باحثون في الذكرى 99 للاتفاقية: المنطقة ستبقى في «عصر» سايكس–بيكو

أجمع باحثون سياسيون أن منطقة الشرق الاوسط ستبقى تعيش في “عصر” اتفاقية “سايكس – بيكو” والحدود التي أرستها منذ عام 1916 على الرغم من ظهور تنظيمات “غير دولتية” وعابرة للحدود الوطنية مثل “داعش” و”حزب الله”.

وشدد الباحثون، في ردهم على تساؤل مراسل “الاناضول” بمناسبة مرور 99 عاما على توقيع اتفاقية سايكس – بيكو، حول ما اذا كان التفتت والاضطراب الذي تشهده المنطقة والقتال العابر للحدود من قبل “حزب الله” و”داعش” هو أمر عابر أم أنه أنهى بالفعل الاتفاق ومفاعيله؟، على أن أي ترسيم جديد لحدود المنطقة يحتاج الى ارادة دولية غير متوفرة في الوقت الراهن.

ووقعت كل من بريطانيا وفرنسا الاتفاقية السرية في حينه ممثلتين بالدبلوماسيين الفرنسي جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس في 16 مايو/ أيار 1916، حيث حصلت فرنسا على سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق، بينما ترك العراق وتحديدا بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا لبريطانيا، التي حصلت ايضا على السيطرة على فلسطين، وذلك بعد ان ثبّتت عصبة الامم مضمون اتفاق “سايكس – بيكو” في اقرار مبدأ الانتداب.

وفي هذا السياق، رأى الباحث السياسي والمرشح لنيل الدكتوراه من كلية التاريخ بجامعة جورج تاون الأمريكية، مكرم رباح، أن “قيام تنظيم داعش بإحراق جوازات السفر وازالة السواتر الترابية على الحدود السورية – العراقية لم يساهم الا في تقوية الشعور الوطني والقومي لدى شعوب المنطقة”.

وأشار رباح أيضا إلى ان “تدخل حزب الله كذلك في الساحات العربية بحجة ان كل الساحات ساحة واحدة (بحسب خطاب أمينه العام حسن نصرالله)، أدى كذلك الى تقوية الشعور الوطني عند اللبنانيين بدلا من القبول بفكرة الدولة العابرة للحدود”.

ولفت الباحث إلى أن القتال الجاري في منطقة القلمون السورية الحدودية مع بلدة عرسال اللبنانية وانتشار الجيش اللبناني هناك “يجسّد مثلا بسيطا كيف ان اهل عرسال في لبنان اليوم صاروا اليوم ولأول مرة يعون بالضبط اين هي حدود لبنان الشرقية بعدما كان الموضوع امرا ثانويا طوال السنين الماضية”.

وأضاف أنه “من الامثلة التي تؤيد ذلك، انه حتى حين تدخل الجيش السوري في لبنان وتواجد على ارض لبنان طوال ثلاثة عقود تقريبا (1975 – 2005) فإن ذلك لم يؤد الى تمييع الهوية الوطنية اللبنانية وتحقيق حلم (الرئيس السوري الراحل) حافظ الاسد بضم لبنان”، مشددا على انه “على العكس من ذلك، زاد اللبنانيون من ادراكهم لهويتهم”.

ولفت الى ان “الحديث عن حدود سايكس – بيكو بأنها مجرد حدود ترابية واهية صحيح لو كنا في العام 1916، لكن بعد 100 سنة تقريبا من الممارسة السياسية لهذا الاتفاق صارت هذه الحدود حقيقة واقعية”.

ورأى أنه “نتيجة لذلك فإن تنظيمات مثل حزب الله وداعش هي حالات عارضة في المنطقة”.

وأضاف أن “محاولة تدمير نتائج سايكس – بيكو لن تنجح لأكثر من سبب”.

وحول تلك الأسباب، أوضح: “أولا، لأن الدولة الاسلامية نفسها (أعلنها “داعش” نهاية يونيو/حزيران الماضي) اعلنت كدولة ولم تذهب بعيدا في ضم كل الحدود والدول، وهي ان صح التعبير اوجدت لها مكانا ضمن تقسيمات سايكس – بيكو ولم تلغه، ثانيا، صحيح ان حزب الله يقاتل في كل الساحات نيابة عن ايران، لكن ايران نفسها لا تريد إلغاء الدول والحدود في المنطقة، ثالثا، ان فكرة الحدود باتت راسخة وأي افكار سياسية او طروحات للتسوية في المنطقة ستنطلق من تثبيتها، ذلك ان فكرة الدولة الحديثة تقوم اليوم على مقومات هي: الشعب واللغة والحدود”.

واشار رباح الى سبب رابع وهو ان “مارك سايكس وجورج بيكو لم يرسما هذه الحدود من العدم، بمعنى انهما وضعا الاتفاقية لتقاسم النفوذ صحيح، لكنهما اخذا بالاعتبار الى حد كبير مكونات الشعوب والجغرافيا وبالتالي فإن سنين من الاستعمار لا يمكن ان تلغيها الميليشيات”.

وشدد على ان “أي قرار بإعادة رسم الحدود والتقسيم في المنطقة يحتاج الى قرار دولي كبير وهو امر انتهى مع انتهاء الحرب العالمية الثانية (عام 1945)، خصوصا ان فكرة نقل السكان (Transfer) لم تعد ممكنة الآن، وهي اساسية في عملية اعادة رسم الحدود”.

