ومجلس النواب، والأملاك العامة والخاصة. واجب واحد ومهمة واحدة.

وأكّد الجيش ولاءه مرّة جديدة للعلَم والقَسَم، وسيادة الدولة والقانون، والحرص على الأمن والإستقرار. ليس المهم من يعلن إنتصاره. المهم ألّا تنتصر الفوضى على حق اللبنانيين في الأمن والإستقرار والسلم الأهلي ومحاربة الإرهاب.

ما قيمة أي انتصار إذا أُربك الجيش أو أُرهق أو أُسقط؟ هل فعلاً ربح العماد ميشال عون؟ وماذا ربح؟

صحيح أنه يُصعّد، يضغط، ليفتح باباً للتفاوض على أمل الوصول الى تسوية. وصحيح أنه يشعر بأنه الأحق في الرئاسة، وانه خُذل أكثر من مرّة، وانه تُرك يقاتل وحيداً، وهو مصمّم على فتح مزيد من الجبهات، وعدم التراجع أو الإستسلام. لكنه بالتأكيد لم يربح.

إن تصعيد المعركة وتكبير عناوينها وشعاراتها ليس في محله، لأن الإنتخابات الرئاسية ليست خلف الباب ولا في متناول اليد المحلية، كما أن أحداً لا يمكنه الجزم بتوقيت حصولها، فلماذا العجلة بفتح معركة في غير أوانها؟

إن تصعيد الضغط على الحكومة ومن يسعى الى حمايتها من التعطيل، أي الرئيسان برّي وسلام و»المستقبل» وجنبلاط ومسيحيّو 14 آذار، ينسف جسور الثقة، المهزوزة أصلاً، بينهم وبين العماد عون، وينزع صفة المرشح التوفيقي عنه، ويُعزّز مخاوفهم من أن عون يستحيل أن يتغيّر، وإنه لا يمكن لأحد توقّع مفاجآته وردّات فعله حيال ما لا يناسبه سياسياً. في مواجهة الأمس، نجح سلام في إحتواء المغامرة بسلام. ونجح الجيش في إمتصاص حرب الجنرال على الجنرال.

والى المعركة المقبلة.

(الجمهورية)

السابق
اسود: الحراك لن يتوقف قبل تحقيق الاهداف
التالي
الجيش : توقيف شخصين في طرابلس ومداهمة منزل في الفنار