المنار والـ«نيولوك»: بين مَحلَلَة الصورة وشَببلَكة الخطاب

في جديدها الذي انطلق منذ فترة وجيزة غيّرت قناة "المنار" إطلالتها. ما السبب؟ ولماذا؟

حسنا فعلت قناة “المنار” حين أطلقت فترتها الصباحية التي باتت اكثر عفوية ومُحببة من خلال وجوه شبابية تحكيّ لغة الناس، وليس الفصحى التى تُستخدم في القنوات الإخبارية العربية.

ويبدو ان هذه الفترة الجديدة قد جذبت جمهورا كبيرا، رغم ان التغيير محدود نوعا ما. اذ انه لم يَطَل بعض البرامج السياسية المُملة، والتي لا تجذب المشاهد اللبناني الا نادرا، والتي يطول الكلام عنها وليس مكانها هنا.

وأُطلق على الفترة الصباحية الجديدة اسم “نهار جديد” حيث تتصف الى حد بعيد بالحيوية الشبابية والنشاط والحياة، وهي صفات متوفرة في المجتمع اللبناني بشكل كبير، خاصة بين أفراد الجيل الحالي والطالع.

هل يجب ان يكون الشيخ موجودا في كل تفاصيل عيشنا؟ وهل هو عارف بكل شيء؟

فهذا الجيل الذي نتناوله في حديثنا لم يكن يوما من جمهور قناة “المنار” نظرا لبرامجها التي دخلت طور الهرم باكرا، إما بسبب عمر المُقدمين والمُقدمات، والمُذيعين والمُذيعات، او بسبب “اللوك” الباهت غير الجذّاب والذي يبتعدون فيه عن الأناقة والشياكة، او بسبب الألوان الباهتة في الـ”بروموشون promotion”، او لجهة اللغة الفصحى التي لا تتناسب اطلاقا والجماهيرية المستهدفة.

فكما هو معروف، وعلى ما يبدو، ان سياسة “المنار” كانت تعتمد على جذب المشاهد العربي دون اللبناني وتسعى لارضائه، رغم علمها ان هذا الجمهور يفضّل “ال. بي. سي” وبرامجها التسلوية، على متابعة قضايا “الأمة” الجادة والحادة دوما.

لذا، كانت “المنار” ترّكز على العربية الفصحى من أجل جمهورها السوداني، واليمني، والبحراني، والسعودي، والمصري، والموريتاني والصومالي والجيبوتي…وعلى ديكورات إستديوهات بعيدة عن الذوق اللبناني، وقريبة من الذوق العربي الرسمي الجاف.

هذه التغييرات التي حصلت مؤخرا لا يعني انها طالت البرامج الاساسية في فترة ما بعد الظهر، الفترة التي حافظت على تقليديتها من خلال بعض المذيعات ذوات الأسلوب التقليدي غير المتجدد في الحوار والتقديم، أو من خلال الضيوف الذين يمثّلون بغالبيتهم فئة معينة في المجتمع “الحزب الالهي”.

وبمعنى أوضح، ان فترة ما بعد الظهر والتي يُطلق عليها اسم “حبة مسك” تهتم بعرض أنشطة المؤسسات التي تدور في فلك حزب الله حصرا لجهة العمل الاجتماعي، والصحي، والبيئي، وبأسلوب دعائي بعيد عن اي نقد او تصويب وبحوارات تستنسخ “البروشورات” الدعائية جدا.

لماذا الإشراف الديني على محطة متنوعة وعامة وليست دينية على الاقل كما هي رخصتها؟

وهذا التغيير في فترة الصباح، ان دلّ على شيء فهو يدل على ان مجتمع حزب الله بات ذو وجهين: وجه شبابيّ ضاغط باتجاه “الترييح” بعد ان أثقلته العناوين العربية الكبرى، وهو جوّ له طابعه المحليّ التام، الذي يُعطي صورة عن حزب الله اللبناني حاليّا. ووجه أكثر تقليدية نظرا لسياسته السابقة، ربما قبل العام 2011، عام انطلاقة الثورة السورية ومشاركة حزب الله فيها، والتي كانت كما ذكرت سابقا همّها استهداف الجمهور العربي.

