«سرايا حزب الله» من أول حجر.. الى آخر رصاصة

تنشط ميليشيا «سرايا المقاومة» على مساحة لبنان كما لم تفعل من قبل. تعمل بوضوح و«بلا مستحى« في بعض المناطق، وتتحرك «تحت جنح الظلام» في مناطق اخرى. ما شهدته السعديات قبل أيام ليس حالة جديدة في بلد يعيش أيار كممارسة مستمرة منذ سبع سنوات، لكنها حملت جديداً، أقله من حيث فجاجة الممارسة. الواضح الوحيد أن «حزب الله» يلزّم «سرايا المقاومة» أنشطة الفتنة في غمرة انشغاله بحروب الولي الفقيه خارج الحدود. في ما عدا ذلك ترتسم أسئلة كثيرة عن أفق تحركاتها ونوايا الحزب. ماذا يريد «حزب الله«؟ إعلامه لا يخجل من أن يهدد بصيغة الاستفهام: «بروفا لـ7 أيار جديد»؟! هل هي إشارة إلى تفجير أمني يتحضر في مرحلة تعج بالاستحقاقات الدولية؟ وأي مهمة أوكلت لـ»سرايا المقاومة« للعمل عليها على مساحة لبنان؟ أم هو التلويح المعتاد، «على الطالعة والنازلة«، بهذا التاريخ، رغبةً بجعله عنصراً حاكماً في قواعد اللعبة الداخلية؟

منذ 3 سنوات، اشترى أحد المقرّبين من «حزب الله« قطعة أرض في منطقة السعديات، وأنشأ عليها مبنى سكنياً مؤلّفاً من عدة طبقات. بعدها، وقبل 9 شهور تقريباً، زار وفد من الحزب مختار بلدة السعديات رفعت الأسعد، ليُعلمه أنه بصدد تحويل احدى شقق هذا المبنى الى مصلى، مع تأكيده أن الحزب لن يقوم بأي نشاطات تستفزّ أهالي البلدة..و»ما في داعي للخوف«!

على الرغم من عدم وجود مكوّن من البيئة المذهبية لـ»حزب الله« في السعديات، الا ان مختار البلدة لم يُرِد الدخول في إشكالات مع الحزب، فلم يعترض على فكرة انشاء «المصلى». ومنذ اسبوعين، وعلى وقع الإحتقان الذي أحدثه الشريط المُسرّب من سجن رومية، رفع «حزب الله« مكبّرات الصوت على «الشقة-المصلى»، وبثّ أناشيد حزبية، وجابت مواكبه السيارة بعض شوارع البلدة، ما ادى في نهاية المطاف الى وقوع اشتباك مسلّح.

ماذا يريد «حزب الله« من السعديات؟ ولماذا جرّ أهالي البلدة الى اشتباك مسلّح؟

مصادر أمنية تحدّثت الى «المستقبل» عن خارطة عسكرية جديدة يعمل «حزب الله« على إنجازها، و»السعديات» تُعدّ حلقة صغيرة ضمن سلسلة «طويلة عريضة». فبلدَتا السعديات والناعمة، تمثّلان العائق الوحيد أمام المشروع العسكري لـ»حزب الله«، القاضي بوصل الضاحية الجنوبية لبيروت بالجنوب، والسيطرة على كامل الشريط الساحلي الجنوبي. هذا ليس أخطر ما في الأمر. فبالسيطرة عليهما، وبإقامة ثكنات عسكرية حزبية فيهما، حتى وإن اخذت هذه الثكنات طابع المشاريع السكنية، يحاصر «حزب الله« إقليم الخروب وجبل الشوف من الجهتين الساحلية والجنوبية ومن جهة البقاع، حيث بلدة مشغرة وبلدات أخرى تنشط فيها «سرايا المقاومة«.

