الانتخابات التركية. نصف انتصار ونصف مفاجاة

الانتخابات التركية

نصف انتصار، وربما انتصار بطعم الخسارة، وحتى بطاقة صفراء من الجمهور التركي لحزب العدالة والتنمية. هذه المصطلحات كلها مناسبة لتوصيف النتيجة التي حققها الحزب في الانتخابات االعامة الأحد الماضي، ومع إهمال للتقدم الملحوظ لحزب الحركة القومية، والتراجع الطفيف لحزب الشعب الجمهوري، بدا التركيز كبيراً وحتى مبالغاً فيه تجاه النتيجة التي حققها حزب الشعوب الديموقراطية الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، ووصلت المبالغة حتى إلى حد وصفه بحزب المهمشين في إنكار للحقيقة وإجحاف بحق الحزب الذي مثل بحق مهمشي الجمهورية الأتاتوركية، بما في ذلك الأكراد أنفسهم. وهو بالتأكيد حزب العدالة والتنمية بمسمياته المختلفة طبعاً، بينما بدت المفارقة في تحالف أو تفاهم حزب الشعوب مع حزب الشعب الذى مثل حاضنة تاريخية للعسكر وانقلاباتهم، و اضطهد واستبد بالشعب كله لثمانية عقود تقريباً.
إذن نال حزب العدالة والتنمية 41 بالمائة من أصوات الناخبين متراجعاً بـ5 نقاط عن آخر اختبار ديموقراطي، خاضه، أي الانتخابات المحلية العام الماضي، وبالطبع لا يمكن إنكار التراجع الكبير الذي أفقد الحزب الغالبية البرلمانية، ولكن لتفهمه وليس لتبريره يجب وضعه في سياقه بل سياقاته الصحيحة.
ليس مفاجئاً أبداً أن يتراجع حزب العدالة والتنمية بعد أكثر من عقد على وجوده منفرداً في السلطة، ورغم النقلة النوعية التي أحدثها الحزب للبلد داخلياً وخارجياً، إلا أن نزوع فئة أو شريحة أو حتى شرائح اجتماعية للتغيير، هو أمر طبيعي ومتوقع وقبل كل شىء ديموقراطي تماماً.
حزبياً أيضاً نحن أمام حزب غادره زعيمه ومؤسسه ذو الكاريزما والحضور وأكثر من ربع نواب الدورة الأخيرة حسب اللائحة الداخلية الصارمة للحزب، التي تمنع الترشّح لأكثر من ثلاث دورات، والتي لم يسع أحد لتغييرها أو تفصيلها على مقاس هذا وذاك، وببساطة نحن أمام مرحلة إحلال وتجديد يعيشها الحزب يضخ عبرها دماء جديدة في شرايينه ومع ذلك، وحتى مع التراجع الحاصل ما زال الحزب في موقع الصدارة وكان وما زال العمود الفقري للمشهد السياسي والحزبي في البلد.
في السياق أو المنحى السياسي للتصويت، نحن أمام أمرين مهمين لا يمكن تجاوزهما ثمة برود أو عدم حماس، وحتى رفض من الناخب التركي ليس لفكرة كتابة دستور ديموقراطي عصري جديد، وإنما لتحول النظام البرلماني إلى رئاسي مع الانتباه إلى أن هذه الفكرة غيير مقبولة حتى على الرئيس السابق عبد الله غول ونائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش وحتى أحمد داود أوغلو نفسه غير متحمس لها ، ولذلك ليس مفاجئاً أن ينتقل عدم الحماس لها إلى جمهور ناخبي الحزب، وحتى الجمهور التركي بشكل عام خاصة في ظل القصف الإعلامي الشديد ضدها من تحالف الأضداد – غولن والنخبة العمانية الأتاتوركية – الباحث عن إسقاط حزب العدالة بأي ثمن وأي وسيلة.
سياسياً أيضاً دفع الحزب الحاكم ثمن قراره القيادي، وحتى التاريخي وإبداء أردوغان شخصياً حس الزعامة المطلوب من أجل حلّ الأزمة الكردية أو ما يعرف هنا بعملية التسوية. القرار التاريخي الذي شكل أول افتراق كبير وجدي مع جماعة غولان التي وصل بها الغرور إلى حد استدعاء مدير المخابرات في شباط/ فبراير 2012 للتحقيق بعدما أرسله رئيس الوزراء المنتخب إلى أوسلو للتفاوض مع ممثلين عن عبد الله أوجلان وبينما أظهر حزب الشعب برود واللامبالاة تجاه العملية وتهرّب من اتخاذ موقف واضح منها لم يخف حزب الحركة القومية رفضه القاطع لها، وإصراره أو تمسكه بالحل العسكري وهو نفس ما يفعله بعض متشددي جبل قنديل.
