الجيش السوري يطارد ٤٨ إيرانياً

المعتقلين الايرانيين لدى الجيش السوري الحر

في التاسع من كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣ نقلت وسائل الإعلام صور أكثر من ألفي معتقلة ومعتقل يخرجون من سجون النظام السوري، ويحصيهم وفد تركي من جمعية خيرية، ثم يوقفهم ضباط الأمن ويجبرونهم على الهتاف بحياة الرئيس بشار الأسد قبل أن يتركوا في الشوارع ليجدوا طريقهم إلى حيث يريدون، وفي الوقت نفسه كانت تنقل صور ٤٨ إيرانياً يجمعون في باصين، وينقلون وهم يضحكون نحو حريتهم أيضاً.

يوم التبادل المفترض قالت قناة «العالم» الإيرانية انه «كانت هنالك مطالب للمجموعات المسلحة، مثل الإفراج عن بعض المعتقلين وتحديداً لبعض الأسماء، ولم يتم التجاوب مع المجموعات المسلحة في ذلك”. مضيفة: «كانت هناك خطوة إيجابية جداً من قبل الحكومة السورية على سبيل المساعدة، عبر إطلاق سراح بعض الأشخاص ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وكان من المفترض إطلاق سراحهم من السجون السورية، وسيتم ذلك الآن».

أكدت إيران أن المجموعة المعتقلة من الحجاج الزوار للسيدة زينب، بينما قال الثوار إنهم من الخبراء الإيرانيين. وبين الاثنين وقف الكلام وانتهت عملية التبادل المفترضة، وبقي الناشطون في سجون النظام، وعاد خبراء الحرس الثوري إلى الحرية مجدداً.

وما بين الأردن وتركيا انتشر من بقي حياً من شهود على تلك المرحلة، إضافة إلى الداخل السوري، وهم يروون عملية القبض والتفاوض وإطلاق سراح الخبراء الإيرانيين كالتالي.

https://www.youtube.com/watch?v=eS7CAaranr0

خبراء لا زوار

أبو إبراهيم الإدلبي، رجل من الشمال السوري، اربعيني، من سكان العاصمة دمشق، كان احد قادة كتيبة البراء، وسيكون قائد عملية الخطف للزوار، ومع

تحول الثورة إلى السلاح أقام أبو إبراهيم شبكة علاقات في دمشق لمصلحة الثورة، ومن ضمن شبكة علاقاته رجل يعمل في شركة سياحية في العاصمة، هذه الشركة، كما غالبية شركات السياحة في العاصمة السورية تقتصر أعمالها على نقل سياح وركاب من المطار وإليه، أو أخذهم في جولات داخل البلاد، كان ذلك قبل الثورة، أما مع تقدم الثورة في المناطق فقد باتت الحركة أصعب والسياحة شبه متوقفة.

اتصل العامل في مكتب السياحة بأبو إبراهيم، وأخبره أن ثمة حافلتين ستتجهان من المطار إلى فندق ايبلا الشام، وعلى متنهما أكثر من ٨٤ إيرانياً، وأن ثمة حافلة ثالثة فيها نساء. وأكد له موعد الانطلاق، كان ذلك يوم الرابع من آب ٢٠١٢.

قبل الموعد انطلق أبو إبراهيم يخبر قادته. كان الفصيل قد توافق على قيادة أبو النصر (عبد الناصر شمير)، بصفته القائد الأعلى لكتيبة البراء، إلا أن أبو النصر لم يهتم كثيراً بمعلومات أبو إبراهيم حول باصات الإيرانيين، واعتبر أن الخبر قد يكون كاذباً أو كميناً. وعلى رغم إصرار أبو إبراهيم، وتأكيدات العامل في الشركة السياحية بأن هؤلاء ليسوا زواراً، وأن خبرته ومعلوماته سمحت له بالتمييز بأن هؤلاء من الخبراء الإيرانيين، إلا أن أبو النصر أهمل المعلومات وتمنع عن التجاوب.

في تلك المرحلة كانت المناطق لا تزال تحت سيطرة قوات النظام السوري، ولم يكن ثمة مناطق آمنة وأخرى خطرة، كانت حركة القوات العسكرية شديدة التعقيد، والمناطق متداخلة ببعضها، وفي داخل بعض القرى كان يمكن الحركة، ولكن على مداخلها وعلى مداخل المدن يمكن الوقوع بسهولة في حواجز للنظام.