ويسأل المصدر عن السبب الذي يكمن خلف إقامة «حزب الله« مصلى له في بلدة لا تواجد فيها لا لجمهوره ولا لبيئته المذهبية، ويجيب بنفسه عن هذا التساؤل، مشيراً إلى أن «هذا المبنى هو أكبر من مشروع سكني، وهذه الشقة هي أكبر من مصلى». فالمعلومات الأمنية تؤكد أن «حزب الله« خزّن الأسلحة في هذا المبنى الذي يجتمع فيه عناصره و»السرايا»! وذكّر المصدر بـ»صيدا»، حيث تبيّن لاحقاً أن معظم المباني السكنية التابعة للحزب، هي عبارة عن ثكنات عسكرية تلبس لبوس «المدنية«!

أحداث السعديات، تقاطعت مع معلومات حصلت عليها «المستقبل» من مصادر بقاعية، عن حراك لـ»سرايا المقاومة» في قرى البقاعين الغربي والاوسط في الايام القليلة الماضية. فبعد إعلان الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله، قبل أسابيع، عن انطلاق معركة جبال وتلال القلمون، توقّف دعم الحزب المادي عن مجموعة من «سرايا المقاومة« في البقاع، رفضت الانضمام الى المعارك في القلمون. الا أن الحزب، الممتعض من تمرّد هؤلاء عليه، أعاد في الايام الماضية دفع «المعاشات»، حيث قال مسؤول في الحزب امام «الممتعضين» في احد الاجتماعات: «الخلاف لا يفسد للود قضية.. واذا اختلفنا على مقاربة الملف السوري، فلن نختلف على «محاربة الارهاب في لبنان«!

«المستقبل» التقت احد عناصر «السرايا» في البقاع الغربي، حيث أكّد أن «الحياة صعبة، وبأن 200 دولار بالشهر «مش كِخّة». وأضاف الشاب أنه استفاد كثيراً من «السرايا»، فبالاضافة الى الراتب الشهري، شارك في دورات تدريبية عسكرية، وتعلّم استخدام كافة انواع الاسلحة. والأمر لم يتوقف عند ذلك، فالشاب حصل على «هديّة» من «السرايا» لتفوّقه في احدى دورات التدريب، وهي عبارة عن «قطعة سلاح» يضعها في منزله! وعن الجهة التي يمكن ان يستخدم السلاح بوجهها، يقول :»داعش جايي ولازم نحمي المنطقة«!

تستأنف «سرايا المقاومة» عملها في البقاعين الغربي والاوسط استعداداً لـ»مواجهة داعش»! هذا الداعش الذي قد يكون تيار «المستقبل« أو «الجماعة الإسلامية« أو أي معارض لمشاريع «حزب الله«، البارع في «شيطنة» الخصم. فلماذا تعالى «حزب الله« عن خلافاته «الجوهرية» مع عناصر من السرايا في البقاع وأعاد ترتيب بيتها الداخلي؟!

خلال أحداث أيار وما تلاها، واجه «حزب الله» مقاومة أهليّة عفويّة في العديد من قرى البقاع. جمع الشباب بعض الأموال من مدخراتهم الشخصية لشراء شيء من الذخيرة لمواجهة القصف العشوائي الذي كان ينهال على سعدنايل وتعلبايا من المرتفعات. طويت الأحداث بمصالحات محلية، وليس سراً أن البعض تولى بعد ذلك «جرجرة« الشبان الذين دافعوا عن قراهم، و»تأديبهم» خارج القانون، وبشيء من التشبيح. قرأ «حزب الله» رسالة المقاومة الأهلية جيداً، وبدأ منذ ذلك الحين بالعمل لاختراق جهاز مناعتها الطبيعي.