وخلص الباحث إلى أننا “سنبقى في عصر سايكس بيكو. قد تكون الدول التي خلفها الاتفاق هشة لكنها هشة أمنياً، وهذا لا يشمل الشعور الوطني الذي سيبقى قويا”.

وفي هذا الاطار، قال الاستاذ والباحث الجامعي اللبناني زياد ماجد، “لا أظنّ أننا اليوم أمام نهاية مشرق سايكس -بيكو. ولا أظنّ أن ثمة إرادات دولية تريد التقسيم أو إعادة تشكيل الخرائط، كما لا أعتقد أن لهكذا إرادات إن وُجدت أصلاً القدرة على فرض ما تريد في مرحلة تتعدّد فيها الأحلاف وتتبدّل موازين القوى والأولويات”.

لكن ماجد في الوقت نفسه رجّح ان تكون المنطقة “أمام لحظة تأسيسية جديدة، تماماً كما كانت حقبة الحرب العالمية الأولى(1914-1918) وما تلاها من مرحلة تأسيسية”، مضيفا ان ما يحصل حاليا “قد يؤدّي الى تبدّلات كبرى، لكن قد تبقى تعديلاتها في المقابل ضمن ما يُسمّى “الحدود الوطنية” بعد إعادة تشكيل السلطات فيها وتوزيعها وفق معادلات جديدة ترتسم في ميادين المواجهات القائمة كما في مسارات التسويات المقبلة”.

واضاف انه “بهذا المعنى، يمكن القول اليوم إن سوريا والعراق ولبنان تدخل في مرحلة جديدة ما زالت أكثر معالمها غامضة، ويبدو العنف أكثر ما فيها وضوحاً حتى الآن، يماثله في ذلك التهجير والتبدّلات الديموغرافية المؤقّتة، التي يصعب ألا يكون لها آثار في المستقبل”.

وحذّر ماجد من أن التهجير الداخلي لأكثر من ثلاثة ملايين عراقيّ بانتقالهم القسري من منطقة الى أُخرى رقّع “التعايش” المذهبي والقومي في العراق، وأن يتهجّر داخلياً أو ينزح نحو الخارج أكثر من عشرة ملايين سوري، أي أكثر من 40 % من سكان سوريا، وأن يُصبح ثلث القاطنين في لبنان تقريباً من اللاجئين الفلسطينيين والسوريّين ممّن يعيش القسم الأكبر منهم في ظروف صعبة، ففي الأمر من التمزّق السياسي والاجتماعي-السياسي الكثير الذي ستتطلّب معالجته وقتاً طويلاً، حتى بعد توقّف القتال”.

من جانبه، قال الباحث في شؤون الامن في مركز كارنيغي للسلام، ماريو أبو زيد، إنه “لا يمكننا القول بأن ما يحصل في المنطقة امر عابر، لكن في الوقت نفسه لا يمكن القول إن اللاعبين غير الدولتيين non-state actors مثل “داعش” و”حزب الله” يمكنهم ان يغيروا حدود سايكس – بيكو”.

وحمّل أبو زيد السلطات الحاكمة في الدول التي نشأت بفعل اتفاقية سايكس – بيكو مسؤولية التفتيت والاضطرابات الحاصلة حاليا، ذلك ان “هذه الانظمة السياسية التي حكمت هذه الدول لم تأخذ بالاعتبار معالجة الهواجس الطائفية والاثنية داخل كل دولة وبالتالي لم تعمل بطريقة من شأنها أن تؤدي الى سمو العامل الوطني والهوية الوطنية على الانتماءات الطائفية والاثنية”.

ولفت الى ان “الجماعات مثل “داعش” و”حزب الله” و”القاعدة” تملك فكرا ايديولوجيا ودينيا يتخطى الحدود الجغرافية للدول حيث لا اعتبار لفكرة الدولة والمواطنة، والعامل الاساسي المحرك لها هو الفكر الديني لا بل اسوأ من ذلك، وهو العامل المذهبي المتطرف حيث نرى جماعات سنية تتبع المذهب الوهابي بكل اصوليته، بينما يتبع “حزب الله” المذهب الشيعي الاثني عشري الى اقصى تطرفه المتمثل بولاية الفقيه”.

وحذّر من أن “خطورة هذه الايديولوجيا المذهبية انها تقضي على كل عوامل التفاهم والتفاعل المشتركة بين المجموعات الطائفية والاثنية لشعوب المنطقة داخل كل دولة وهي تركز على عوامل العزلة والانفصال لعزل هذه المجموعات عن محيطها”.

واكد ابو زيد ان “هذا لن يشكل خطرا على تقسيمات سايكس بيكو التي رسمت في القرن العشرين ذلك ان المجتمع الدولي لن يقبل ولن يسمح بإعادة تفكك هذه الدول”.

وشدد على ان “اللاعبين غير الدولتيين مثل حزب الله وداعش لن يكونوا قادرين على الاستمرار على المدى الطويل”، موضحا انه “حين تعطي الدول الحاكمة مجددا الاولوية للعامل الوطني فستنتهي هذه الحركات مع ايديولوجياتها المذهبية الانعزالية”.

(السبيل)

السابق
داعش يعلن تحرير 27 لبنانيا من سجن تدمر بينهم 5 مسيحيين مسجونين منذ أكثر من 35 سنة
التالي
نحن معه ونعرف أنه قاتل