هل بدأ الربيع الايراني من مهاباد؟

الربيع الايراني
تعاظمت الاحتجاجات في مدينة مهاباد الايرانية بعد انتحار فتاة هرباً من مغتصبها. التظاهرات ستتعاظم، خصوصاً بعد محاولة القضاء الايراني تبرئة المجرم. فهل سنشهد ربيعاً إيرانياً قريباً؟

يبدو أنّ الأحداث الكبرى التي تجري من حولنا وفي المنطقة بشكل عام قد حجبت الرؤية عما يجري في مدينة مهاباد الايرانية، او على الاقل خففت وهجها، وجعلت من التظاهرات الاحتجاجية المستمرة منذ اسبوعين تبدو وكأنها احداث صغيرة لم تنل حصتها حتى في الاعلام العربي والدولي، الا ان عارفين بالوضع الايراني وتشعباته لهم في هذه الاحداث كلام مختلف.
فتعاظم الاحداث وحجم الاحتجاجات والصدامات بين المتظاهرين الأكراد من جهة واجهزة الامن الايراني المدعومة من قوات الحرس الثوري من جهة أخرى جعلت الأمور تذهب الى ما هو ابعد من مجرد كونها ردة فعل عفوية على انتحار الفتاة فرينار خسرواني الموظفة في فندق تارا، بعد محاولة اغتصابها من قبل المسؤول عن ملف تصنيف الفنادق التابع للحرس الثوري.

اموال طائلة تُدفع لجهات خارجية على حساب لقمة عيش المواطن الايراني وازدهار مجتمعه

وما يؤكد أنّ مسار الامور في مدينة مهاباد الكردية، ذات الاغلبية السنية، آخذ بالتدحرج والتفاقم، هو فشل السلطات في احتواء الامر عبر القاء القبض على المتهم بالاغتصاب، وتحويله على المحاكمة. إذ كان يفترض ان تشكل هذه الخطوة نهاية الاحتجاجات، الا انّ جوّا من عدم الثقة بالقضاء الايراني يشيع بين أوساط المحتجّين، وهو ظهر جليا من خلال انتشار الرواية الرسمية المتبناة من قبل السلطة، رغم ركاكتها. إذ قالت الرواية الرسمية إنّ الفتاة كانت تحاول الهروب من والدتها بعد اتصال صاحب الفندق بها لإخبارها عن علاقة مشبوهة تربطها بالمسؤول عن التفتيش! ما أدّى إلى انزلاقها. وهذا يعني تبرأة واضحة للمتهم حتّى قبل امتثاله امام المحكمة.
وفي السياق نفسه لا يخفى على متتبع لتركيبة المجتمع الايراني وتناقضاته العرقية والاثنية، وجود حالة اعتراضية كردية عارمة تطالب بالانفصال او على الاقل بحكم ذاتي على غرار إخوانهم في شمال العراق. والجدير بالذكر ايضا انّ ما يقال عن الاكراد يقال ايضا عن العرب، والاتراك، والبلوش، وغيرها من القوميات الفرعية التي عجز نظام طهران القائم على نظرية ولاية الفقيه “الشيعية”، والمتلون بشكل فاقع باللون الفارسي، ان يخلق حالة وطنية جامعة تنصهر من خلالها كل هذه التعددية في بوتقة شعب موحد قائم على مفهوم المواطنة تحت سيادة النظم والقوانيين، على غرار ما تنتجه الدولة الحديثة.

المجتمع الايراني
ولنضف هذا الى مجموع التناقضات وتضاربها التي يعاني منه الشعب الايراني من ازمة اقتصادية خانقة نتيجة السياسات الخارجية وتدخل النظام الايراني في البلدان العربية، كلّ هذا يكلّف الخزينة الايرانية اموالا طائلة تُدفع لجهات خارجية على حساب لقمة عيش المواطن الايراني وازدهار مجتمعه، خصوصاُ مليارات الدولاارات التي تدفع لدعم نظام بشار الاسد في حربه على شعبه، ولتمويل “حزب الله” في لبنان. هنا يصبح ممكنا فهم الدعوات التي تطلق هذه الايام للتظاهر في كل المدن الايرانية انتصارا لما تتعرض له مدينة مهاباد.

انتحار الفتاة فرينار خسرواني بعد محاولة اغتصابها من قبل المسؤول التابع للحرس الثوري

وان كان من غير الخافي على احد أنّ دولا عديدة في المنطقة لها مصلحة كبرى في الضغط على النظام الايراني لخلق عاصفة حزم جديدة، لكن من داخل الحدود الايرانية وبأيدي ايرانية هذه المرة، فإنّ هذا الحراك الاعتراضي هذه المرة سيلقى كل انواع الدعم الممكن، على عكس ما جرى خلال الثورة الخضراء التي كانت يتيمة. ويومها بقيت الثورة الخضراء وحيدة وقمعت وحيدة… وبالتالي ربما نكون أمام ربيع إيراني أخذ بالتفتح، والأيام آتية.

السابق
بلا مزح: الميزان المكسور للعدل العسكري المعصور
التالي
جمعية قل لا للعنف تكرم ألام المثالية والعاملة «زينب فياض ضاهر »