اذ كان الحزب، وهو الأب الرسميّ والشرعي لقناة المنار، يُقدّم المحطة على انها “قناة العرب والمسلمين”، ولكنه تحوّل بعد الثورة السورية وتحولاتها العسكرية الضخمة الى شعار انقلابي هو “وضوح الرؤية”.

اليوم وفي ظل التغيير هذا، يطل الشباب صباحا بوجوه بشوشة، وبلغة عاميّة قريبة الى الناس، وابتسامات مريحة، وموضوعات تهمّ الناس. وهؤلاء الشباب، كما صرّح مدير عام المحطة الجديد ابراهيم فرحات جلّهم من الموظفين القدماء في المحطة في تبرير ذكيّ خوفا من تعليقات هنا وهناك على سياسة الترشيد في ظل الأزمة الماليّة في الحزب.

المنار

وهنا لا بد من القول ان “المنار” في حلّتها الجديدة هذه صارت جزئيّا قناة الناس، حيث نزلت الى مستوى همومهم، فهي تبحث لهم عن عمل، وتعيش معهم، وتشاركهم آلامهم، ولا تنظّر عليهم، وان كانت الى الان لم تفتح الهواء للكلام الحرّ حتى النهاية، وعلى مداه خوفا من انفلات “الملق”، بل لا تزال تعبّر عن الموقف السياسي الخاص بخط الممانعة فقط لاغير وبصوت آحادي واحديّ.

فبعد ان كانت “قناة العرب والمسلمين” بات هؤلاء العرب جميعهم ضدها، ومناهضون لسياستها، ولمواقف حزبها، فكان ان إلتّفت على لبنانيتها وكوعت نحو الداخل، واكتشفت ان خزانها الكبيرهو لبنان، وان مصدر قوّتها هو لبنانيتها.

هذه القناة التي طالما هربنا منها، الا في حال خطاب سياسي بارز وتغطية عمليات المقاومة في الجنوب إبان الاحتلال، لانها وبالعربي المشبرح غير جذابة الصورة، وفي تضاد كليّ مع الحديث الديني الذي يقول “الله جميل يُحب الجمال”. فكانت تطلّ علينا بوجوه إعلامية سواء نسائية او رجالية اقل ما يُقال فيهم انهم “عسكر”.

وباستضافات لشخصيات يمكن القول عنها “يُحيّ العظام وهي رميم”.

لست ضد الاعلام الملتزم، ولكن الاعلام الاسلامي لطالما أثبت فشله في تظهير الجمال، وليس الجمال هو جمال الاجساد بالطبع. بل جمال الافكار والصورة والموسيقى والبرمجة المعاصرة، والتقليل من الترويج للموت، بل للحياة والفرح والانطلاق.

انا شخصيا مع تقديس الشهداء، ولكن ضد الدعوة للموت، لان الوطن والمواطن شبع من هذه الافكار وطفح كيله. فالعوائل تربيّ أبنائها للحياة وليس للموت. فما معنى ان نعد 100 حلقة عن الشهداء في استنساخ للحوار والسيرة، فرغم تميّز الشهداء نجد ان المُعد لا يُكلف نفسه في العمل على التشويق والاثارة في موضوع الشهداء وهو أهم عمل توثيقي يجب تطويره.

والذي يلفت النظر ان قناة “العرب والمسلمين” و”وضوح الرؤية” غفلت عن المسلمين الآخرين واختلافاتهم، وغيّبت فئات عربية كثيرة. فاهتمت فقط بأن جعلت لكل حلقة ضيفا هو عبارة عن “شيخ”. فهل يجب ان يكون الشيخ موجودا في كل تفاصيل عيشنا؟؟ وهل هو عارف بكل شيء؟ ولماذا الإشراف الديني على محطة متنوعة وعامة وليست دينية على الاقل كما هي رخصتها؟ فالصورة تحكي بدل ألف كلمة، كما يقال في الاعلام الالكتروني، فكيف هو الحال في الاعلام المرئي؟

السابق
قزي:الحكومة نزعت صاعق عرسال من خلال قرار تكليفها الجيش
التالي
ميشال عون أخطر من حزب الله على لبنان