الأعلام التركية رُفعت في طرابلس.. جدل عالي النبرة حول المجازر الأرمنية

أثار قرار وزير التربية الياس بوصعب بالتعطيل يوم الجمعة حفيظة البعض في المجتمع الطرابلسي، وفعالياته، رفضاً للقرار. ومن أبرز الهيئات الرافضة للقرار دار الافتاء في طرابلس، وجمعية العزم والسعادة التابعة لرئيس مجلس الوزراء الاسبق نجيب ميقاتي، وهيئة العلماء المسلمين، ودعا عدد من الجمعيات إلى اعتصامات الجمعة استنكارًا لموقف الوزير، ودفاعًا عن تركيا.

وأصدرت “جمعية بيت الزكاة” بيانا طالبت فيه الحكومة اللبنانية بتوضيح حقيقة تبنّيها لقرار الوزير، وأوضح بيانها أن الجمعية “تدين كلّ المجازر التي وقعت في بلادنا العربية والإسلامية أو في العالم”، معلنة في البيان: “سوف نتقدّم من مجلس الوزراء بجدول عن المذابح التي ارتكبت بالأقاليم العربية والإسلامية، وليتحمّل المجلس النتائج، ولتعطل المدارس كل أيام العام الدراسي حدادًا على تلك المجازر”.
هنا شارع “آراكس”…هنا القضية لا تموت
أحد أبرز المتحرّكين ضد قرار الوزير الشيخ د. ماجد الدرويش – مدير مكتب مفتي طرابلس والشمال الشيخ د. مالك الشعار، تحدّث عن الأسباب التي دفعت دار الفتوى في طرابلس لرفض قرار وزير التربية فقال: “بحسب رأيي الشخصي ان الاسباب التي دفعت وزير التربية لاتخاذ هذا القرار تعود الى التجاذبات السياسية داخل الطائفة المسيحية، وهناك “تقاتل” على أصوات الارمن في الانتخابات كون الوزير بوصعب ينتمي الى “كتلة” النائب ميشال عون، لذلك “طلعت القصة براسنا” نحن المسلمون”.
أضاف: “نحن لا نقرّ بوجود مجازر بحقّ الارمن، بل كانت هناك مشكلة بين المسلمين والارمن في تركيا بشكل او بآخر. كانت هناك حروب قتل فيها الارمن من المسلمين أضعاف ما قتله المسلمون منهم. يدّعون ان عدد من قتل منهم مليون ونصف المليون شخص، فاذا كان عددهم في الدولة العثمانية لا يصل الى مليون ومائتي الف ارمني فكيف يكون عدد من قتل منهم اكبر من عددهم الحقيقي؟”

وتابع: “الوثائق التي بين ايدينا تثبت ان عدد من مات من الأرمن لا يتجاوز المائة الف، ثلثهم في المعارك ومن تبقى أثناء تهجيرهم من مكان آخر. نحن لا نبرّر ما حصل، لكنهم يضخّمون الموضوع كثيرًا، ويأخذونه باتجاه غير صحيح، وحزب “الطاشناق” يتّهم السلطان عبد الحميد باتهامات هو اولى بها، فهو اول من استخدم تقنية السيارات المفخخة للاغتيال، سنة 1905 وحاول اغتيال السلطان عبد الحميد بواسطة سيارة مفخّخة وضعها في طريقه من المسجد الى بيته، وقدر الله ان الناس تكاثروا عليه فتأخر بالوصول الى المسجد، وقد انفجرت السيارة، ليس بعيدًا عنه، مما ادى الى مقتل عدد كبير من الناس، وقد اعتقل، بعد التحقّق من السجلات، من نفّذ هذا العمل حيث تبين انهم ينتمون الى حزب الطاشناق بالتعاون مع شخص بلجيكي متخصّص بتفخيخ السيارات”.

وفي دفاعه عن تركيا، قال: “الاتراك طرحوا تشكيل لجنة تاريخية تبحث في الارشيف التركي والارمني والاميركي والانكليزي، واذا تبيّن ان تركيا ارتكبت مجازر تقبل بمقاضاتها ، لكن ارمينيا رفضت هذا الطرح. وقد سبق ان جرت محاكمات بعد خلع السلطان عبد الحميد سنة 1908، واستلام جمعية الاتحاد والترقّي الحكم والتي وقعت الاحداث في عهدها سنة 1915، وهذا الحكم ، بعد السلطان عبد الحميد، كان أكثر أذًى للمسلمين مما تعرّض له الارمن، حيث علقت مشانق ابنائنا في بيروت ودمشق، وضربت اللغة العربية، وصار الأذان يرفع باللغة التركية وكذلك القرآن”.

الدرويش طالب بـ “تشكيل لجنة محايدة تبحث في التاريخ، رغم انها شكلت محكمة في بريطانيا حوكم فيها رئيس الوزراء التركي طلعت باشا الذي اتّهم بالمجازر، وقد تشكلت المحكمة كما أراد الارمن وعيّن قضاة كما ارادوا وجرى نبش كل الملفات فلم يعثر على اثباتات كما اعلنت المحكمة سنة 1926″.

وقال الشيخ الدرويش:” دار الفتوى تدخّلت حالياً لوقف الفتنة واعادة الامور الى نصابها ، ولا يجوز ان نسكت عمّن يريد تفجير البلد. القانون يضمن حرية التعبير، ولكن ضمن حدود ودون إساءة إلى الآخرين، وكما اعترضنا على إساءة حزب الله إلى المملكة العربية السعودية، كذلك نرفض الإساءة إلى تركيا او اية دولة توجد علاقة بينها وبين لبنان”.

