مخاوف من الصفقات والرشى والاستغلال ونقص الجهوزية هل يلجم قانون السير الموت العبثي؟

قانون السير الجديد لبنان

سلك قانون السير الجديدطريقه بدءا من أمس، الى التنفيذ المتدرج، الامر الذي ترك ردود فعل متفاوتة في الوسط الشعبي، فيما اصطفت طوابير طويلة من السيارات أمام مراكز المعاينة الميكانيكية لتسوية أوضاعها، قبل ضبطها بـ «الجرم المشهود

ليس خافيا ان عدد ضحايا حوادث السير في لبنان ضرب أرقاما قياسية، وان الموت العبثي بات «رفيق درب”.

وليس خافيا، ان مئات القتلى والجرحى يسقطون سنويا في «حرب استنزاف، تدور على الطرق المستباحة، وتزرع الحزن والأسى في صفوف الكثير من العائلات.

وعليه، لا نقاش في الحاجة الى قانون سير حازم يلجم الفوضى المزمنة ويضع حداً للقتل المجاني.

ولا نقاش في الحاجة ايضا الى تطبيق نزيه للقانون، من دون ارتخاء أو إهمال، فلا يكون تنفيذه موسمياً أو مزاجياً، بل منتظماً ودائماً، وفي الاتجاهين (الدولة والمواطن).

ولكن القانون يجب ان يكون كذلك عادلا وموضوعيا، فلا يحوّل المواطنين الذين يُفترض به حمايتهم، الى «ضحايا له.

وبالتأكيد لم يكن أمرا إيجابيا ان ينطلق قانون السير الجديد، وكثيرون من الناس يتوزعون بين من يعارضه، ومن يقف على الحياد. لقد كان ينبغي بالقائمين على وضعه ان يستقطبوا الناس، قبل الغرامات، وان يجعلوهم حلفاء للقانون وشركاء في تطبيقه، لا خائفين أو متوجسين منه.

ولولا ان هناك حلقة مفقودة بين شريحة واسعة من المواطنين والقانون الجديد، لما كان البعض قد وصل في احتجاجه عليه الى حد قطع الطرق بالإطارات المشتعلة كما حصل في بعض المناطق، بدل الاحتفاء به والتجاوب الطوعي معه.

تساؤلات

وإذا كانت المرحلة الاولى من التطبيق ستركز على ملاحقة المخالفات المتعلقة بالسرعة، والمرورعكس السير، وتجاوز الاشارة الحمراء، وعدم استعمال حزام الامان، والوقوف صفاً ثانياً، والقيادة المتهورة، والقيادة أثناء استعمال الهاتف، والقيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، وقيادة الدراجات النارية بتهور، إلا ان ذلك لا يمنع – برغم ضرورة لجم هذه التجاوزات – طرح تساؤلات كانت موضع تداول في الشارع خلال الأيام الماضية، ومن أبرزها:

– هل قامت الدولة بتنفيذ واجباتها، حتى تكون قدوة للجمهور، قبل أن تطلب منه التقيد بواجباته؟

– هل أنجزت البنية التحتية والفوقية لقانون السير الجديد؟

– أين قاعدة البيانات التي تحدد الجهة المسؤولة عن الحوادث وأسبابها، وما إذا كانت المشكلة في القانون القديم أم في الطرق أم في مكان آخر؟

– أين الطرق «المطابقة للمواصفات، من حيث اتساعها وخلوّها من الحفر والنتوءات التي كثيرا ما تتسبب بحوادث السير حين يحاول السائقون تفاديها؟

– ماذا عن الخلل في الإشارات الضوئية التي يبدو أن عددا كبيرا منها متعثر أو معطل، ولماذا لم يتم التأكد من انتظامها قبل دعوة السائقين الى التقيد بها وتغريم من يتجاوز الاحمر منها؟

– أين الإنارة في العديد من الطرق التي تتحول في الليل الى «أحجية؟

– أين مواقف السيارات، قبل معاقبة من يضطر الى الوقوف صفا ثانيا؟

– أين هو النقل العام الشامل الذي يمكن ان يدفع الى التخفيف من استعمال السيارات الخاصة، وبالتالي الى الحد من الحوادث والزحمة؟

