أيّارنا وأيّاركم: لنا دم الحسين ولكم سيف القتلة

تحرير جنوب لبنان 2008
من 25 أيار عام 2000 إلى 7 أيار عام 2008، تحول المقتول قاتلاً، والمظلوم ظالماً، والمُعتدى عليه غازياً، والمُحرّر محتلاً، والزعيم طاغية... في السابع من أيار المقاومين الأشاوس أنفسهم الذين حرّروا الجنوب، احتلوا العاصمة بيروت، وها هم اليوم يحملون سلاحهم في دمشق وبغداد وصنعاء.

 

 

يكاد أيار يختصر تناقضات لبنان التي لا تعد ولا تحصى، فالشهر الخامس مثخنٌ بسيل من الذكريات والأحداث التي نريد أن نحياها كل يوم ولحظة، وتلك التي نريد أن ننساها كل يوم ولحظة.

تناقضات تشير بأن أيار مضى على درب زميليه أي كانون بأوله وثانيه، وتشرين بأوله وثانيه، وكأن الشهر انشطر واستحال أيار أول وأيار ثانٍ، وكل منهما لا يربطه بالآخر سوى الاسم ودورة التقويم الميلادي فقط لا غير.

في صبيحة الخامس والعشرين من أيار مايو عام 2000 استفاق اللبنانيون من كل الطوائف والمِلل على هروب جنود الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان تحت وطأة ضربات المقاومين الأشاوس والأبطال.

حينها، رفُعت بعفوية تامة الأعلام اللبنانية ورايات حزب الله (الشيعي) جنباً إلى جنب، في صورة ذات دلالة واضحة على أن الحزب بات يحتل مكانة كبيرة ومرموقة ترقى حد القداسة في قلوب اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم.

كَسر لبنان المشكوك في عروبته على ما تبين في مقدمة الدستور قبل اتفاق الطائف (بلد ذو وجه عربي) بسواعد أبطاله الجنوبيين (الشيعة)، أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. لم يقتصر قلب المفاهيم على تحطيم صورة العدو فحسب، بل نجح كذلك في إعادة تشكيل نفسية المواطن العربي المهزوم دوماً بحرب أو من غير حرب.

صبيحة 25 أيار 2000 استفاق اللبنانيون من كل الطوائف والمِلل على هروب جنود الاحتلال الاسرائيلي

أفلح رجال السيّد حسن نصرالله بإمكانياتهم البسيطة وإرادتهم الصلبة وعزيمتهم التي لا تلين في تحقيق ما عجزت عنه جيوش نظامية، مجهزة بطائرات وصواريخ ودبابات وآلاف مؤلفة من النجوم والدبابير والنياشين المنتهية الصلاحية.

غيّر الانسحاب الإسرائيلي من لبنان المعادلة على أكثر من صعيد، بدءاً من الواقع الجغرافي مروراً بالميزان العسكري أو بالأصح تكتيكات القتال وفنون المواجهة ومقايس النصر والهزيمة وصولاً إلى شعور المواطن العربي، وهو الأهم.

في النقطة الأخيرة تحديداً، استبدل المواطن العربي بفخر واعتزاز كل قادة الجيوش العربية دفعة واحدة برجل واحد اسمه حسن نصرالله، وانسحب فعل الاستبدال هذا على الآلاف المؤلفة من الجنود النظاميين على مساحة العالم العربي بالمقاوم الجنوبي، الذي بات قدوة حسنة يحلم الآباء أن يروا فلذات أكبادهم على صورته ومثاله.

ألا ليت الزمن توقف هناك، ألا ليت الزمن توقف عند بزوغ فجر الخامس والعشرين من أيار عام 2000، يوم بات الجنوب موئلاً للحرية والكرامة، يوم بات الجنوب يصدّر إلى الدول العربية قوارير التراب المحرّر، قوارير التراب الممزوج بدماء الرجال الرجال.

ولكن الزمان “الغدّار” دار دورة كاملة، وخرج علينا من صلب غدره بكابوس السابع من أيار. بعد 8 سنوات من اللحظة التاريخية التي أردنا أن نعيشها كل يوم، لم نشأ أن نصدّق بأن المقاومين الأشاوس أنفسهم الذين حرّروا الجنوب … احتلوا العاصمة بيروت.

أيّار عام 2000 “لعلع” الرصاص في العاصمة بيروت فرحاً بتحرير الجنوب، أيّار 2008 “لعلع” الرصاص في شوارع “تل أبيب” فرحاً باحتلال ست الدنيا

لم نشأ أن نصدّق بصرف النظر عن الحجة والتبرير والذريعة وكل مفردات “الضرورة والاضطرار” وأمن “المقاومة”، بأن الراية الصفراء التي رفعنا بالأمس “تمذهبت” … وذهبت في طريق الفتنة السوداء.

لم نشأ أن نصدّق بأن الجنوبيين “الأشاوس” حطموا بأنفسهم صورة المقاومة في نفوسنا، وهزموا عن سابق تصوّر وتصميم وحدتنا الوطنية وعيشنا المشترك وسلمنا الأهلي.

7 أيار 2008

ومثلُ اللبنانيين لم يشأ العرب أن يصدّقوا بأن حسن نصرالله لا يختلف كثيراً عن قادة جيوشهم الذين مارسوا أبشع أنواع التنكيل والظلم والاضطهاد بحق شعوبهم، كيف يفعل وهو الذي انتصر لهم وانحاز لحقوقهم وتكلم بلسانهم على مدى عقدين من الزمن ؟!

لم يشأ العرب أن يصدّقوا بأن المقاوم الجنوبي الذي ذاق مرّ الاحتلال الإسرائيلي، يستطيع أن يمارس يوماً دور المحتل، ماذا يقول العرب اليوم لأبنائهم عن صورة البطل ومثاله ؟!

في آيار عام 2000 “لعلع” الرصاص في العاصمة بيروت فرحاً بتحرير الجنوب، وفي آيار 2008 “لعلع” الرصاص في شوارع “تل أبيب” فرحاً باحتلال ست الدنيا … فرحاً ببداية نهاية مشروع المقاومة.

في أيار الأول كان الجنوب يصدّر قوارير الكرامة وجثامين الشهداء إلى العواصم العربية (عملية تبادل جثتي جنديين إسرائيليين مقابل الإفراج عن سمير القنطار ومقاتلين آخرين وعشرات الجثامين لمقاتلين فلسطنيين وعرب)، وفي أيار الثاني بات الجنوب يتلقّى توابيت أبنائه الموزعين بتكليف “أبله” على العواصم العربية.

بين أيار الأول وأيار الثاني استحال المقتول قاتلاً، والمظلوم ظالماً، والمُعتدى عليه غازياً، والمُحرّر محتلاً، والزعيم طاغية و ….

في غمرة التناقضات لنا أيارنا ولكم أياركم، لنا الشهادة على تخوم فلسطين المحتلة، ولكم الموت في زواريب بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، لنا أطفال الغوطة وحمص ودرعا وحماه وحلب وإدلب وبانياس ومخيم اليرموك والمعضمية ودوما وحرستا، ولكم الكيماوي والبراميل المتفجرة، لنا أحشاء حمزة الخطيب وحنجرة إبراهيم القاشوش ولكم رستم غزالة وعلي مملوك وآصف شوكت وبشار الأسد، لنا أيارنا ولكم أياركم … لنا دم الحسين ولكم سيف القتلة.

السابق
برتوكولات الفتنة المذهبية
التالي
حركة حماس في لبنان تحيي ذكرى النكبة ببرنامج سياسي واعلامي