مقاومة لبنان التي أفشلت أهداف إسرائيل

نتنياهو ليعلون: أنت بحاجة لإصلاح «هآرتس»

ظلّ لبنان على مدى العقود الأربعة الأخيرة حاضراً بشدّة تزداد أو تقلّ تبعاً للظروف لكن بشكل متواصل. ورغم أن حضور لبنان كان قائماً منذ نشأة الفكرة الصهيونية، وخصوصاً لجهة المطامع في المياه، إلا أن هذا الحضور تكثّف وبشكل عميق مع ظهور المقاومة. فقد نقلت المقاومة لبنان من الأرض التي كان الجيش الإسرائيلي يعتقد أن بوسع فرقة عسكرية احتلاله، والدولة الثانية التي ستوقع اتفاقية السلام مع الدولة العبرية، إلى أرض الخطر الأكبر. وليس صدفة أن تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية تتعامل مع لبنان، وتحديداً مقاومته، بأنها الخطر الأكبر على إسرائيل في الظروف الراهنة.
ويتفنن القادة الإسرائيليون في إظهار مقدار الخطر الذي يمثله حزب الله، بما يمتلكه من قدرات صاروخية استراتيجية براً وبحراً، وبالخبرات التي راكمها. ولا يتوقف الأمر عند حديثهم عن مدى صواريخ حزب الله التي تغطي كل نقطة في أرض فلسطين المغتصبة، وإنما تتعدّاه للحديث عن دقة هذه الصواريخ وعن الكفاءة القتالية لرجـــاله. وفي هذا السياق، وربما للمــــرة الأولى في تاريخ الصراع صار في ذهن الإسرائيليين أنه في الحرب المقبلة لا أحد يستبــــعد أن يــــبادر حزب الله إلى اجتياح مســــتوطنات إسرائيلية على الحــدود واحتلالها.

 

ومن المؤكد أن إظهار الخطر على هذه الشاكلة لا يتناسب، من جهة أخرى، مع ما يشير إليه قادة الجيش والحكومة في إسرائيلية من نجاح في ترسيخ معادلة ردع. وهكذا بعد احتلال مستمر للجنوب اللبناني على الأقل منذ اجتياح الليطاني إلى الانسحاب من الشريط الحدودي قبل خمسة عشر عاماً تناسى رئيس الحكومة الذي قرر الانسحاب، إيهود باراك، كل أهوال الاحتلال ليعلن «الانتصار» وينسحب. وفي حينه فسّر كثيرون ما جرى، خصوصاً في ظل مظاهر الإذلال التي رافقت انسحاب الجيش الإسرائيلي من تخلٍ عن «حلفاء» ومُعَدات ومواقع وهروب على عجل وفي عتمة الليل، بأنه تراجع في ظل ادعاء بتحقيق الأهداف.

 

والواقع أن أياً من الأهداف الصغيرة والكبيرة لم تتحقق لإسرائيل من احتلالها للجنوب اللبناني. يشهد على ذلك ما تعلنه حالياً من وجود أخطار متراكمة وتحول لبنان إلى الجبهة الأشد خطراً. فلم تُسحَق المقاومة وإن تغيرت مسمياتها، ولم يُضمن الهدوء للجليل كما لم تُضمن سلامته، والأهم لم يتحقق هدف تحويل لبنان إلى بوابة تغيير استراتيجي في كل المنطقة. المفارقة أنه غدا الجدار الذي يرفض أن تُقام بوابة عليه تفتح باتجاه إسرائيل.

ومن المؤكد أن حرب لبنان الثانية، أو عدوان تموز 2006، وفّرت الترجمة الفعلية لفشل المشروع الإسرائيلي في لبنان. صحيح أن إسرائيل طوّرت نظريتها القتالية وصولاً إلى «عقيدة الضاحية» التي تقوم على فكرة الإفراط في استخدام القوة بشكل يظهر انعدام التناسب وبما يفرض نظاماً جديداً للردع. ولكن الصحيح أيضاً أن المقاومة أفلحت في تجسيد عقيدتها القتالية القائمة على أساس توفير قدرات حربية ضاغطة على العمق الإسرائيلي وقادرة على إطالة المعركة بشكل يلغي مبدأ الحرب القصيرة التي قامت عليها نظرية الحرب الإسرائيلية. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه في لبنان صارت تعجز عن تحقيقه حتى في قطاع غزة.

 

وإذا كانت حرب لبنان الثانية استمرّت 34 يوماً وحرب غزة الأخيرة استمرّت 51 يوماً فإن الانطباع الناشئ في إسرائيل هو خوف حقيقي من حرب طويلة وفتاكة مع «لبنان الثالثة». ولذلك فإن الادعاءات التي يطلقها قادة حرب لبنان الثانية الإسرائيليون لإثبات أنها حققت أهدافها، وبينها الهدوء الطويل على الجبهة اللبنانية، لا تجد سوقاً واسعاً لها في الحلبة الإسرائيلية. وفي نظر المعلقين الإسرائيليين لا ينبع الهدوء من خوف المقاومة من القوة الإسرائيلية بقدر ما ينبع من حقيقة وجود ردع متبادل أساسه أيضا خوف إسرائيل من قوة حزب الله وقدراته. ويضيف آخرون أنه في السنوات الأخيرة أضيف لأسباب الهدوء سبب انشغال حزب الله في الحرب الأهلية السورية.

 

في كل حال، ورغم عقد ونصف على الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني وتسع سنوات على عدوان تموز، يصعب على الإسرائيلي التخلص من عقدة لبنان. ومن الجائز أن في نفس كل إسرائيلي جرحاً غائراً يرفض أن يُشفى أساسه في لبنان. فلبنان ناقض التصورات الإسرائيلية الأساسية وأظهر نموذجاً مختلفاً تخشى إسرائيل بشكل جدّي تمدّده وانتشاره. وقد أوضح هذا النموذج مرة واحدة وإلى الأبد أن ما يُقال عن «الجيش الذي لا يُقهر»، ليس أكثر من أسطورة. فقد تبدّت إسرائيل طوال عقود تعاملها مع لبنان عاجزة عن ترسيخ إرادتها وفرض الاستسلام عليه. وكان لبنان الدولة العربية الوحيدة التي انتفضت على اتفاقية 17 أيار وأسقطتها وأوجدت بديلاً مختلفاً للتعاطي مع إسرائيل.

 

في فيلم وثائقي عرضته القناة العاشرة الإسرائيلية وتضمّن مقابلات مع كل من رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي ونائبه موشي كابلينسكي يعترف الاثنان، وهما من جيل الضباط الذي نشأ وترعرع في لبنان، وهما ينظران من بعيد إلى جبال لبنان وتلاله أنه «على كل تلة تراها فقدنا رجالاً». وفي نظر الاثنين فإن تجربة احتلال لبنان والحرب، خصوصاً الأخيرة، ليتها تُنسى. ويقول غابي أشكنازي: «لم أخسر في لبنان شيئاً سوى رفاقي». المشكلة في نظر الاثنين، كما في نظر أغلبية الإسرائيليين، ليست في ما مضى وإنما أيضاً في الخشية من حرب لبنان الثالثة التي يرون أنها محتومة.

(تقديم وترجمة حلمي موسى-السفير)

السابق
موقع «ديبكا» الاسرائيلي: وحدة أميركية تساعد «حزب الله» في القلمون
التالي
حكمة علي وشعرة معاوية