وختم مؤكدًا أن مدارس طرابلس سوف تفتح غدًا بما فيها المدارس التي تعطّل في هذا اليوم.

يذكر أن العديد من العائلات الطرابلسية من جذور تركية، وبعضها لا يزال يحمل الاسم التركي، وكثير من آثار طرابلس عثمانية لا تزال تشكل حيّزًا هامًا من آثار المدينة التاريخية.

من ناحية أخرى، استقبل مفتي طرابلس والشمال الدكتور الشيخ مالك الشعار في مكتبه بدار الفتوى بطرابلس، رئيس حزب الطاشناق النائب أغوب بقرادونيان على رأس وفد من الحزب ضم مسؤول الشمال فاتسيه هارمانيان بحضور رئيس دائرة أوقاف طرابلس الشيخ عبد الرزاق إسلامبولي.

بعد اللقاء قال بقرادونيان: “طرابلس هي المدينة التي احتضنت الأرمن في أوائل القرن العشرين وكذلك منطقة الشمال التي لجأ إليها الأرمن في القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر”.

أضاف: “أنا أعتبر أن هناك سوء تقدير لموضوع الإبادة ومن هذا المنطلق أودّ أن أكرّر أنه تمّ ارتكاب الإبادة ونحن نعتبرها جريمة ضد الإنسانية ارتكبت قبل قرن من قبل دولة الترقي والاتّحاد ومن قبل الدولة العثمانية، وهذه الإبادة لم ترتكب من منطلقات دينية بالمطلق، فالدولة العثمانية كانت دولة وفيها رعايا مسلمون ومسيحيون، وقد تعرّض المسيحيون مثلما تعرّض المسلمون، ونحن في لبنان تعرّضنا كلّنا مسيحيين ومسلمين، لمجازر، ولمجاعة، ولمشانق في 6 أيار والدين ليس له علاقة بهذا الموضوع”.

وأردف: “لقد استغل الدين لأسباب سياسية لإعطاء تفسير آخر لموضوع الإبادة، وأنا أعرف أن الدين لا علاقة له بأيّ جريمة، لا بل الجرائم ترتكب باسم الدين والإسلام بريء والمسيحية بريئة من الجرائم”.

وقال: “بالنسبة لفعاليات مئوية الإبادة فان ما نطلبه هو العدالة والحقّ ومن هنا من دار الإفتاء دار العدالة والمساواة والحق نتناول هذا الموضوع، ونحن نتعرّض اليوم لشتى أنواع الظلم والحقد والجرائم والمجازر والمذابح ولو تمّ معاقبة المجرم قبل قرن لما تجرأ هتلر أو شارون أو نتانياهو أو مجرمون آخرون في البوسنة والهرسك وفي مناطق أخرى من العالم وفي العراق أن يرتكبوا جرائم”.

من جهته قال الشعار: تناول لقاؤنا محطات هامة في البوسنة والهرسك وفي فلسطين وأراد (بقرادونيان) أن يكون جزءًا من هذه الهوية العربية مما يدلّ على وعيه الوطني وقبل ذلك على وعيه الإنساني. من حقّ أي مواطن أن يمارس حرّيته ومعتقده طالما أنه ضمن إطار الانتظام العام في الجمهورية اللبنانية، ومن واجب اللبنانيين جميعا أن يبقوا مع بعضهم حتى في حال تباين الرأي والموقف، لأن الوطن يسع الجميع ولأن أخوتنا ووحدتنا الوطنية فوق كل الخلافات السياسية”.

وقال: “الأرمن مكوّن اساسي في لبنان، ومكوّن أساسي في طرابلس، وأنا على تواصل دائم معهم في المناسبات الوطنية والدينية وغيرها، وقيمنا الدينية والوطنية تقوم على أمر أساسي هو احترام الإنسان، ولأن الله تعالى قال في القرآن الكريم (ولقد كرمنا بني آدم)، لا علاقة لذلك في تكريم الأديان للانسان، وأقول استطرادا حتى أولئك الذي لا دين لهم من البوذيين وسواهم مكرّمون وحقوقهم محفوظة في قيمنا الدينية”.

واضاف: “أرحب بالضيف واعتبر أن تشريفه ليس من أجل حلّ مشكلة انتهت، فمن حقّ إخواني الأرمن أن يعبروا عن رأيهم الوطني، ومن واجبنا أن نستوعبهم في إطار الحفاظ على الانتظام العام للجمهورية اللبنانية”.

وعلى صعيد ما قيل عن إلغاء احتفالات في “مركز العزم الثقافي – بيت الفن” بسبب مشاركة فرق أرمنية في مهرجان الجمعية، أصدر المركز توضيحًا ذكر فيه أن المهرجان لم يكن له أية صلة أو علاقة بموضوع القضية الأرمنية، وهو برنامج ثقافي وفنّي حضاري، تشترك فيه فرق لبنانية من مختلف المناطق والانتماءات، ولا علاقة له بأيّ اصطفافات سياسية، لكن جمعية إنماء طرابلس والميناء التي يرأسها روبير الفرد حبيب، أصدرت بيانًا تعاطفيًّا مع الأرمن، مؤكدة أنهم جزء من المكون اللبناني ويجب التعاطف مع قضيتهم.

ومساء قامت الجمعية اللبنانية التركية والمجتمع المدني بحملة تضامنية مع تركيا، حيث وزعت الاعلام التركية على الطرق، ورفعت الاعلام على بعض المدارس والمباني، وفي الأماكن العامة.

(النهار)

السابق
هكذا توقفت الحرب السعودية على اليمن
التالي
لبنان «المعلَّق» من أين يأتيه الفرج… من حلّ في اليمن أم من الاتفاق النووي؟