إلى عون وجعجع

كسرت دائرة الحراك السياسي في الأيام الاخيرة، حال المراوحة في الروتين السائد، وفتحت كوة ولو صغيرة في جدار الاستنقاع الذي يخنق المواطنين ويعمّق أحاسيسهم بالإحباط واليأس وتحديداً على المستوى المسيحي، الذي يراوح منذ اعوام في الانقسامات والتشظي ما انعكس سلباً ليس على البيئة السياسية المسيحية فحسب، بل على علاقة المسيحيين بالدولة المشلولة ومشروعها المعطّل.

 

 

واذا كانت زيارة الدكتور سمير جعجع المفاجئة للجنرال ميشال عون، وإذاعة “إعلان النيات” الذي خلصت اليه المحادثات التحضيرية بين الجانبين، قد فتحت صفحة من الاستبشار بالخير وإعادة بصيص من أمل في ما كان ميؤوساً منه منذ زمن بعيد، فإن اجتياز نصف الطريق الى حركة تصحيحية كاملة للوضع السياسي المسيحي المنقسم والمتصارع، كافية لإيجاد دينامية في الدورة السياسية على المستوى الوطني العام.
ليس من الحكمة استعجال الأمور وشراء السمك في بحور العونيين والقوات التي تتصادم فيها تيارات وطموحات ومشاوفات شخصية، ولكن من الضروري التصفيق للزيارة وللدكتور جعجع خصوصاً الذي أجرى هذا الإنزال المريح في الرابية، وكذلك للجنرال عون الذي بدا مرتاحاً وسعيداً فيما كانت يد الحكيم تستقر فوق كتفه تعبيراً عن ود مكنون وجد الفرصة أخيراً للظهور علناً!

 
محتوى “اعلان النيات” لجهة الشأن الوطني العام، أكّد ما كان معروفاً عن حتمية تقارب موقف الطرفين من الملفات الاساسية المتصلة بالنظام السياسي: ضرورة احترام الدستور وأهمية التطبيق الأمين لاتفاق الطائف وإقرار قانون منصف وعادل ونزيه للانتخاب يترجم روح الديموقراطية، وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بما يساعد على انتظام عمل الدولة وتحريك مؤسساتها، وإعطاء المغتربين اللبنانيين حقهم المشروع في الجنسية!
ليس من الضروري استعجال استخلاصات مشكّكة كما فعل البعض، فلا عون اقترب كثيراً من مساحة “القوات” بما يبعده ولو قليلاً عن “حزب الله”، ولا جعجع تماهى في اقترابه من “التيار الوطني الحر” بما يبعده ولو قليلاً عن “المستقبل”.

 
لكن ما هو أهم من كل هذا، ان يكون واضحاً وجلياً لدى عون وجعجع على السواء، ذلك ان لقاءهما اليوم ومضيّهما غداً في طريق التفاهم والتعاون، ليسا ضروريين وملحّين لإعادة ترتيب الساحة المسيحية في هذه المرحلة الدقيقة فحسب، بل هما ضروريان أكثر لإعادة ترتيب الحياة السياسية الوطنية، فلقد مضيا بعيداً في طريق جعل الشركاء الآخرين في الوطن ينظرون الى المسيحيين وكأنهم رقم مضاف ومرجح في السياسة وهم اصلاً مكون استقطابي اساسي في البلد.
يجب ان يكون واضحاً عند عون وجعجع بعد الآن ان تفاهم المسيحيين يمثّل عنصراً مهماً يفرض على الشركاء الآخرين في الوطن شيعةً وسنّةً، صوغ حساباتهم بعيداً من الغلو في المراهنة على الخارج لأن التوازن الوطني يستعيد دوره… واضح؟

(النهار)

السابق
إسرائيل بين «حزب الله» و«جيش الإسلام»
التالي
امتحانات الشهادة المتوسطة انطلقت في المحافظات