لا يمكن إنكار حقيقة أن حزب الشعوب هو الفائز الأكبر في الانتخابات،والمفاجاة ليس بتجاوزه نسبة الحسم وانما بحصوله على ال 13 بالمائة إلا أن تلك قمة جبل الجليد فقط والمبالغة في التعاطي مع تجاوز الحزب النسبة الحسم، بل وتصويره وكأنه حزب المهمشين فيه، تجاوز لحقيقة الحزب نفسه، كما للوقائع الانتخابية بما في ذلك خلفية أو مصدر الأصوات التي سمحت له بتجاوز نسبة الحسم.
اتبع حزب الشعوب خطابين انتخابين مختلفين واحد موجه لجمهوره في المناطق الكردية شرقاً، وآخر للجمهور التركي أو بالأحرى جمهور حزب الشعب غرباً تجاه الأكراد. اتبع الحزب خطاب شبيه تماماً بالذي اتبعه أيام أزمة كوباني، خطاب شوفيني متعصب فيه اتهام للحكومة التركية بعدم المبالاة تجاه الأكراد في سورية، وحتى التواطؤ مع داعش ضدهم واتهامها بالمسؤولية عن تباطؤ أو تعثّر عملية التسوية رغم أن آخر محطاتها كانت مطالبة عبد الله أوغلان لحزبه بعقد مؤتمر استثنائي لاتخاذ قرار تاريخي بإلقاء السلاح، وهو الأمر الذي عجز عنه الحزب، كما ديمرطاش نفسه بعدما تحداه رئيس الوزراء أحمد الوزراء أحمد داوود أوغلو أن يفعل.
أما تجاه الجمهور التركي فاتبع الحزب خطاب الكراهية تجاه الرئيس أردوغان، وخاطب تحديداً الشريحة المؤيدة للحزب الجمهوري اليسارى ، والتى تصل إلى الربع في أحسن الأحوال، وهو فاز أو جرف ثلاثة إلى أربعة بالمائة فقط من الأصوات أساساً بفضل الحشد الإعلامي لتحالف الأضداد من الأتاتوركيين والغولنيين والقياس مع الفارق ولكنهم فعلوا معه نفس ما فعلوه مع أكمل الدين إحسان أوغلو عندما رشحوه أمام أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بحثاً عن أي شخص يمكنه هزيمة أو إيقاف خصمهم، والآن فعلوا نفس الشيء تقريباً ومع اليأس من إمكانية انتصار حزب الشعب أو تشكيله بديلاً جدياً لحزب العدالة قرروا دعم حزب الشعوب ليتجاوز نسبة الحسم ومنع الأول من نيل الثلثين أو حتى الغالبية اللازمة للحكم منفرداً.
فكرة أن حزب الشعوب يمثل شرائح المهمشين والمستضعفين غير دقيقة أو مبالغ فيها وطرحها أساساً الكاتب مراد يتكين-راديكال 1 حزيران- وآخرين من اليساريين بغرض تلميع الحزب، ولا أعرف كيف يمكن لحزب يتماهى مع الحشد الشعبي الكردي السوري المتواطؤ مع نظام بشار الأسد أن يكون حزباً للمهمشين، ولا أفهم كيف لحزب يتساوق سياسياً مع حزب الشعب المستعد للانفتاح وصنع السلام مع بشار الأسد أن يكون حزباً للشرائح المضطهد، ولو كان الحزب في السلطة منفرداً أو متحالفاً مع حزب الشعب لتعاطى مع نظام الأسد تماماً كما روسيا أو الجزائر أو نظام السيسي في أبسط الأحوال , وقبل ذلك وبعده كيف يمكن لحزب اعطى رئيسه الحق الحصرى فى القدس لليهود ان يدعى تمثيل المهمشين والدفاع عنهم ..
حزب المهمشينبامتياز هو حزب العدالة والتنمية وهو الوحيد الذى يملك حضور فى الولايات كافة مقابل غياب لحزب الشعب عن 33 وحزب الحركة عن 45 ولاية وحزب العدالة هو الوحيد الذى يملك نواب من مختلف الاعراق والاتجاهات بما فيهم الارمن طبعا ودفاع حزب الشعوب عن حقوق المثليين لا يحوله بالتاكيد الى حزب للمهمشمين والمستضعفين .
عموماً أفرزت نتائج الانتخابات واقع جديد في تركيا، وربما يكون إئتلاف حكومى بقيادة العدالة والتنمية، أو لا يكون، لكن تركيا ستشهد في الغالب انتخابات برلمانية مبكرة في غضون عام من الآن سيراجع فيها الناخب التركي نفسه وسيميل إلى إعطاء الحزب الغالبية اللازمة للحكم مفرداً، ولكن دون امتلاكه القدرة على تعديل أو كتابة دستور كون الأمر مرتبط حتماً بالتوافق الوطني وأغلبية الثلثين في البرلمان أو الشارع، بينما ستظل عملية التسوية على سكة الحلّ، وهي كانت وستظل مصلحة وضرورة وطنية بغض النظر عن تجاوز حزب الشعوب نسبة الحسم أو لا.

 

السابق
طوني خليفة: لماذا نقول لا لتعنيف المرأة؟
التالي
وزير خارجية اليمن: يمكن بحث هدنة محدودة لكن يجب أن ينسحب الحوثيون من مدن عدة