على مدى سنوات، لم يبق «باحث عن وظيفة» في قرى البقاع إلا وتحوّل بقدرة قادرٍ إلى «مقاومٍ»، يحمل السلاح عنوة أمام أعين القوى الأمنيّة. صار شباب «سرايا المقاومة» قنبلة معدة لتفجير الفتن المحليّة في كل قرية أو زاروب. ليس هؤلاء جزءاً عضوياً من جيش الولي الفقيه أو ميليشيا «حزب الله». مهمتهم أصغر؛ يكفي أن تكون في كل قرية فتنة جاهزة للتفجير بين عائلتين أو شارعين، فيما «حزب الله« يتفرج. السلاح لكل «عاطل عن العمل». شعارٌ ينفذه الحزب وباتت نتائجه ملموسة في القرى. كل «صحافي« عاطل عن العمل أو «رجل دين« منبوذ في بيئته يمكن أن يتحول إلى حالة نافرة. هذا لا يتحرك إلا بموكب من المسلحين وسيارات الدفع الرباعي، وذاك يتباهى بقدرته على فك حبل المشنقة عن أي موقوف لدى الأجهزة الأمنية، ولكلٍ منهم موظفوه وأزلامه ممن رخص ثمنه وكبرت عضلاته. هذا هو الجيل الجديد من «المقاومين«. يتحول اسم «سرايا المقاومة» إلى بطاقة تسهيل مهام لكل الموبقات، فيما يُبقي «حزب الله» غطاءه لهم.

هكذا حاولت احدى «عمائم« السرايا تجنيد العديد من شبان بلدة سعدنايل، التي تعتبر من العقبات الجغرافية أمام «حزب الله«، لموقعها الجغرافي على الطريق العام بين بعلبك وبيروت. مصادر بقاعية أكدت لـ»المستقبل» محاولات هذا الشيخ في الايام القليلة الماضية اختراق صفوف أهالي هذه البلدة، التي وقفت بأكملها بوجه «حزب الله« في 7 أيار.

لكن الالتباس يبقى قائماً في الغطاء الذي يوفره «حزب الله» لتلك «الميليشيات»، هل هي جزء من السلاح المقدس؟ هل تشملهم «الثلاثية الذهبية» ؟ إن كان كذلك فلماذا يخجل الحزب من إصدار بيان واحد يتبنى فيه ممارسات «السرايا» الميليشيوية؟ باتت «السرايا» أمراً واقعاً في حسابات الفتنة والعمل الميليشيوي الميداني، لكن السؤال يبقى عن كيفية صرفها في السياسة. هل لدى الحزب ما يكفي من الوقاحة لطلب شرعنتها؟ وتحت أي عنوان؟ مشكلة الحزب أن عنواني المقاومة ومحاربة التكفيريين لا يصلحان غطاءً لسلاح الزواريب، بل إن طرح شرعنته تحت أيٍ منهما يشكل عبئاً على مشروعية السلاح الأصلي. وبناء عليه، لا أفق لهذا السلاح إلا أن يبقى حالة ميليشيوية تستفيد من فراغ المؤسسات وعجز الدولة، ولا يمكن شرعنتها تحت أي ذريعة. لذلك يريد الحزب للفوضى السياسية والأمنية أن تستمر، لأن أي حديث جدي في السياسة، عبر قناة الحوار المفتوح مع تيار «المستقبل« أو سواها، يعني ببساطة أنه سيُسأل عما يفعل في السعديات وبرجا وبر الياس ومجدل عنجر وسعدنايل وأعالي جبيل! أي حديث في السياسة سيجعل الحزب أمام استحقاق التوقف عن لعبة الفتنة. ولا يبدو أن الحزب، الباحث عن «انتصارات الهية» في الداخل بعد ان يعود منكسراً من سوريا، مستعد لذلك حاليا!

«سيدفع لبنان ثمن عودة حزب الله منكسراً من سوريا»، يهمس زعيم لبناني في أحد الصالونات السياسية!

(المستقبل)

السابق
مأزق النظرية الانكفائيّة في الأمن القومي المصري
التالي
عبء ما قبل الثورات عليها