ولكن في الوقت عينه كانت الفترة التي مضت على انطلاق الثورة والأعمال العسكرية المضادة للنظام كافية لإظهار الاهتراء الكبير لدى الجيش السوري وأجهزة مخابراته العسكرية كافة. كان الثوار يتحركون ويضربون، وأحياناً يقعون ضحايا لأعمال الكمائن الاستخباراتية، وفي غالبية الأحيان ينجحون، وكان النظام قد بدأ يستنجد بالقوات الإيرانية ويحيط أجهزته وقواته العسكرية بالخبرات الإيرانية وتلك الآتية من لبنان مع كوادر ومقاتلي حزب الله.

ويؤكد أحد القادة في الجيش الحر في منطقة دوما بأن أبو إبراهيم لم يتوقف لحظة عند رفض أبو النصر الاهتمام بالمعلومات، بل وبعد عدم اكتراث أبو النصر اتصل أبو إبراهيم بأبو محمود نمورة، قائد كتيبة الحمزة في دوما، وأخبره بما لديه من معلومات، إلا أن الآخر أيضاً لم يبد كبير اهتمام. فلجأ إلى أبو عباد الأخرس، وهو من دوما أيضاً، فاتفق الاثنان على متابعة المعلومات.

في اللحظة الأخيرة اتصل الشخص من شركة السياحة وأخبر أبو إبراهيم بأن الرحلة تأخرت ليوم واحد. وفي اليوم التالي تأكدت المعلومات حول مجيء الإيرانيين، عندها قال أبو إبراهيم لأبو عباد: “سأذهب لتنفيذ عملية الاعتقال، ومن يرغب فليرافقني”.

الساعة الثامنة صباحا كان أبو إبراهيم قد أخذ حوالي ٦٥ مقاتلاً من المتطوعين معه ورافقه أبو عباد، ووصل إلى طريق قصر المؤتمرات. تأخر الباص، واشتبه بعض المقاتلين بأحد الأشخاص الذي تبين لاحقاً أنه مخبرهم، ولكن في هذه الأثناء مر الباص الأول من دون أن يتمكنوا من إيقافه، ثم مر الباص الثاني فأوقفوه، وكذلك الثالث، الذي كان به نساء، ولكنهن لسن نسيبات الموجودين في الباص الموقوف.

يصف مقاتل من كتيبة البراء وأحد قادة الجيش الحر في المنطقة المشهد بالجنون، فقد كانت السيارات تعبر على الطريق الدولية الفاصلة بين المطار والعاصمة من دون أن تلتفت إلى ما يجري على الطريق من انتشار للمقاتلين، بعضهم اعتقد بأنهم عناصر من المخابرات، وبدأت السيارات تتوقف لاعتقاد سائقيها بأنهم أمام حاجز، ومر شرطي دراج، وشاهد المقاتلين على الطريق، يحيطون بالباص. خمسة أو ستة مقاتلين على طرف الطريق، وغيرهم ينتشرون هنا وهناك، ولكن الدراج آثر السلامة فلم يقترب وبالمقابل لم يعترضه أحد من المقاتلين.

بعد أن نقل أبو إبراهيم الباص المليء بالشبان والرجال الإيرانيين انطلق نحو أبو النصر، بصفته قائد كتيبة البراء، ولحظتها أعلن أبو النصر عن تبني العملية يوم الخامس من آب ٢٠١٢، عبر فيديو مصور في المكان الأول الذي وصله الباص.

تنقل وحملات قتل

أبو منير (اسم وهمي)، شاب عشريني من دوما، من الذين شاركوا في التظاهر في بداية الثورة، ولاحقاً حمل السلاح إلى جانب رفاقه لحماية التظاهرات، ثم كان يوم الرابع من آب ٢٠١٢ حين أخبره أبو محمود نمورة بأن يستعد لعمل في الصباح، إلا أن المجموعة تحركت وترك أبو منير العشريني نائماً في منزله، كانت القرى لا تزال مطوقة من أجهزة الأمن، الحراك يتم في داخلها أو سراً.

