بين تمديد وتوريث.. وانتخابات شكليّة: الديمقراطيّة الحزبيّة في لبنان إلى أين؟

قاسم قصير

شهدت بعض الاحزاب اللبنانية مؤخراً تطورات داخلية بشأن انتقال مسؤولية هذه الأحزاب إلى قيادات جديدة إما بالتوريث او من خلال اجراء انتخابات شكلية ، في حين ان أحزاباً اخرى تفضل التمديد لقياداتها منذ سنوات طويلة دون الحاجة الى عقد مؤتمرات عامة أو من خلال اجراء انتخابات داخلية، ولو كانت شكلية.

فعلى صعيد الحزب التقدمي الاشتراكي والقيادة الجنبلاطية، بدأ تيمور نجل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، بتسلّم مسؤوليات والده في إدارة شؤون الحزب والاهتمام بالأوضاع العامة دون إجراء انتخابات حزبية أو حصول عملية تسلم أو تسليم معلنة.

 

أما على صعيد حزب الكتائب اللبنانية، فقد أعلن رئيس الحزب الشيخ أمين الجميّل، نيته بعدم الترشح لرئاسة الحزب في المؤتمر الدوري الذي يعقده الحزب في شهر حزيران الحالي، ما سيمهد لوصول نجله النائب سامي الجميّل لرئاسة الحزب.

وتتحدث بعض المعلومات عن استعداد النائب سليمان فرنجية لتوريث نجله طوني رئاسة تيار المردة وموقعه النيابي.

وفي حركة أمل تم منذ شهرين التمديد للرئيس نبيه بري وهيئة الرئاسة في قيادة الحركة بعد عقد المؤتمر العام للحركة.

ويستعد الحزب الشيوعي اللبناني لعقد مؤتمره العام، وقد تحدثت بعض المصادر عن نيّة الأمين العام للحزب الدكتور خالد حدادة لتجديد ولايته بعد تغيير النظام الداخلي للحزب، والذي يمنع التجديد لأكثر من ولايتين، مع ان حدادة لم يؤكد هذه المعلومات.

 

فماذا يجري داخل الاحزاب اللبنانية؟ وما هي حال الديمقراطية الحزبية في لبنان؟ وهل هناك ديمقراطية حقيقية على صعيد الأحزاب في لبنان؟

 

أوضاع الأحزاب اللبنانية

تعاني الأحزاب اللبنانية من أزمات داخلية عديدة بسبب عدم وجود حياة حزبية حقيقية في لبنان، وتحوّل العديد من هذه الأحزاب إلى إمارات خاصة بقيادة عائلية أو شخصية، وحتى الأحزاب التاريخية التغييرية التي قدّمت نفسها كأحزاب علمانية أو ديمقراطية أو تغييرية، فقد واجهت العديد من الأزمات والانقسامات وفقدت دورها أو تراجعت عن مشروعها التغييري.

وفي مراجعة سريعة لواقع بعض الاحزاب اللبنانية، يمكن تسجيل المعطيات الآتية: لم يشهد الحزب السوري القومي الاجتماعي تغييراً في قيادته منذ تولي الوزير أسعد حردان رئاسة الحزب، في حين أن هذا الحزب كان يتمتع بحيوية كبيرة سابقاً. أما حزب الله، فقد مدد لقيادته منذ سنوات طويلة، ولم تعد تجري انتخابات داخلية فيه، والأمين العام الحالي السيد حسن نصر الله، مستمر بموقعه منذ 23 سنة.

والحزب الشيوعي اللبناني يعاني من أزمة كبرى، وقد تراجع دوره وضعفت فعاليته، وهناك أحزاب يستمر قادتها في رئاستها منذ نشوء الحزب أو منذ وصول الرئيس للرئاسة، كحزب الوطنيين الأحرار برئاسة دوري شمعون، والحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة النائب طلال ارسلان، وحركة التوحيد الإسلامي برئاسة الشيخ بلال شعبان، والأمانة العامة لقوى 14 آذار، التي يتولاها النائب السابق فارس سعيد. أما تيار المستقبل، فتتولى قيادته عائلة الحريري.

 

فالرئيس هو الشيخ سعد الحريري، والأمين العام هو أحمد الحريري، ونادر الحريري مستشار سعد ومسؤول مكتبه، والسيدة بهية الحريري تتولى موقع النيابة ولها دور أساسي في قيادة التيار. أما حزب الكتلة الوطنية، فهو لم يعد له أية فعالية سياسية منذ رحيل مؤسسه النائب ريمون إدّه وتولي ابن شقيقه كارلوس إدّه رئاسة الكتلة. وأما التنظيم الشعبي الناصري فالرئاسة لآل سعد (معروف ومصطفى وأسامة)، ورئاسة حركة الشعب يتولاها منذ تأسيسها النائب السابق نجاح واكيم. ويستأثر الوزير السابق عبد الرحيم مراد برئاسة حزب الاتحاد والعميد مصطفى حمدان برئاسة حركة الناصريين – المرابطون، ويستمر محسن إبراهيم في موقع الأمانة العامة لمنظمة العمل الشيوعي، رغم توقف المنظمة عن النشاط منذ سنوات طويلة.

وقد تكون هناك استثناءات قليلة لدى بعض الاحزاب الوطنية أو الإسلامية التي تُجري انتخابات دورية أو تعقد مؤتمراتها علناً.

 

الديمقراطية الحزبية غائبة

ومن يتمعن في واقع الاحزاب اللبنانية، وخصوصاً تلك التي تطالب بالديمقراطية والتغيير السياسي، يلاحظ غياب الحدّ الأدنى من الديمقراطية، إن كان على مستوى النقاشات الداخلية، أو كيفية إجراء الانتخابات، أو على صعيد محاسبة القيادة على أدائها، أو لجهة الكشف عن مصادر تمويلها وموازنتها المالية. ووصل الأمر أيضاً إلى الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات والمؤسسات الثقافية وبعض الهيئات الدينية التي أوقفت إجراء الانتخابات فيها منذ 40 عاماً، كالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي أجرى آخر انتخابات عام 1975.

 

وبعض هذه الأحزاب يتحجج بظروف الحرب أو طبيعة الأوضاع الأمنية والسياسية، لكن ما يجري داخل الأحزاب اللبنانية من غياب الديمقراطية الحقيقية يعبّر عن عمق الأزمة السياسية التي يواجهها لبنان والتي تنعكس على كل الواقع السياسي من خلال التمديد للمجلس النيابي وعدم إجراء انتخابات رئاسية.

 

وكل هذه الأوضاع تؤكد الحاجة لتغيير النظام السياسي اللبناني نحو نظام غير طائفي قائم على النسبية والمواطنة وإلغاء كل ما يتعارض مع الديمقراطية الحقيقية، إضافة إلى الحاجة الى قانون جديد لتنظيم الأحزاب السياسية يحقق استقلاليتها وشفافيتها ويسهم في تطبيق الديمقراطية الحقيقية في داخلها.

(الامان)

السابق
«عضاضات» داعش.. يجعلن الضحية تبكي من شدة الالم؟!
التالي
خامنئي يطوي الملف النووي ويُطلق الحرب على «التطرّف»