– أين الأرصفة وجسور المشاة في العديد من شوارع المدن والمناطق، قبل تغريم الذين لا يلتزمون بأحكام القانون؟

– كيف سيتم التعامل مع تجاوزات مواكب المسؤولين والسياسيين، والى أي مدى سيملك رجال الامن الجرأة على تحرير مخالفات بحق أصحاب الحصانات؟

– هل بمقدور المواطن اللبناني تحمل الأعباء المالية للحصول على «دفتر سوق، وفق مقتضيات القانون الجديد، والتي يقارب مجموعها الـ2000 دولار؟

– من يضمن حُسن تنفيذ الشق الإيجابي «الردعي من القانون، وهل ثمة رقابة على سلوك العناصر الامنية لضمان عدم استنسابيتها، ولمنع فتح باب الابتزاز وازدهار ظاهرة الرشى التي قد تنتعش بفعل ارتفاع قيمة الغرامات؟

– ثم كيف يجوز فرض غرامات باهظة على المخالفين، لا تتناسب مع قدرات ذوي الدخل المحدود الذين أصبحوا أكثرية في بلد لا يتجاوز الحد الادنى للأجور فيه الـ600 ألف ليرة؟

ومن باب التندر، بدأ سريعاً التداول بنكات من نوع ان تسليم السيارة المخالفة للقوى الامنية أقل كلفة من مجموع بعض الغرامات، وان بعض المصارف يستعد لإطلاق قرض «غرامة السير!

وظهر أمس ميل فوري لدى عدد من التجار نحو الاستغلال التجاري للعديد من المتطلبات التي يفرضها القانون، فسُجل ارتفاع فوري في أسعار المطافئ التي بات وجودها في السيارات إلزاميا، والمثلث الاحمر الذي يُستخدم للإشارة عن بُعد الى السيارة المعطلة، ما يدفع الى التساؤل حول كيفية حماية المواطن اللبناني من المستغلين والمحتكرين.

ولعل التحديات أمام القانون الجديد ستصبح أكبر لاحقا حين يتم الانتقال الى مرحلة استبدال اللوحات الحالية للسيارات بلوحات ذكية وتجديد دفاتر السوق والسير ووضع اللاصق الالكتروني على زجاج السيارة، حيث يُخشى من صفقات وسمسرات في التلزيم والمناقصة، على حساب المواطن والخزينة في آن واحد.

بل ان هناك من يهمس منذ الآن بأن إحدى صفقات التلزيم كادت تكون من نصيب أحد النافذين المقربين من شخصية سياسية بارزة، قبل ان يؤدي انكشاف الامر الى تجميدها.

وتردد ان النائب المالي العام القاضي علي ابراهيم وضع يده على الملف.

وفي الخلاصة، ان قانون السير لا يُختصر بعقوبات وغرامات، وبالتالي فإن مسؤولية الدولة تتعدى هذا الجانب الإجرائي الذي قد يكون الأسهل، الى الجانب الإصلاحي الأهم الذي ينبغي ان يتطلع الى تطوير وتعميم السلامة المرورية، على قاعدة تلازم الحقوق والواجبات، لدى كل من الدولة والمواطنين.

وكانت القوى الأمنية قد باشرت، أمس، في «تطبيق قانون السير الجديد في بيروت
والمناطق، واتخذت الحملة في يومها الاول طابعاً «إرشاديا وتوجيهيا، سيستمر لبعض الوقت قبل الانتقال الى مرحلة تسطير الغرامات.

وقال رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدم جوزيف مسلم لـ«السفير، انه سُجل امس « التزام كبير من جانب المواطنين، مع تسطير مخالفات قليلة.

(السفير)

السابق
كيري للحريري: انتخاب رئيس لحماية لبنان
التالي
عقد سلسلة لقاءات في الكابيتول والخارجية وكيري أكد له التزام واشنطن باستقرار لبنان