نحو مجلس وطني حقيقي للبيئة في لبنان

قليلون في لبنان، ربما، هم من يعرفون كم سنة من العمل والمطالبة والضغط والتحرك كانت ضرورية، لكي يتم إقرار قانون لحماية البيئة. وكم مرة وضعت مسودات لهذا القانون، وكم مرة جرى إعادة وضعها، إلى أن حصل هذا الإنجاز العظيم في العام 2002، حين صدر القانون الإطاري لحماية البيئة رقم 444 بتاريخ 29 تموز 2002. وحينها جرى التأكيد على ضرورة الإسراع في وضع المراسيم التطبيقية لهذا القانون، بهدف حسن تنفيذه، والانطلاق في ورشة حماية البيئة، وتصحيح ما حل بها من خراب وتدمير وتلويث.

 

وصدر المرسوم رقم 8157 بشأن تأليف المجلس الوطني للبيئة، وتحديد مهامه وتنظيمه، بموجب المادة السادسة لقانون حماية البيئة، ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 أيار 2012، أي في مثل هذه الأيام منذ ثلاثة أعوام، وبعد ما يقارب العشر سنوات على صدور القانون الإطاري لحماية البيئة. يومها فرح اللبنانيون، ولا سيما البيئيون، الذين يقلقون فعلا على ما آلت إليه بيئة بلدهم الجميل، من تدمير وتلويث، وما يحيط بالسياسات البيئية الرسمية، الممارسة في الواقع، من شوائب، ومخالفات. وعلى الهدر المقصود لموارد البلد الطبيعية، ولحقوق شعبه العامة، في غاباته، وجباله، وشواطئه، وأملاكه العامة البحرية والنهرية، ومشاعاته، ومياهه. وما يرافق ملفاته البيئية الساخنة من فساد وهدر وسوء إدارة، بحيث أصبحت معظم المشاريع، التي يقاتل بعض السياسيين من أجلها، وتمررها الحكومة، غالبا دون مراجعة معمقة، ودون الأخذ برأي الخبراء الموضوعيين، تنتمي إلى مدارس بائدة بالتنمية، وتم التحقق واقعيا من آثارها المدمرة على البيئة.

 

يومها قلنا، وقال البيئيون الحريصون، الآن وقد اصبح في لبنان مجلسا وطنيا للبيئة، سوف نشهد ورشة لا تستكين، من العمل على وضع الاستراتيجيات والسياسات البيئية السليمة، ولإدماج المفاهيم البيئية في سياسات القطاعات الإنمائية كافة، أي في العمران، ومد الطرق، ومشاريع الكهرباء والطاقة، ومشاريع المياه، وإدارة النفايات بكل أنواعها، وبالتنمية الصناعية والزراعية والسياحية… وغيرها… وقد تفاءلنا خيرا بمتابعة حثيثة ومستمرة للاتفاقيات البيئية الدولية، وتكييف تشريعاتنا الوطنية على ضوء التزاماتها ومضامينها. وكذلك أيضا في تقييم النتائج البيئية للمشروعات، وأخذ موضوع تقييم الأثر البيئي مأخذ الجد، والخروج من اعتباره ممرا شكليا، لا يلزم أحدا بشيء، دون متابعة تنفيذ التزاماته، في كل مراحل المشاريع، مرحلة التخطيط، والبناء، والتشغيل، والتفكيك…

 

وقد تملكتنا حينها الآمال في تطوير التشريعات البيئية، وتحديثها، واستكمال المراسيم التطبيقية لقانون حماية البيئة، بحيث يرتفع مستوى الحماية والوقاية والرقابة والتحكم، بكل ما يشوب بيئتنا من مشاكل وتعديات. ويومها سبحنا في بحر من الأحلام، بأن نرى بلدنا الجميل، وقد برؤ من كل ما تعرض ويتعرض له من جرائم وتخريب بيئي. وقد تفاءلنا خيرا بما تضمنه هذا المرسوم، فيما يتعلق بتركيب المجلس الوطني، فكل الوزارات المعنية لها ممثل منتدب، وكذلك المنظمات المهنية، والقطاع الخاص.

ولا ننسى الفرحة، التي اعترتنا لتمثيل الأكاديميا، والمجتمع المدني البيئي، من خلال تمثيل تجمع لمنظات بيئية لا تبغي الربح. واكتملت فرحتنا حين شمل المرسوم مادة تحدد طريقة عمله، إذ أنه ينبغي أن يعقد مرة كل شهر على الأقل، وحين تدعو الحاجة. ففي الحقيقة هناك مهام كبيرة على هذا المجلس القيام بها، ومن الطبيعي أن تكون وتيرة عمله عالية جدا، وفعالة ومنتجة. لن نناقش هنا ما اعترى هذا المرسوم من ثغرات، تحتاج إلى تصويب وتعديل، وخصوصا في مادته السادسة، التي تقول، ويا للعجب، بالسرية المهنية.

 

تخال نفسك، وأنت تقرأ مضمون هذه المادة، أمام مجلس للأمن القومي، أم خلية لمتابعة نشاط الاستخبارات المعادية على أرضنا، وما تحيكه من مؤامرات على أمننا وسلامة أراضينا، وهناء عيش شعبنا. وعلى الرغم من أن هذا المرسوم، هو مرسوم تطبيقي لقانون حماية البيئة، فإن المادة السادسة منه تتعارض كليا مع جوهر أحد أهم مباديء هذا القانون، الذي يقول بحق المواطن اللبناني بالاطلاع، والحصول على المعلومات المتعلقة بالبيئة.

 

 

وهي تتعارض طبعا، مع اعتبار البيئة وحمايتها، قضية وطنية، تهم كل المواطنين بمسؤولية عالية، وشفافية لا تشوبها “سرية مهنية” مدَّعاة، ليست هنا في موقعها، ولا في مقامها الصحيح والمناسب. واليوم ونحن نستذكر صدور هذا المرسوم في عيده الثالث، ونحاول أن نجري جردة حساب، ماذا حقق، وماذا ظهر لعمله من نتائج، على اعتبار أن مداولاته سرية، ولا يمكن لأحد الاطلاع عليها. وإذا اعتمدنا تقييم النتائج الواقعية، أي ما حققته البيئة من إنجازات، يمكننا بكثير من الموضوعية، أن نخلص إلى القول، أن البلد هو اليوم بحاجة ماسة إلى مجلس وطني حقيقي للبيئة، يتشكل من المنظمات البيئية غير الحكومية، ومن الأكاديميا، والمهنيين، والخبراء والاختصاصيين بالعلوم المرتبطة بشؤون البيئة، ليحاول أن يقوم بما تخلف غيره عن القيام به.

(greenarea)

 

السابق
زراعات بديلة في مروحين بعد التحرير
التالي
«البهائيّة في إيران» لسعيد زاهد زاهداني