التحق أبو منير بمجموعته فور عودتها من خطف الباص يوم الخامس من شهر آب عام ٢٠١٢، وانتشر خبر وصول الإيرانيين المخطوفين إلى مزرعة (فيلا) في قرية المحمدية.

“بدأنا بتفتيش الإيرانيين، وكنت قد عدت إلى العمل كفرد من مجموعتي بعد عودتها من عملية الأسر”، يقول أبو منير.

في الباص عثر المقاتلون على البطاقات العسكرية للإيرانيين، وكانوا قد تخلصوا منها برميها بداخل الباص وتحت المقاعد، إذ لم يكن بإمكانهم فتح نوافذ الباص للتخلص من أوراقهم الحساسة.

وعلى الفور بدأت عمليات التحقيق مع المعتقلين، كان بينهم مترجم أفغاني وشيخ دين، وفي خلال التحقيق كان يجري أيضاً التخلص من الباص الذي كانوا يستقلونه.

بقي الإيرانيون تحت التحقيق ساعات النهار كلها، وكانت الحركة صعبة في المنطقة، حاول المقاتلون جهدهم عدم التحرك أو كشف مكانهم حتى المساء، وفي هاتف أحد الإيرانيين عثر المحققون على فيديو يظهره وهو يعمل على سرية مدفعية، ويقصف، ولكن لم يتمكنوا تحديد الدولة، أهي سورية أم إيران.

في التاسعة مساء انتدب أبو منير مع سبعة من المقاتلين الآخرين لنقل وحماية الإيرانيين، تم نقل الجميع بواسطة خمس سيارات قبل صلاة الفجر، “كنا نضعهم فوق بعضهم، كل عشرة في سيارة، لم يكن متاحاً تشكيل موكب كبير ولا العثور على العديد من السيارات”.

انتقل الموكب إلى مسرابا، وتم تقسيم المعتقلين إلى قسمين، قسم في منزل وآخرين في مدرسة. وفي المقر في المحمدية بقي أحد الضباط الإيرانيين، والشيخ والمترجم وسائق الباص، واختبأ الجميع في مسرابا لمدة ثلاثة أيام، حاول خلالها المقاتلون فهم خلفيات الوفد الإيراني، إلا أن أحداً منهم لم يكن يجيد العربية، فكان المقاتلون ينتهون بضرب معتقليهم لعدم تجاوبهم.

“لقد طلب منا عدم التعرض لهم بأية إساءة، كما أنه طلب منا عدم سؤالهم أي شيء، فهم لا يعرفون العربية إطلاقاً، ولكن الحشرية من جهة والحقد في نفوسنا ونزعة الانتقام جعلتنا نخالف أوامرنا”. يقول أبو منير.

في اليوم الأول للخروج من مسرابا وصلت حملة عسكرية من قوات النظام إلى تخوم المنطقة، كانت الحملة تقنص وتقتل كل من يتحرك، وعدد عناصرها كان كبيراً نسبة لما شاهده الثوار سابقاً، أضف إلى أنها اتسمت بالعنف الشديد.

«أحد الشبان الناجين من الحملة روى لي أنهم كانوا يبحثون في المنازل، وواضح أنهم يبحثون عن الإيرانيين، ولكن إطلاق النار يتم على المنازل قبل الدخول» يروي أبو منير، “واضح أن أوامرهم كانت تقضي بقتل الكل، إيرانيين وثوار كما أخبرني صديقي الناجي من الحملة”.

لم يقتل أحد من الثوار في تلك الحملة، بل تمكنوا من الفرار إلى دير العصافير، وإلى هناك لاحقتهم الحملة، فقاوموا قليلاً وانسحبوا أيضاً من المنطقة. وانقطعت الصلة بين المجموعة التي تحمي الإيرانيين وبين القيادة التي تعمل على تنظيم وضعها في مناطق لا يزال للنظام اليد الطولى فيها.

https://www.youtube.com/watch?v=c0g8jPXzI9c

مفاوضات بمطالب متعددة

على الفور بدأت الاتصالات ترد إلى قيادات الجيش الحر، كان أبو النصر قد سجل شريط فيديو يظهر عدداً من أسراه ويظهره شخصياً متبنياً العملية، ومن لحظتها بدأت المواجهات مع النظام الذي تتبع حركة المقاتلين والقادة، كما بدأت عمليات الاتصال بهدف التفاوض، فتدخل أول من تدخل الأتراك والقطريون بحسب ما يروي أحد قادة الجيش الحر المطلعين على تلك المرحلة.

