أسئلة عربية وأساطير فارسية ‎ لا تجيب عليها

ايران
تختزل الأسطورة حلم التوسّع الإيراني في عصرنا الحالي، فبعد أن وقفت إيران على تلة ثورتها الإسلامية، تحينت لحظة مغيب البديل في الجوار، أطلقت رمحها، ، فعبر كابول وإسلام آباد والتف نحو بغداد ودمشق وبيروت، وعرج صوب الكويت والمنامة ومسقط وصنعاء فالخرطوم فالقاهرة.

تحكي إحدى أساطير الأدب الشعبي الفارسي عن خلاف نشب بين الشقيقين كيكاوس وكيارش على الحكم بعد وفاة والدهما الملك كيقباد. بعد الإصغاء إلى نصح قادة الجيش وافق كيكاوس على اقتطاع جزء من إيران لشقيقه. ولتحديد مساحة تلك المملكة طلب كيكاوس من كيارش أن يرمي بسهم من أعلى تلة، وتكون المساحة التي يعبرها الرمح مملكته. لجأ الأخ الأصغر إلى حيلة ذكية، فصنع سهمه من الزئبق والذهب الخالص، وانتظر إلى أن غابت الشمس فرماه، فانجذب السهم نحو الشمس، وعبر أراضي آذربيجان بأكملها، فاستوى كيارش ملكا على عرشها رغماً عن أخيه.

وإذا كان الصراع في الأسطورة بين طرفين تجمعهما رابطة الدم، على إرث عائلي مشترك، فالصراع الذي أرساه التوغل الإيراني في المنطقة هدفه تفكيك الروابط والارتباطات بين شعوبها، كي لا يبقى غيرها وريثا شرعيا للمنطقة. ولا تخجل إيران من إعلان هذه النوايا، بل يتبجح كبار مسؤوليها، على مسامعنا بتمدد نفوذهم، ويثمنون تجربة حزب الله اللبنانية بمداها الطائفي لا الوطني، ويسعون إلى استنساخها في عواصم الأزمات.

إيران اليوم، تختلف عن إيران الثورة، فقد اكتسبت حكمة وعبرة من حربها الدامية مع العراق. فتخلّت عن الخمينية الراديكالية في تنظيم شؤونها الداخلية، والمخاطرة بعسكرها وأمنها، لكنها لم تعفِ تمددات ثورتها منها. لذلك فضّلت شراكة تجزيئية ملتبسة مع محيطها العربي، مدفوعة بأنما تملكه من ثروات ومقدرات اقتصادية وعلمية وديبلوماسية يسمح لها بأن تطرح نفسها لاحقا، الناظم لشؤون المنطقة، وهو الدور الذي حظيت به في عهد الشاه وتحاول استرداده اليوم.

إيران اليوم، تجهد في الاستفادة من خلال المواسم قبل أفولها، وتملأ سلالها على آخرها، لتبيع في الغد بسعر يناسبها، أو تظن ذلك. تحرّك أحجار الشطرنج بخفّة وحنكة مخافة غدر الأعداء أو الوقوع في فخ الغرور بإنجازاتها. من التنسيق العلني والوقح مع الولايات المتحدة الأمريكية -الشيطان الأكبر سابقاً – في معركة تحرير محافظة تكريت العراقية، إلى الحفاظ على الود والتنسيق مع جارها التركي رغم دوره المناوئ لها في سوريا، وخصوصاً في معركة الساحل السوري. وما سبقهما من إنجاز ديبلوماسي مشهود للمدرسة الإصلاحية، بتوقيع إطار الإتفاق حول البرنامج النووي الإيراني رغم معاداتها للغرب، وما سيليه من رفع العقوبات الإقتصادية وتحرير الرساميل المجمّدة.

نجحت إيران في حماية إقتصادها وطموحها الإقليمي، بينما فشل العرب في إنتاج ديبلوماسية موحدة أو حتى جزئية بمقدورها إيصال صوتهم إلى العالم. فشل العرب في إنتاج نظام أو كتلة متماسكة تراعي التنوع الديني والإثني والقومي في بلادنا، حتى صحوتهم المفاجئة بعدما تنبهوا للتوسع الإيراني لم تلق آذانا صاغية. وما العودة اليوم إلى خطاب القومية العربية، إلا رد فعل مراهق على الخطر الإيراني الحقيقي الذي طرق باب المندب، وبالتالي البحر الأحمر وقناة السويس عصب الإقتصاد العالمي ومعبر النفط السعودي.

قد لا يختلف الواقع الإيراني عن مثيله العربي، رغم ما يدّعيه من رصانة، ومرده إلى التنوّع القومي والديني واللغوي لهذه الدولة، وعجزها أن تنتج حتى اليوم نظام يراعي هذا التنوع رغم كل محاولات الرئيس الإصلاحي السابق خاتمي. وقد شهت إيران العديد من الأزمات وإضربات أخذت منحى عنفي من ثورة الدستور على الملك القاجاري محمد علي شاه، إلى إتفاضة الكرد والترك الآذريين بعيد سقوط الشاه رضا البهلوي، وإتفاضة مناطق أذربيجان وكردستان وخوزستان و تركمان الصحراء إبان الثورة الإسلامية. تبقى القومية الفارسية التي تشمل حوالي نصف سكان إيران هي المتحكم الرئيس بمقاليد هذه الدولة.

لذلك لا بد أن نطرح على أنفسنا الكثير من الأسئلة قبل أن نطالب الآخرين بأجوبة على ارتكاباتهم بحقنا. فإلى متى سنستمر في ترك دول إقليمية سواء إيران أو تركيا تغوص دينياً واقتصادياً وأيدولوجيا في مجتمعاتنا، دون أن نبدأ ورشة الترميم وإعادة الإعمار نفسياً ومجتمعياً؟ إلى متى سنبقى نتاجر بشعار القومية العربية، دون أن نعيد صياغة مفهومها على أساس جمعي لا يلغي الخصوصيات إنما يبني عليها ويتفرع منها إلى فضاء الوحدة الأرحب، وهي المسؤولة الأولى عن القمع الممنهج للتنوع المشرقي والتي إقترنت بالعسكريتاريا والأنظمة الأمنية القمعية؟ إلى متى ستبقى أنظمتنا قاصرة عن إدارة ثراء وغنى منطقتنا الطبيعي والبشري، دون فساد وتهميش ومنافع شخصية أو عائلية أو حزبية؟ إلى متى نتغنى بتجارب غيرنا ونستدعيها ونستجلبها رغم أنها لا تكون على مقاساتنا في أغلب الأحيان، ونقصر عن خوض تجربتنا الخاصة رغم ما نملكه من إمكانات وقدرات؟

السابق
هل يولّعها نصرالله اليوم بعد خطاب 5 أيار الهادئ؟
التالي
بعد حكم ميشال سماحة: العدل في لبنان لا أساس ولا ملك