أرسل الأتراك والقطريون أحد الأشخاص (نتحفظ عن ذكر اسمه) المنتمين إلى حركة الإخوان المسلمين، والذي سبق أن كان على متن إحدى بواخر أسطول الحرية التركي، بغاية التفاوض، فاتصل الرجل بأبو النصر، الذي طالب أولاً بإطلاق سراح المعتقلين لدى النظام، ودخلت لاحقاً مؤسسة IHH الخيرية التركية في خط الوساطة في شكل رسمي، فكانت تمثل الجانب التركي ومفوضة من قطر لأعمال الوساطة بين طهران ودمشق من ناحية وبين الخاطفين من ناحية أخرى.

مع بدء تجميع أسماء المعتقلين المطلوب إطلاق سراحهم، رجالاً ونساء، بدأت مطالب أخرى توضع على الطاولة، وأصبحت تتدرج كالاتي: ١-أسلحة، ٢- ذخائر، ٣- أموال، ٤- معتقلين.

في ذلك الوقت كان الأسرى والمجموعة الحارسة قد أضحوا بحالة عزلة عن قيادتهم: «أصبحت أوامرنا تأتي من قائد مجموعتنا الموجود بيننا بعد أن انقطع الاتصال بقيادتنا» يقول أبو منير.

وتسرب نبأ وجود الإيرانيين مع المجموعة بين أبناء مسرابا، فتم الانتقال مع الفجر نحو منزل قدمه مدني في مسرابا نفسها، وضم الجميع حيث بقوا هناك جميعاً: المخطوفون الإيرانيون، ومجموعة الحماية من دون أن يتحرك أي منهم من المنزل لمدة أسبوع. وسائق الباص هو الوحيد الذي تمكن من الفرار بينما بقي جميع الأسرى بقبضة الثوار يتنقلون مع مجموعة الحماية الأولى نفسها المكونة من ثمانية أشخاص.

«علمنا أن هؤلاء خبراء، من التحقيقات معهم، وبعد انضمام المترجم إليهم، كانوا قد تركوا نساءهم في بلادهــــم، وأتوا للعمل في سورية إلى جانب النظام، بينهم خبراء اتصالات وإلكترونيات وإنشاءات، وضبــــاط مدفعية ومدربين مختــصين من الشبان» يقول أبو منير.

ويتذكر أبو منير أسراه بالقول إن غالبيتهم لم يكونوا يصومون في رمضان، وبعضهم لم يكن يصلي، كان التفاهم أولاً بالإشارة، ثم صاروا يفهمون بعض التعابير العربية. “وبعضهم كان يدخن، فكان يشاركنا حصتنا من الدخان أيضاً” يقول أبو منير.

خلال تلك الأيام من شهر آب وصل إلى المنزل حيث يقبع الجميع سراً رجل وامرأة برفقة مالك المنزل، قال مالك المنزل إنهما من منظمة دولية، وإنهما يرغبان في مقابلة الإيرانيين، فرفض قائد المجموعة السماح بالمقابلة، ولم يلتقهما، ولكنه قرر في المقابل تغيير مكان الإقامة للجميع.

مرة أخرى انتقل الجميع إلى منزل جديد وما زالت القيادة غائبة عن الاتصال بعناصرها، ومكثوا في منزل أحد المواطنين المتطوعين لمدة ١٠ أيام أخرى إلى حين أتى صاحب المنزل واعتذر من الثوار قائلاً إنه لا يمكنه الاحتمال أكثر من ذلك، ولحسن الحظ، كما يروي أبو منير، فان القيادة انتقلت في الوقت نفسه إلى منطقة العب، حيث أعادت التواصل مع المجموعة، ونقلت الجميع إلى مزرعة (فيلا) بين العب والشيفونية، ووضع كل المعتقلين فيها، على رغم أن المناطق كلها كانت لا تزال تحت سيطرة جيش النظام.

(الحياة)

السابق
السيّد الأمين: حزب الله مقاومة لذا لا يجوز له التدخل في سوريا
التالي
تضارب اولويات الاجندات السياسية الداخلية يمنع الانتخابات الرئاسية